!ذهبت العصفورة وجاءت الكلبة… “تويتر” في مهب الأثير

فجأة ومن دون سابق تغريد أو مقدمات إعلانية كيدية معتادة، فوجئ شعب “تويتر” البالغ تعداده نحو 450 مليون مستخدم في أرجاء الكون بأن عصفورة تطبيقهم الزرقاء الشهيرة أصبحت كلباً ذهبياً تعرفه الغالبية باسم “دوجكوين” أو الكلب الذي بدأ بمزحة وتحول إلى عملة مروراً بـ”الميم”.

مستخدمو “تويتر” في جميع أنحاء الأرض استشعروا قبل ساعات أن شاشة التطبيق فيها شيء ما غير طبيعي. ذهبت العصفورة وظهرت الكلبة الذهبية لتدفع الملايين إلى الاعتقاد بأن صفحاتهم وحساباتهم تعرضت للسرقة أو التزييف.

لكن ما هي إلا دقائق قليلة، هي في عرف تطبيقات التواصل الاجتماعي سنوات طويلة، حتى تأكدت الحقيقة. ذهبت العصفورة بطريقة لا تشوبها شكوك التزييف ولا تعتريها مخاوف السرقة، وحلت الكلبة باسطة سطوتها وحاظية بحماية ورعاية ومباركة مالك “تويتر” المثير للجدل دائماً وأبداً إيلون ماسك.

ترك العالم محتاراً

الملياردير الأميركي مؤسس “سبايس إكس” والمدير التنفيذي لـ”تيسلا” ومالك “تويتر” ضمن قائمة طويلة من الممتلكات والإدارات ترك العالم حائراً يضرب أخماساً بأسداس حول الظهور المفاجئ للكلبة الشهيرة التي لا تقل إثارة للجدل عن ماسك نفسه منذ ظهورها الأسطوري الأيقوني عام 2013 في خطأ إملائي وانطلاقها في العام نفسه كمزحة من قبل مبرمجين وكأنها عملة رقمية، وهي المزحة التي تحولت إلى حقيقة.

ظل العالم الرقمي وبالتبعية العالم غير الرقمي المطلع على أحوال العالم الموازي عبر أخبار وتقارير على مدى الـ 24 ساعة، يصول ويجول باحثاً عن العصفورة المفقودة ومتخوفاً من الاقتراب من الكلب المحتل “لوغو” التطبيق.

تطبيق “تويتر” الذي تحول منذ إبرام صفقة انتقال ملكيته إلى إيلون ماسك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحول إلى التطبيق الأكثر إثارة للجدل لا بسبب المحتوى، لكن بسبب المالك.

معظم الإعلام التقليدي وجانب كبير من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي وخبراء واختصاصيو المنصات الرقمية والإنترنت والذكاء الاصطناعي الذين تنبأوا بانهيار “تويتر” وخسارة التطبيق ملايين المستخدمين وهجرة رواده وهروب مطالعيه، بحجة أن “تويتر” تحت إمرة ماسك سيكون أقل حرية وأكثر عنفاً وأعتى رقابة وجدوا أنفسهم أمام “تويتر” يكتسب نحو 12 مليون مستخدم جديد في ثلاثة أشهر فقط.

وعلى رغم أن الزيادة ربما تكون موقتة ونابعة من الإثارة والجدل المرتبطين بماسك وسياساته المباغتة وتصريحاته الساخنة وإجراءاته الصادمة وآرائه المفزعة في ما يختص بمنصته الجديدة، فإنها تبقى زيادة بالورقة والقلم وبحجة الأرقام وبرهان ارتفاعها.

ارتفاع جنوني

ارتفاع عدد متابعي حساب صاحب “تويتر” على المنصة ليصل إلى 133 مليون و8 آلاف متابع وتربعه على عرش “الأكثر متابعة”، متفوقاً بذلك على صاحب اللقب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، دليل آخر على شعبية الرجل التي انعكست شعبية أعتى، وإن لم تكن بالضرورة ناتجة من كفاءة التطبيق أو روعة الأداء بقدر ما هي رد فعل بشري طبيعي لمصادر الإثارة ومواطن السخونة.

لكن سخونة الاختفاء المفاجئ للعصفورة الزرقاء قبل ساعات غطت على كل ما سبقها من إثارات. العصفورة الشهيرة لم تكن “اللوغو” الأصلي لـ “تويتر”. فحين خرج التطبيق إلى نور الأثير عام 2006، لم يكن هناك أثر للعصفورة التي أذهل اختفاؤها العالم قبل ساعات. كان “اللوغو” الأصلي عبارة عن اسم “تويتر” بدرجتين من اللون الأخضر بقطرات من الندى. وظلت الفكرة الأساسية المسيطرة على اختيار الألوان والتصميم للتطبيق هي الحرية والطبيعة. وكثيراً ما يستخدم خبراء التصميم نموذج “تويتر” للدلالة على الأثر النفسي للتصميمات على المتلقي، وهو الأثر المسمى “النسبة الذهبية” القادرة على التأثير النفسي الإيجابي.

ولم تظهر العصفورة الزرقاء إلا عام 2010، لكنها ظهرت بدرجات من اللون الأزرق وتصاميم مختلفة عدة قبل أن تستقر عند العصفورة الزرقاء الشهيرة المأسوف على اختفائها.

العصفورة الرمز

العصفورة الرمز تعود للاعب كرة السلة الأميركي الأسطوري لاري بيرد، الذي أراد أحد مؤسسي “تويتر” الأربعة وهو بيز ستون أن يخلد ذكراه. من جهة أخرى، اعتبر خبراء الشكل الأخير للعصفورة نموذجاً أيقونياً لما يجب أن يكون عليه “اللوغو” المعبر المفرط في البساطة الذي يغني عن كتابة أو ذكر اسم المنتج الأصلي. فمجرد ظهور العصفورة الزرقاء يستدعي “تويتر” والعكس صحيح.

ووقت وصلت العصفورة إلى تصميمها الأخير عام 2012 والملقب بالمثالي لأنه يرمز إلى التواصل اللانهائي في أجوار من الحرية غير الخاضعة لقيود، قال مسؤولو “تويتر” إن العصفورة بشكلها حينئذ باقية لأعوام طويلة قبل أن تخضع لمقصلة التغيير.

تحت إمرة كلبة

لكن مقصلة التغيير أتت من حيث لم يتحسب مسؤولو “تويتر” أو مستخدموه أو متابعوه من الملايين الذين وجدوا أنفسهم يعملون ويغردون ويتشاركون التغريدات تحت إمرة كلب أو على وجه الدقة كلبة. لكنها ليست أي كلبة، إنها “كابوسو” الكلبة التي عرفتها الملايين عام 2013 بفعل، أو بفضل، خطأ إملائي في كتابة كلمة dog، أي كلب بالإنجليزية إذ كتبت Doge، وبين خطأ إملائي وضحاه، أصبحت كلمة Doge موضوعاً لآلاف تصميمات “الميمز” الساخرة في أرجاء العالم.

“كابوسو” وصاحبتها السيدة اليابانية صاحبة حساب Kabusomama على “تويتر” صارت من أشهر الصفحات بعد “ميمز” الخطأ الإملائي. وحين أخبرت “ماما كابوسو” العالم عبر “تويتر” في نهاية العام الماضي أن “كابوسو” مريضة جداً داعية متابعيها إلى تمني الشفاء لها، وهو ما تحقق واستردت الكلبة الشهيرة ابنة الـ 17 سنة عافيتها، لم تكن تخبر محبي الكلبة فقط أو متابعي حسابها، بل كانت تخبر من استثمروا في العملة الرقمية التي هزت أرجاء العالم الافتراضي، وكذلك الواقعي الموازي تستثمر هي أيضاً في تحول كلبتها بالصدفة إلى إحدى أشهر العملات الرقمية. ففي العام نفسه 2013، تحولت دعابة أطلقها مبرمجان إلى حقيقة. فأطلقا عملة “دوجكوين” أو Dogecoin المشفرة ضمن جنون الـ”ميمز” الساخرة للخطأ الإملائي.

لكن السخرية انقلبت جداً، وأصبحت “دوجكوين” عملة مشفرة فعلية. وهنا قفز إيلون ماسك كعادته ليصنع “من الحبة قبة” و”من الفسيخ شربات” و”من السخرية حقيقة” معتبراً العملة “دوجكوين” العملة المشفرة وليست مجرد عملة مشفرة كغيرها من العملات. هنا، ارتفعت قيمة “دوجكوين” بما يعادل 4 آلاف في المئة.

“تيسلا” بـ”دوجكوين”

فقد أطل ماسك على العالم في نهاية عام 2021 ليعلن أن شركة “تيسلا” ستقبل عملة “دوجكوين” على منتجات “تيسلا” وبضائعها، مما أدى فوراً إلى ارتفاع قياسي، وجرى يومها تداول العملة عند 22 سنتاً بدلاً من 16 سنتاً في اليوم السابق لتصريحه. وكان ماسك نفث الحياة في عالم العملات المشفرة في مطلع ذلك العام 2021 حين اشترى 1.5 مليون دولار من العملة المشفرة ليجن جنون سوق هذه العملات.

وعلى رغم الانخفاض الكبير الذي يشهده عالم العملات المشفرة بما فيها “دوجكوين” إلا أنها لم تختف تماماً، وربما المستقبل يحمل احتمالات عودتها بشكل أو بآخر. احتمالات العودة ظلت مقتصرة على قدرات البيع والشراء وارتفاع القيمة والقدرة على التداول لهذه العملات الرقمية التي ليس لها وجود مادي أو فعلي، لكن عودتها، أو في الأقل عودة شعارها الكلبة الذهبية “كابوسو”، لم يطرأ على بال قبل اعتلائها منصة “تويتر”.

ماسك في مقدمة الساخرين

ماسك لم يقصر أو يتأخر أو يتوانى عن ردود فعله الصادمة والجدلية والغريبة. بادر إلى نشر رسم كرتوني ساخر لسيارة تقودها الكلبة الذهبية وقد استوقفها ضابط مرور لفحص رخصة القيادة التي تتوسطها صورة العصفورة الزرقاء، لتبادر الكلبة بإخبار الضابط “هذه صورة قديمة” لتبرر المعالم المختلفة!

معالم “تويتر” المختلفة من العصفورة إلى الكلبة أثارت الهرج على الأثير. وكعادته، كان ماسك في قلب الهرج مشاركاً ومحركاً ومضيفاً الكثير من السخرية والغموض والإثارة، لكن من دون شرح أو تبرير أو تعليل.

المخطط الهرمي

ترك ماسك المستمتع على ما يبدو بأجواء الإثارة وضرب الأخماس في الأسداس الشرح والتبرير والتعليل لآخرين، وجميعها اجتهادات تصيب أو تخيب. في 31 مارس (آذار) الماضي، أي قبل أيام قليلة، قدم ماسك دفاعه في المزاعم التي تشير إلى إدارته ما يسمى “مخططاً هرمياً” لدعم عملة “دوجكوين”، مشيراً إلى أن هذه الادعاءات ليست معضدة ببراهين أو أدلة وطالب بإغلاق الدعوى القضائية التي رفعها أحد المستثمرين في “دوجكوين” مختصماً ماسك، ومطالباً إياه بتعويض قدره 258 مليون دولار “لأنه تورط في استثمار غير قانوني يسمى المخطط الهرمي وعمد إلى الابتزاز”، وذلك بحسب ما ورد في الدعوى.

وجاء ضمن دفاع ماسك أنه لا يوجد ما ينافي القانون في التغريد ببضع كلمات داعمة أو صور مضحكة لعملة رقمية مشفرة قانونية ما زالت تتمتع بقيمة سوقية تقدر بنحو 10 مليارات دولار أميركي.

ويشار إلى أن الدعوى المرفوعة على ماسك تتضمن اتهاماً له بأنه تسبب عمداً في زيادة قيمة “دوجكوين” 36 ألف في المئة على مدى عامين، ثم تركها تنهار!

وبحسب تعريف “فورتشين آرابيا”، فإن “المخطط الهرمي” هو نموذج يعد بتقديم أرباح ومكافآت للأعضاء الذين ينضمون إليه. وتزيد قيمة المكافآت في حال نجح الأعضاء في جذب أعضاء جدد، بحيث يتكون رأس المال من مساهمات الأعضاء وليس من القيمة الفعلية للسلعة أو الخدمة، وهذا هو سبب عدم قانونية هذا المخطط القائم على التطور غير المستدام والمعتمد على عدم تقديم خدمة أو إضافة ما في المجتمع.

ويقتصر النموذج على نمو مرتبط باستقطاب مزيد من الأعضاء فقط لا غير. وفي حالة الشركات متعددة المستويات، فقد تقدم سلعة فعلية، لكنها مجرد غطاء لإخفاء نشاط احتيالي هو الأصلي.

كذبة أبريل؟

“الأصل في ظهور الكلبة الذهبية هو كذبة أبريل، لكن بأثر رجعي”، هو التفسير والتحليل الأكثر شيوعاً لاختفاء العصفورة الزرقاء ويبدو أن هذا التحليل يندرج تحت بند “التوقع المبني على أمنيات” وليس بالضرورة حقيقة ما جرى.

من جهته، لم يخذل ماسك متابعيه من عشاق غموضه والمولعين بميله الشديد للسخرية الحادة. فضمن تغريدات ماسك المتتالية في ضوء اختفاء العصفورة وإحلال الكلبة، كتب “ميتامورفوسيس”، وهي عملية التغير الجسدي التي يمر بها الحيوان بعد الولادة أو الحشرة بعد الفقس، وهو التغيير الذي غالباً ما يصاحبه تغيير في الموطن.

وبينما شعب “تويتر” والشعوب المحيطة تغرق في دوائر جدلية وتكهنية وتهكمية حول اختفاء العصفورة وظهور الكلبة، وماسك، على ما يبدو يقرأ ويتابع ويضحك ملء شدقيه، كانت قيمة “العملة الرقمية” (وليس عملة رقمية) “دوجكوين” ترتفع لما يزيد على 0.10 دولار للمرة الأولى منذ أشهر طويلة!

نظرية الإلهاء

ارتفعت قيمة “دوجكوين” بنسبة 23 في المئة منذ احتلت الكلبة مكان العصفورة. “بص العصفورة” مقولة مصرية دارجة تقال في المواقف التي يعمد فيها شخص أو جهة ما إلى إلهاء الجميع عن قضية رئيسة أو مسألة مثيرة للجدل الكبير، أو رغبة في توجيه دفة اهتمام العامة إلى جهة بعينها.

وفي حالة العصفورة الزرقاء، فرض نص محادثة أو دردشة يعود للعام الماضي أعاد ماسك نفسه نشر جزء منه على “تويتر” ضمن تغريداته الساخرة والمبتهجة جراء إحلال الكلبة محل العصفورة نفسه على اهتمام بعضهم، لا سيما من هواة أجواء الإثارة والمغامرة، كاتباً “كما وعدت”. المحادثة جرت بين ماسك وصاحب حساب “وول ستريت تشارمان” WSBChairman، إذ يسأل ماسك، هل نحتاج إلى منصة جديدة؟ ويجيب وول ستريت تشارمان، فقد اشتري تويتر. وغير لوغو العصفورة إلى دوج (شعار دوجكويني). ويرد ماسك ضاحكاً كالعادة، هذا رائع أو That would sick، فكلمة “سيك” لا تعني مرضاً في هذا السياق، بل العكس. تعني عملاً رائعاً!

وتجدر الإشارة إلى أن الشخص الذي يقف وراء حساب “وول ستريت تشارمان” هو جايمي روغونيسكي الذي بدأ ما يعرف بـ”وول ستريت بتس” عام 2012، وكانت بحسب ما صرح به في لقاء سابق “محاولة لملء الفراغ في الصفقات عالية الأخطار وذات العائد المرتفع”. وقدم “وول ستريت بتس” نفسه إلى مستخدمي الشبكة العنكبوتية باعتباره تطبيقاً قادراً على مساعدة المتداولين في مبادلة وتداول الأسهم المدعومة بنقية الـ”بلوك تشاين”.

واسم روغونيسكي معروف ومتداول في دوائر الشباب العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي والتطبيقات وعوالم البزنيس الافتراضي. يقولون عنه تارة إنه “ثوري رقمي”، وتارة أخرى أنه صاحب الفضل في إعادة تعريف عالم المال والأعمال بطريقة الأجيال الشابة، وهو ما أزعج كثيراً الأجيال السابقة. ويسمونه أحياناً بـ”المؤثر” و”الملهم” لآلاف الشباب الغارقين في عالم البزنيس الرقمي غير المألوف. لكن اللقب الأكثر اتصالاً به هو Disruptor أو المعطل، لكنها ترجمة حرفية، إذ تشير كلمة “ديسرابتور” في الفضاء الإلكتروني ومنصات التواصل والبزنيس الافتراضية إلى الشخص الذي يستقدم شكلاً من أشكال التكنولوجيا الحديثة ليحدث تغييراً جذرياً في صناعة أو سوق معتمداً على الابتكار.

وتبقى الكلبة المحتلة والعصفورة المشردة ونحو 450 مليون مستخدم وما يزيد على 6 آلاف تغريدة يتم ضخها كل ثانية على مدى اليوم في انتظار ما ستسفر عنه المعركة الحالية، وأثرها على مليارات التغريدات وملايين المتابعين وموقف الكلبة الذهبية والعملة المشفرة وقضية ماسك و”تويتر” نفسه.

اندبندنت

مقالات ذات صلة