مصر تمنح تسهيلات للسائحين الإيرانيين.. هل زال خطر التشيع؟
قررت الحكومة المصرية منح تسهيلات للسائحين الإيرانيين القادمين إلى أراضيها بشروط، وذلك بعد نحو عقد من تجميدها، ما يدفع للتساؤل عن دلالات القرار وأهميته والمكاسب المحتملة منه، ومدى وجود ارتباط سياسي بتوقيته، واحتمالات أن يتبعه تقارب دبلوماسي مع طهران.
وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى، وخلال إعلانه الاثنين، عن تفاصيل بعض التسهيلات الجديدة للحصول على التأشيرة السياحية لدخول مصر، قال إنه تقرر منح التأشيرات للسياح الإيرانيين لحظة الوصول إلى مطارات “جنوب سيناء”، فيما بدا أن رحلات الإيرانيين تقتصر على هذه المنطقة فقط.
الوزير، أوضح أن هناك شروطا لحصول السياح الإيرانيين على هذه التسهيلات، أولها حضورهم في مجموعات سياحية عبر شركات السياحة، وثانيها أن تتم هذه الرحلات عبر برامج سياحية تتم الموافقة عليها قبل تنفيذها.
“ضمن خطة ترويج”
وقال الوزير إن هذه الخطوة مقدمة لتسهيلات كثيرة لاحقة سوف تمنحها الدولة للحصول على التأشيرات لعدة دول تشجيعا للسياحة منها “الصين والهند وتركيا والجزائر والمغرب وإسرائيل”، معلنا عن خطة ترويج سياحي وإصدار تأشيرة لمدة 5 سنوات متعددة الاستخدام، قيمتها 700 دولار.
وتأتي تلك التسهيلات في توقيت تسعى فيه القاهرة لمضاعفة أعداد السائحين وعائدات السياحة التي تسهم بنحو 15 بالمئة من الناتج الاقتصادي للبلاد، حيث أعلنت وزارة السياحة منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، عن خطط لجذب 30 مليون زائر بحلول العام 2028.
“عودة بعد تجميد”
يبدو للوهلة الأولى، أن التسهيلات المصرية للسياح الإيرانيين تأتي في إطار خطط الحكومة المصرية لزيادة دخل البلاد من السياحة وإنعاش القطاع المتهاوي، والاقتصاد المتهالك، ولكن دائما ما كان هناك جدل مثار حول السائحين الإيرانيين في مصر.
ومنذ قيام “الثورة الإسلامية” في إيران، عام 1979، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران، إلا أن السياحة الإيرانية إلى مصر شهدت طفرة كبيرة خلال عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، (2012-2013)، مع تحسن علاقات البلدين، وزيارة الرئيس أحمدي نجاد للقاهرة في شباط/ فبراير 2013.
وخلال ذلك العام زار عدد من السائحين الإيرانيين مدن الأقصر وأسوان الأثريتين في صعيد مصر، بعد قبول طهران بشروط القاهرة بقصر زيارة أفواجها على الأماكن التاريخية بالأقصر وأسوان وأهرامات الجيزة، وأن تتولى شركات مصرية نقلهم وإعادتهم.
وبالفعل، وبعد انقطاع لمدة 34 عاما، جرى تسيير أول رحلة طيران بين القاهرة وطهران، في آذار/ مارس 2013، وهو ما قابلته إيران في نيسان/ أبريل 2013، بإلغاء تأشيرات دخول السياح المصريين لأراضيها.
ورغم تنفيذ الجانب الإيراني حينها الشروط المصرية، إلا أن ذلك الأمر فتح حينها بابا واسعا للجدل ومخاوف من التيار السلفي بشكل خاص أن تكون تلك السياحة بابا لنشر التشيع في مصر.
وهو الأمر الذي يثير التساؤل الآن مع تلك التسهيلات، هل انتهت المخاوف على الأمن القومي المصري من نشر التشيع؟ وخاصة وأن الحكومة المصرية قررت في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، إثر الانقلاب العسكري بـ3 أشهر تجميد السياحة الإيرانية، بدعوى الحفاظ على الأمن القومي.
لكن، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وعقب تراجع أعداد السائحين الروس في مصر بفعل أزمة انفجار الطائرة الروسية فوق جزيرة سيناء، أثيرت أنباء عن نية القاهرة استعادة السياحة الإيرانية، إلا أن الأمر لم يدخل حيز التنفيذ.
لكن القرار المصري الحالي يأتي في ظل تقارب سعودي إيراني مطلع الشهر الجاري، واتفاق برعاية صينية علي استئناف العلاقات الدبلوماسية، ثمنته القاهرة، ما يفتح بابا آخر للتساؤل حول احتمالات ارتباط القرار المصري بالتقارب السعودي الإيراني.
وكانت إيران قد أعلنت مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، رغبتها في تطوير العلاقات مع القاهرة، في رسالة سبقتها وتبعتها رسائل سياسية وإشارات إيرانية لفتح الباب الموصد مع القاهرة لعقود.
وفي الوقت الذي التقى فيه وزير الخارجية الإيراني حسین أمیر عبد اللهیان بالسيسي بالعاصمة الأردنية عمان خلال “قمة بغداد 2” نهاية العام الماضي، طرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية الدعوة لاستئناف العلاقة مع مصر، إثر الاتفاق السعودي الإيراني.
“تسهيلات بمقابل”
وحول دلالات القرار وتوقيته، ومكاسب مصر المحتملة، ومدى ارتباطه سياسيا بملف التقارب السعودي الإيراني، وإمكانية أن يتبع القرار قرارات أخرى وتقارب دبلوماسي أوسع بين القاهرة وطهران، أشار الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، إلى أن مجلة “انتلجنس أونلاين” نشرت عن هذا الموضوع مؤخرا”.
مولانا، وفي حديثه لـ”عربي21″ أكد أن المجلة الفرنسية أشارت إلى “وجود توجه مصري لمزيد من تحسين العلاقات مع إيران، وأن القاهرة لديها عدد من المطالب في المقابل”.
وأوضح أن تلك المطالب بينها “عدم تقديم أي دعم إيراني لجماعة الإخوان المسلمين –يصنفها نظام السيسي جماعة إرهابية- وأيضا حماية العمال المصريين الموجودين في العراق في ظل المشاريع التي تعمل فيها شركات مصرية في إطار اتفاق آلية التنسيق الثلاثي المشتركة فيها الأردن”.
ولفت إلى أنه “في المقابل سيكون هناك بعض التسهيلات من الجانب المصري”.
وأكد أن “تلك الخطوة تأتي بعد التقارب السعودي الإيراني والتفاهم الأخير بينهما والذي ينعكس على تحسن العلاقات بين الخليج وإيران”، ملمحا إلى أن “الجانب الذي كان يقلق مصر دائما من حدوث تقارب مع إيران أن يزعج هذا دول الخليج التي تقدم مساعدات للقاهرة”.
واستدرك الباحث المصري: “ولكن الآن؛ مع قيام الإمارات والكويت بإرسال سفراء لطهران العام الماضي، واتفاق السعودية على عودة السفراء والعلاقات فإنه لم يعد هناك تخوف بارز في هذا الجانب بالنسبة للنظام المصري، وبالتالي هو طرح مطالبه مقابل تلك التسهيلات”.
“مخاوف التشيع”
وفي إجابته على التساؤل، لماذا غابت الآن مخاوف التشيع السابقة التي جرى اتهام الرئيس مرسي بها، عام 2013؟ قال مولانا: “في قضية التشيع لدى النظام المصري القدرة على متابعة التواجد الإيراني في مصر، وأن لا يتحول إلى وجود لنشر أفكار مذهبية”.
وأضاف: “وظني أن الإيرانيين سيكونون حريصين على هذا الأمر، وبالتالي قد تكون قضية التخوف من التشيع ليست هي الأساس في ملف التقارب الأخير بقدر ما هو مرتبط بملف العلاقات الإيرانية الخليجية، وبعض مطالب مصر”.
ويعتقد مولانا، أن “هناك العديد من الملفات الأساسية الحاضرة في العلاقات المصرية الإيرانية”، مرجحا أن “يكون هناك مزيد من التنسيق في العلاقات مع سوريا ولبنان والوضع في غزة والعراق”.
وفي نهاية حديثه توقع أنه “في أفضل الأحوال مستقبلا قد يتم تحسين العلاقات بين القاهرة وطهران، ليتم تبادل السفراء… وإن كنت أظن أن أمامها فترة من الوقت قد تسبقها خطوات أخرى استكشافية لتحسين العلاقات”.
“البعد الاقتصادي”
وفي تقديره قال الباحث في الشأن الإيراني أسامة الهتيمي، لـ”عربي21″: “لا يمكن النظر إلى الحديث عن تطورات في العلاقات المصرية الإيرانية وفتح أبواب السياحة المصرية أمام السياح الإيرانيين دون الأخذ في الاعتبار بعدين مهمين أولهما اقتصادي والآخر سياسي”.
وعلى المستوى الاقتصادي أضاف أن “مصر تعاني أزمة اقتصادية صعبة للغاية بعد شح الدولار والتراجع الحاد في قيمة عملتها المحلية مما كان له أثره السلبي على قدرتها الشرائية، ومن ثم ارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة، وهو ما يدفع بكل تأكيد الحكومة المصرية إلى البحث عن سبل للحصول على العملات الأجنبية، والتي يمكن أن توفر بعضها – نظريا- بفتح الباب أمام السائحين الإيرانيين”.
وتابع: “غير أن الرهان على ذلك ربما قد جانبه الصواب في الوقت الحالي؛ فالإيرانيون يعانون من أزمة اقتصادية أشد حدة، الأمر الذي لا يرجح معه أن يكون هناك إقبالا ذو فائدة من السائحين الإيرانيين الوافدين على مصر”.
“فضلا عن أن القرارات والإجراءات التي أعلنت مصر عن اتخاذها – ولو بشكل مؤقت- بشأن السياحة الإيرانية ستسهم في تقليص الأعداد المحتملة فالسياحة الأشد جذبا للسائح الإيراني إلى مصر هي السياحة الدينية”، بحسب الهتيمي.
وأوضح أنه “بموجب الإجراءات المصرية سيحرم منها السائح الإيراني الذي سيقتصر وجوده على مدينة شرم الشيخ وما يعرف بالسياحة الترفيهية التي ربما لدى الإيرانيين بدائل كثيرة لها ودون الحد من قدرتهم على التحرك”.
“البعد السياسي”
وعن البعد الثاني، وهو البعد السياسي أكد الباحث المصري، أنه “يأتي بعد تطور مهم يتعلق بالتقارب السعودي الإيراني وإعلان البلدين عن التوصل إلى اتفاق بينهما تعود بموجبه وبعد شهرين من توقيع الاتفاق العلاقات البدلوماسية بشكل طبيعي بعد انقطاع دام نحو 7 سنوات”.
ولفت إلى أن “الاتفاق الذي يعني أن تسود حالة من الهدوء في العلاقات بين البلدين بعدما شهدت الكثير من أجواء من التوتر، ما سينعكس على رؤية القاهرة لتطوير علاقتها بإيران، التي يبدو أنها بذلت مؤخرا جهدا كبيرا لتوثيق علاقتها بمصر”.
وألمح إلى وجود “إشارات متكررة؛ كان آخرها اللقاء الذي جمع بين الرئيس المصري ووزير الخارجية الإيراني، وهي الإشارات التي ربما لم يكن من المحتمل أن تلقى قبولا قبل الاتفاق السعودي الإيراني”.
واستدرك قائلا: “غير أنه بعد هذا الاتفاق تتزايد التكهنات بتعاطي مصر بإيجابية مع المساعي الإيرانية؛ فالثابت أنه لا يمكن تحقيق تقارب مصري مع إيران بمعزل عن مسار مواز في العلاقات الخليجية الإيرانية وخاصة السعودية”.
وخلص الهتيمي إلى القول: “وعليه فلا نستبعد أن يكون التقارب بين القاهرة وطهران نتيجة طبيعية لما حدث في بكين”.
ويرى أن “الأصل أن تكون ثمة مصالح مشتركة تتحقق بالعلاقات الطبيعية بين الدول، وهو ما ينطبق على التطور الإيجابي المحتمل في العلاقات المصرية الإيرانية، حيث العوائد الاقتصادية في حال حرصت إيران بالفعل على تنشيط السياحة الإيرانية الوافدة على مصر”.
وأضاف: “فضلا عن حالة أكثر هدوءا في باب المندب والملاحة في البحر الأحمر والعابرة لقناة السويس، فضلا عن التبادل التجاري الذي ربما تحتاج له البلدان بشكل قوي في الوقت الراهن”.
مشروع إيران
وأكد الباحث المصري أن “كل ذلك لا يحجب المخاوف الحقيقية التي يمكن أن تحدث نتيجة هذا التقارب، فلدى إيران مشروع سياسي توسعي لم ولن تتخلى عنه ورغم أن مصر ليست جزءا من مرحلته الأولى إلا أن إيران تدرك حجم ودور مصر في المنطقة”.
ويرى أن هذا “ما يدفعها – ولو في الوقت الحالي – إلى تحييدها بشكل أو بآخر حتى يمكنها التحرك بحرية أكثر؛ وهو ما يعني ببساطة أن مصر ليست في مأمن تام من الخطط الإيرانية الساعية لنشر الفوضى والتوتر المذهبي والسياسي”.
وختم الهتيمي، بالقول: “وفي اعتقادي أن مصر وإدراكا منها بالتداعيات لهذا التقارب ستتعاطى معه بحذر شديد، على أن يكون تطوره متأنيا ومدروسا ومراعيا لسياق العلاقات الخليجية الإيرانية”.
وعبر صفحته في “تويتر”، اعتبر المعارض المصري عمرو عبدالهادي، أن فتح النظام المصري السياحة الإيرانية وعمل تأشيرة عند الوصول من المطار هو “للفت نظر النظام السعودي”.
كما أنه رأى أن عمل تأشيرة متعددة بـ700 دولار لمدة 5 سنوات “خبر اقتصادي”، يريد به النظام “جمع الأموال”.
عربي 21