“النار بالنار”.. علاقات معقّدة بين السوريين واللبنانيين!
الدهشة التي عبّر عنها اللبنانيون، جراء تصوير سوري (عابد فهد) يمتلك مولداً كهربائياً في حيّ لبناني، ويقطع الكهرباء عن السكان أو يديرها مقابل تعرفة يحددها، سرعان ما تتبدد باستكمال فصول القصة التي تحكي طبيعة العلاقة بين اللبنانيين والسوريين في لبنان، والتي تظهر أنهم لم يتجاوزوا خلافات الماضي وموروثاً يمتد الى عقود من العلاقات المعقدة، دخلت فيها السياسة والاقتصاد والروابط الاجتماعية.
والى جانب عوامل الجذب في القصة نفسها التي تُعالَج من دون قفازات، لا يستطيع من يُشاهد عابد فهد وجورج خبّاز في عمل مشترك تعرضه أي محطة تلفزيونية أو منصة الكترونية إلا أن ينجذب لمتابعة هذا العمل بشغف. احتل المسلسل اللبناني- السوري المشترك “النار بالنار” الذي يتقاسم فيه دور البطولة، الممثلان فهد وخبّاز، المرتبة الرابعة في لبنان في منصة “شاهد”، وتعزز حضور المسلسل بمشاركة فنانين آخرين وفي مقدمهم كاريس بشّار وطوني عيسى وزينة مكي وطارق يتيم.
تدور أحداث القصة في حي السرور، وهو حي شعبي يعيش فيه لبنانيون وسوريون يسيطر عليهم فقر مدقع، وتناقش طبيعة العلاقة بين الشعبين في إطار لا يخلو من العنصرية في كثير الأحيان.
يلعب عابد فهد شخصية “عمران” المرابي، الذي يُديّن المال لأهل الحي إما بفوائد عالية أو مقابل رهن أغراض ثمينة من بيوتهم، فيمنحهم مهلة زمنية لفك الرهن واستعادتها قبل أن تُصبح مِلكه أو يتصرف فيها. من هنا تقع المواجهة بينه وبين أستاذ الموسيقى والشاب الانطوائي “عزيز” (يلعب شخصيته جورج خبّاز) الذي يقترض مرغماً من “عمران”، مبلغ أربعة آلاف دولار بهدف علاج أمّه المريضة، فيضطر الى رهن البيانو الذي يعتاش منه، لكن الوالدة تموت قبل أن يتمكن من إنقاذ حياتها، في حين يقرر “عمران” أن يبيع تلك الآلة الأوروبية بعد ثوانٍ معدودة من انقضاء المهلة.
يتطرق المسلسل الى المشاكل التي يعيشها سكان الحي من الجنسيتين، كانقطاع التيار الكهربائي وتحكّم أصحاب المولدات بالتسعيرة، وهو جريء في طرحه لفكرة “غياب الدولة” وعدم جدوى اللجوء الى الشرطة أو المخافر لحلّ أي قضية. ويعرّج على قضايا رشاوى تتقاضاها عناصر أمنية من المواطنين مقابل السكوت عن مخالفات عقارية، وهو يسلّط الضوء على قضية المخطوفين اللبنانيين في سوريا ومن بينهم والد جورج خبّاز.
أما الممثلة السورية كاريس بشّار فتجسّد دور “مريم”، اللاجئة السورية التي هربت بصورة غير شرعية الى بيروت، لتجد نفسها عالقة في ذاك الحي، الذي قصدته للمكوث فيه لأيام معدودة كي تؤمّن موعداً مع “الأمم المتحدة” لمساعدتها على السفر الى ألمانيا، لكنّها بعد سرقة حقيبتها وأوراقها الثبوتية تضطر لمقاومة الواقع بهدف الاستمرار والعيش في مدينة لا تعرفها، فتضطر الى الانغماس في مشاكل الحارة.
ويبدو أن قصة حبّ محورية ستدور حول تلك المرأة، التي سرعان ما تكتشف أنّ زوجها المخطوف في سوريا منذ أعوام بسبب بيعه “فيديوهات للمعارضة” ما زال على قيد الحياة وستفجّر الأحداث مفاجأة تجعل المشاهد متشوقاً لمعرفة مصيرها حتى النهاية.
يُشارك في العمل كل من طوني عيسى، الذي ينتحل صفة تاجر العقارات متديّن اسمه “زكريا”، ينتقل للعيش في الحارة مع زوجته الحامل المحجّبة، فيما عمله هو تحضير العبوات الناسفة واصابع الديناميت ليتم تهريبها الى سوريا. أما زينة مكي فتؤدي دور سارة وشريكة “مريم” في السكن، تحب “عزيز” بجنون لكنها تخشى ماضيها السيء وتخضع بسببه لضغوط “أبو الرضى” صاحب البيت الذي تستأجره، في حين يؤدي الممثل طارق يتيم دور صديق “عزيز” المقرّب.
بعد متابعة الحلقات الخمس الأولى من المسلسل، لا شكّ أن المشهد الأقوى فيه هو المواجهة بين مريم (كاريس بشّار) وعزيز(جورج خبّاز)، بعد رفع الأخير يافطة في الحي مكتوب عليها “ممنوع تجوّل السوريين بعد الساعة الثامنة مساء”، فيحتدم الصدام بين البطلين ليصف عزيز، ماضي الوجود السوري وحاضره بالبشع، ويُذكّرها بما كان يجري على حواجز المدفون وضهر البيدر وعنجر ويقول لها “طلبناكم قوات ردع عربية صار بدو مين يردعكم”، وهو أول تطرق من نوعه لملف الوجود السوري في لبنان وتداعياته.
ينتقد بعض مشاهدي هذا العمل إعطاء شخصية المرابي الذي يتحكم في أمور الحي لشخصية سورية (عابد فهد) لا لبنانية، فيما تدور أحداث المسلسل في لبنان، في حين يرى البعض الآخر أنّ في ذلك دلالة واضحة على مدى تغلغل الوجود السوري في كافة الأمور الحياتية اللبنانية والسيطرة عليها في كثير من الأحيان. ومع كلّ تلك الانتقادات فإنّ “النار بالنار” قصة تجمع بين حبكة الدراما الاجتماعية والإثارة، وهي تحمل في طياتها رسالة إنسانية يمتزج فيه الطابع التاريخي والرومانسي في آن.
المسلسل يتألف من 30 حلقة، تمّ تصويرها في أحد الأحياء السكنية في منطقة سد البوشرية شرقي بيروت. من إخراج محمد عبد العزيز، كتابة رامي كوسا، أما شارة المسلسل “بدل الماضي” فغنّتها الفنانة رحمة رياض باللهجة اللبنانية وهي من كلمات مازن ضاهر، ألحان فضل سليمان وتوزيع ماجد ضاهر.
قد يكون من المبكر الحكم سلباً أو إيجاباً على “النار بالنار” في حلقاته الأولى، لكن ما يجعله من أبرز المسلسلات التي تستحق المشاهدة أنه يجسّد قصة واقعية تُصنّف أحداثها ببساطة وشخصياتها تُحاكي الواقع بلسان حال الناس. أنتجت المسلسل شركة “الصباح” ويُعرض تلفزيونياً في لبنان على قناة LBCI.