من هو الحاجّ شومان المكنّى بـ”أبي الفضل”… “وتعاونوا” في طرابلس؟
شهدت مدينة طرابلس في محلّة السرايا العتيقة قبل أسبوعين إشكالاً كاد أن يتحوّل إلى فتنة كبيرة، وذلك على خلفيّة تعليق أحد الشبّان المنتمين إلى ما يسمّى سرايا المقاومة صورة للأمين العام لحزب الله على شرفة منزله. وإذا كان فعل التعليق يعبّر عن مدى تغلغل الحزب وسراياه في قلب الشمال، فإنّ الردّ الشعبي حمل رسالة حازمة برفض هذا الوجود، وكانت النتيجة أن أُزيلت الصورة.
الساحة الطرابلسيّة
منذ بدأت الأزمة الاقتصادية والمعيشية تلقي بحممها على الشعوب اللبنانية، طوّر حزب الله من عمل أذرعه الناعمة، مبتدعاً عدداً من الاستراتيجيات. بدأ من بيئته من خلال بطاقة “السَّجّاد” وشبكة تعاونيّاته. ثمّ يمّم وجهه شطر مناطق الشمال الفقيرة والمهمّشة عبر جمعية “وتعاونوا”.
تمثّلت البداية بتوفير عدد من العلاجات والعمليات الجراحية مجّاناً لأشخاص وعوائل تعاني فقراً مدقعاً، ثمّ كان يتمّ تصويرها وهي تشكر “السيّد حسن”، بهدف تسويق هذه التسجيلات من خلال وسائل إعلام الحزب.
ومثلما استخدم الحزب “وتعاونوا” لكسر جدار عزلة نظام بشار الأسد بعد كارثة الزلزال، كذلك الحال في طرابلس حيث استخدمها بُعيد انهيار أحد المباني السكنية في محلّة ضهر المغر الصيف الماضي لكسر جدار الرفض له. وحسبما أفاد بعض أهل المنطقة، فإنّ “وتعاونوا” دخلت تحت ستار “حاج يريد دفع مساعدات للمتضرّرين”.
من هو الحاجّ؟!
هذا الحاجّ هو عفيف شومان المكنّى بـ”أبي الفضل”. وهو رئيس الجمعية، الذي حضر حينها إلى المنطقة وقدّم مساعدة تبلغ مليون ليرة لـ14 عائلة، ووعد بإرسال شاحنة محمّلة بالحصص الغذائية في اليوم التالي. وهو ما حصل، وحينها تعرّف السكان على اسم “وتعاونوا”، لكنّهم لم يكونوا على بيّنة من خلفيّتها السياسية، مع أنّ شومان سجّل فيديو مع العائلات المتضرّرة.
مذّاك بدأت “وتعاونوا” تنشط اجتماعياً على الساحة الطرابلسية بمؤازرة من حركة التوحيد المموّلة من إيران. كلّ ذلك أثار امتعاضاً في الشارع الطرابلسي من استغلال حزب الله لمعاناة الناس من أجل اختراق العمق السنّيّ في طرابلس والشمال، ولا سيّما مع الأخبار التي تمّ تداولها أخيراً عن انتماء عدد من فتوّات الأحياء الشعبية إلى ما يسمّى بسرايا المقاومة. وإثر ذلك حصلت سجالات على شبكات التواصل بين الرافضين لدخول الحزب طرابلس مهما كانت الدوافع، وبين المرحّبين بالمساعدات للعوائل الفقيرة، بمعزل عن أهداف الجهة التي تقدّمها.
الساحة العكّاريّة
أمّا حضور حزب الله في عكّار فاتّخذ شكلاً علنيّاً في أعقاب انفجار التليل في آب 2020. وكان الطرف الوحيد الذي قدّم مساعدات ماليّة للمتضرّرين عن طريق حركة الإصلاح والوحدة التي يقودها رجل دين سنّيّ، ويكفلها ويرعاها الحزب، بالتعاون مع “وتعاونوا”.
بعدها كرّت سبحة التقديمات بالتعاون مع بعض الجمعيات الصغيرة والناشئة، وعدد من الشخصيات المنتمية إلى محور الممانعة: تقديم مؤسّسة “جهاد البناء” معدّات ولوازم للمزارعين (أيلول 2022)، وأشجار مثمرة وحرجية (كانون الثاني 2023)، وإرسال “وتعاونوا” شاحنات محمّلة بالحصص الغذائية إلى بعض القرى العكّارية، وافتتاح صيدلية مجّانية في برقايل (آب 2022)، وتدشين مشروع الطاقة الشمسية لبئر ارتوازية في برقايل أيضاً (19 تشرين الثاني 2022).
تمّ عرض كلّ هذه التقديمات والمساعدات على وسائل إعلام الحزب، ومنها الفيديو الذي انتشر عقب اغتيال الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، ويظهر فيه القاتل رئيس بلدية القرقف يعبّر عن شكره للحزب وذراعه “الإنسانية”.
المرجعيّة الناشئة
عندما خرجت بعض الأصوات المعترضة على نشاط “وتعاونوا” لأنّها ذراع ناعم لحزب الله، كان ردّ رئيسها أنّ “خدمة أهلنا في أيّ مكان، ومن أيّ طائفة كانت، شرف وواجب وطني، والتزام نعتزّ به، خاصة في ظلّ التخلّي الرسمي عن هذه المناطق المحرومة والمنكوبة، ولا سيّما أنّ القيادات المفترضة لهذه المناطق غائبة تماماً عن مشاكل شعبها، ولا تعرفه إلّا في صناديق الاقتراع”.
وبذلك وضع شومان إصبعه على الجرح، إذ لم يكن حزب الله لينجح في التمدّد شمالاً لولا غياب قيادات تلك المناطق عن القيام بواجباتها المجتمعية.
بدأت مفاعيل هذا الحضور الاجتماعي تؤتي أكلها سياسياً، إذ يُلحظ تحوّل مسؤول حزب الله السياسي في الشمال الشيخ رضا أحمد إلى مرجعيّة سياسية ناشئة. فقد نجح في فكّ إضراب عمّال شركة نهر البارد الكهربائية في 19 كانون الثاني الماضي، مقابل وعود بدعم حزبه لهم في تأمين مطالبهم. كذلك نجح في تبرئة المجموعة المنتمية إلى ما يسمّى بسرايا المقاومة، والتي اعتدت على مشاعات بلدة كفر قاهل الكورانيّة، وأهانت قوى الأمن الداخلي والبطريرك الراعي، بسرعة قياسية، وبكفالة قدرها مليون ليرة لكلّ واحد، وصولاً إلى حضوره ممثّلاً حزب الله في بعض المناسبات والاحتفالات على قدم المساواة مع النوّاب والوزراء، وهو ما لم يكن يحدث سابقاً.
سامر زرق- اساس