الإتصالات كانت “بترول” لبنان: هل يلقى الإنترنت “المصير الأسود” للكهرباء؟
لطالما ردّد مسؤولون وأهل السّلطة، طيلة السنوات الماضية التي تلت إنتهاء الحرب الأهلية، بأنّ قطاع الإتصالات هو “بترول” لبنان، نظراً للمردود المالي الكبير الذي يؤمّنه للخزينة العامّة، وبأنّ هذا القطاع من شأن الإهتمام به وتطويره أنْ يوفّر لمالية الدولة فائضاً مالياً كبيراً، وتوفير آلاف فرص العمل للشّبان وخريجي الجامعات، ما مِنْ شأنه تخفيض نسبة البطالة، وأن يساعد في إخراج لبنان تدريجياً من العجز الذي يعاني منه، أو على أقل تقدير تخفيض نسبة هذا العجز.
لكنّ هذا “المنجم” المالي الضخم كان يتعرّض خلال السّنوات الماضية لهدر كبير في مدخوله الذي كان قسم كبير منه لا يذهب إلى خزينة الدولة، إنّما إلى جيوب منتفعين من أهل السّلطة والمال وحاشيتهم، الذين تحالفوا معاً لاقتسام غنيمة هذا المنجم، من خلال تلزيمات وصفقات وتشريعات معينة كانت توضع على مقاس مصالحهم قبل أيّ شيء آخر.
المدخول المالي الكبير لقطاع الإتصالات والإنترنت جعل لُعاب أهل السّلطة والمال يسيل من أجل أن يسيطروا عليه، بعدما طرحوا مراراً فكرة خصخصة القطاع وبيعه بثمنٍ بخس، لكنّ هذه الفكرة كانت تسقط في كلّ مرّة يتم فيها طرحها، بسبب بروز إعتراضات على بيع قطاع يدرّ مدخولاً لخزينة الدولة، وأنّ بيعه بالمبلغ المطروح يمكن تأمينه في بضع سنوات من خلال مداخيله التي يمكن زيادتها في حال تطوير القطاع، أيّ أنّ “التجرة” خاسرة للبائع وليس الشّاري، الذي لم يكن إلّا أهل السّلطة والمال.
عدم القدرة على وضع اليد على القطاع والسّيطرة عليه جعل أهل السّلطة والمال يلجأون إلى أسلوب من نوع آخر، هو شراء خدمات هذا القطاع من قبل شركات خاصّة محسوبة عليهم، وبأسعار زهيدة جدّاً، بينما هم كانوا يبيعونها إلى المواطنين ومؤسّسات خاصّة بأسعار مرتفعة، مستغلين بعض نقاط ضعف القطاع ومانعين معالجتها وتطويره في مرحلة لاحقة، بهدف إبقاء قسم واسع من قطاع الإتصالات والإنترنت في البلد تحت سيطرتهم.
هذا الإستيلاء المتعدد الأشكال على القطاع بدأت معالمه تظهر تباعاً خلال السنين السّابقة، إلى أن أصبح هذا الإستيلاء فضيحة بكل معنى الكلمة بدأت تطفو على السطح منذ اندلاع شرارة الحَرَاك الشّعبي في 17 تشرين الأول عام 2019 وبداية أزمة إنهيار البلد إقتصادياً ومالياً ومعيشياً وإجتماعياً، وصولاً إلى الأيّام الأخيرة الذي كشفه عمّال موظفو هيئة أوجيرو المضربين والمعترضين على تدني رواتبهم، وعدم إستجابة الدولة لمطالبهم بتحسين رواتبهم وأوضاعهم.
آخر هذه الفضائح ما كُشف مؤخّراً عن هدر كبير في وزارة الإتصالات يشبه ما تشهده وزارة الطاقة والمياه وجعل قطاع الكهرباء أشبه بمغارة علي بابا، تمثل في أنّ شركات الإنترنت تأخذ خدمة الـ E1 على سعر 475 ألف ليرة لتبيعه بزيادة 40 ضعف تقريباً، مع العلم أنّها تستأثر بحوالي 180 ألف E1، أيّ تشتريه من “أوجيرو” على سعر دولار 3900 ليرة وتبلغ قيمة الخط أقل من 475 ألف ليرة، ولكنهم يقومون ببيع هذه الخدمة بمبلغ يتراوح ما بين 150 إلى 200 دولاراً حسب الشركة.
هذا الفارق الهائل يكفي وحده بتأمين مداخيل مالية هائلة للدولة، وبعشرات ملايين الدولارات، لأنّه إذا بيعت هذه الخدمة بسعر 40 دولاراً فقط لشركات الإنترنت، إلى جانب شركتي الإتصالات “ألفا” و”إم. تي. سي”، فإنّها ستجبي نحو 8 ملايين دولاراً، وهو مبلغ يجعل وزارة الإتصالات بغنى عن زيادة التعرفة على المواطنين، كما أنّها ستؤمّن مردوداً مالياً يكفيها ويكفي موظفيها.
عبد الكافي الصمد