إستحقاقات إقليمية وإشارات دولية قد تتكرر وتكون إصابتها مباشرة اكثر للبنانيين!

كان لافتاً ازدحام الاستحقاقات الاقليمية خلال الاسابيع القليلة المقبلة، مع تنشيط الحركة الدولية في اتجاه لبنان وازمة الرئاسة الاولى. ذلك انّ اتفاق بكين في العاشر من آذار الماضي بين السعودية وايران، كان قد حدّد مهلة الشهرين للشروع قدماً في استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وهو ما يعني انّ موعد العاشر من ايار المقبل سيُصادف موعد انتهاء هذه المهلة، وفي انتظار هذا الموعد هنالك لقاء وزيري خارجية البلدين في العاصمة الصينية ايضا والاهم الزيارة التي حكي عنها ومن المفترض ان يقوم بها الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي للرياض، والتي قيل ان الاجراءات جارية لتحقيقها بعد عيد الفطر. كذلك هنالك القمة العربية التي ستعقد في السعودية في 19 ايار المقبل، وستشهد على الارجح عودة سوريا اليها بشخص رئيسها بشار الاسد.

لكن الصورة من زاويتها العريضة تبدو متناقضة، اذ وفيما تعمل كل من الرياض وطهران على تحطيم الحواجز بينهما، يبدو المشهد مختلف في سوريا واستطراداً في لبنان. ذلك ان أحد اهم اسباب إعادة دمشق الى حضن الجامعة العربية، هو العمل على تأمين الاجواء المطلوبة والملائمة لتقليص نفوذ ايران فيها. ويدور كلام في الاروقة الديبلوماسية العربية عن بعض الخطوات المطلوبة من الاسد في مقابل التطبيع معه، وتتعلق باستئناف المفاوضات مع المعارضة، ووقف تهريب المخدرات وحبوب الكابتاغون الى دول الخليج، والبدء بوضع برنامج زمني لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم. وسيَترافق ذلك مع مساعدات اقتصادية تبدو سوريا بأمسّ الحاجة اليها، في موازاة العمل على تخفيف الحضور الايراني في سوريا.

في المقابل سجلت الاوساط الديبلوماسية الغربية تكثيفاً ايرانياً لحركة توريد السلاح الى سوريا ومنها الى لبنان خلال الاسابيع الماضية، وهذا ما يفسّر تكثيف الهجمات الاسرائيلية على مواقع ايرانية في سوريا والتي جاءت قاسية في بعضٍ منها وأدت الى سقوط مستشارين ايرانيين من الحرس الثوري. وتعتقد هذه الاوساط أنّ هذه الاعتداءات الجوية الاسرائيلية مرشحة لأن تبقى ناشطة خلال المرحلة الحالية توازياً مع تكثيف الحركة الايرانية، لا سيما وفق اعتقادها أنّ الحملات الجوية الاسرائيلية كانت قد نجحت في الماضي في منع ايران من ترسيخ حضور قوي في سوريا وفق ما كانت تخطط له. كما أدت الى تقليص برنامج توريد الاسلحة الى «حزب الله» وفق اعتقادها. وهذه الصورة دفعت بالبعض الى اعتبار ان الاتفاق الذي حصل بين السعودية وايران في العاصمة الصينية له اسبابه وظروفه الداخلية لكلا البلدين، وهو اتفاق يحمل موجبات امنية اكثر منه شراكة سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة. ولا حاجة للتذكير بأن السعودية التي انكشفت امام الهجمات الصاروخية وعانت من الجرح المفتوح في اليمن، ارادت من الاتفاق ضماناً امنياً لها، واستقراراً طويلاً يسمح لها بالشروع في برنامج 2030. وايران التي اكتشفت بأنها باتت بعيدة عن بعض شرائح مجتمعها، لا سيما منها شريحة الشباب، وجدت في الضائقة الاقتصادية حافزاً لإضعاف الاحاطة الشعبية حول سلطاتها، وهي كانت قد اتهمت السعودية بتجييش الاحتجاجات الشعبية التي استمرت اشهراً عدة.

وراقبت الاوساط الديبلوماسية بكثير من التمعّن، عدم حصول ردات فعل شعبية منددة بالاعتداءات الاسرائيلية، على هامش تشييع مسؤولي الحرس الثوري الذين سقطوا بالقصف الاسرائيلي على مواقع ايرانية في سوريا. والانطباع الغربي هو أنّ شعور اللامبالاة كان الغالب ولهذا معناه في السياسة.

واستطراداً، فإنّ الاستنتاج بأن «اتفاق بكين» ذهب اليه الطرفان السعودي والايراني مرغمين ولأسباب أمنية ملحّة، لا عن اقتناع سياسي ووفق مشروع تصاعدي. والتوصيف الأكثر واقعية هو أنّ الحرب القاسية التي كانت قائمة وفق مبدأ الحديد والنار، إن في اليمن او حتى في سوريا ولبنان، تم استبدالها بوقف لإطلاق النار في اليمن، ولكن مع حرب ناعمة وغير منظورة في كل من سوريا ولبنان. ولكن للحرب الناعمة اسلوبها المختلف عن اسلوب الحرب المكشوفة وشروطها. فبدل تبادل الطعنات وسط الصراخ ستحلّ اللكمات السياسية والديبلوماسية مع تبادل القُبَل.

فالتعاون المفتوح ما بين السعودية والصين سيجعل من الاخيرة ضامناً ممتازاً لتطبيق الشق الامني من الاتفاق، ومساهماً في ضبط النفوذ الايراني في المنطقة. ذلك انّ الصين تدرك جيدا اهمية التموضع السعودي الجديد بينها وبين واشنطن ولو على الصعيد التجاري ـ الاقتصادي فقط. ومن هنا ستعمل الرياض على التحصّن بعلاقتها الدافئة الناشئة مع الصين لمصلحة اعادة تكوين مشهد جديد في سوريا ولبنان. وكذلك السعودية سلّفت وما تزال روسيا التي تمر في مرحلة حرجة جداً. فقرار أوبك + بخفض إنتاج النفط سيعني حكماً رفع اسعاره في الاسواق العالمية وبالتالي سيسمح لروسيا بتمويل حربها في اوكرانيا، خصوصاً وسط استعداد كييف والدول المتحالفة معها لهجوم مضاد خلال الاسابيع المقبلة.

وروسيا القلقة من انفجار الاوضاع في لبنان كي لا يتأثر حضورها في سوريا، ستكون ملزمة برد التحية للسعودية في سوريا ولبنان، بإعادة تعديل التوازنات القائمة ومراعاة هواجس السعودية.

ومن هنا جاءت فكرة دفع مجلس الامن للتحضير لتبنّي قرار على مستوى الازمة الرئاسية في لبنان، وايضاً تأمين درب العودة السورية الى حضن الجامعة العربية. ولكن من التهور بمكان الذهاب في هذا الاتجاه بأسلوب التحدي لإيران فللحرب الناعمة شروطها كما أسلفنا.

لذلك عادت المفاوضات غير المباشرة حول الملف النووي، مع ما تحمله من اغراءات حيال رفع العقوبات وتحرير الارصدة المجمّدة وهو ما يحتاجه الاقتصاد الايراني بشدة. من هنا ظهرت فكرة دفع مجلس الامن للتحرك، طالما انّ الاجواء باتت مؤاتية خصوصا على مستوى الدول الخمس الاعضاء الدائمين. المعلومات الديبلوماسية تفيد أنّ الفكرة ما تزال في طور البحث، وان الامين العام للامم المتحدة ما يزال في اطار درسها، ولو انه يتجه الى إرسال موفد عنه الى لبنان في جولة استكشافية. لكن الاهم الخطر القادم من الحكومة الاسرائيلية المتطرفة، ذلك انّ إنشاء الحرس الوطني ووضعه تحت امرة وزير الامن القومي ايتمار بن غفير، إنما يعني مسألة واحدة وهي التحضير لتهجير الفلسطينيين خارج ارضهم من خلال الاعتداء عليهم والتشدد في التعامل معهم، فالحرس الوطني سيكون نطاق عمله داخل اراضي الـ 48 وايضاً القدس والمدن الساحلية المختلطة. وهذا ما يضع الاردن وجنوب سوريا امام تحديات كبرى واذا ما تحركت الاوضاع عند الحدود اللبنانية، فإنّ لبنان قد لا يكون في منأى، وهو ما يعني أنّ على لبنان البدء جدياً في اقفال الفجوات التي يعانيها وان يلتقط الاشارات الدولية، وكان آخرها قرار العقوبات التي جاءت في توقيت سياسي والاهم انها قد تتكرر وتكون إصابتها مباشرة اكثر.

جوني منيّر – الجمهورية

مقالات ذات صلة