فيما البلاد تتدحرج في الانهيار وتنزلق يوميا نحو دركات اعمق واسفل في “جهنم”، يُعتبر تصريفُ الاعمال وتسييرُ شؤون البلاد والعباد بالتي هي أحسن، عبر الحكومة والوزارات والاجهزة التابعة لها، مِن وظائف و”مسؤوليات” هذه الجهات. الا ان الحكومة، رغم هذه الظروف، تبدو شبه غائبة ولم تتخذ منذ أشهر قرارا واحدا للتخفيف من معاناة الناس، تاركة الساحة لمصرف لبنان الذي، سواء أعجَبَنا ذلك ام لم يعجبنا، تدخّل وحده أكثر من مرة للجم تفلّت سعر صرف الدولار في شكل جنوني في السوق السوداء، عبر قرارات نترك الحكمَ عليها لأهل الاختصاص، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
وليكتمل المشهد، وبدلا من ان يفعّل عمل حكومته (ضمن حدود صلاحياتها وسط الشغور الرئاسي طبعا) ليواكب الازمات المعيشية، بدا الرئيس نجيب ميقاتي الاثنين يلوّح بخيار الاعتكاف. فقال اثر جلسة مجلس الوزراء التي أقرّت العودة الى التوقيت الصيفي: اضع الجميع امام مسؤولياتهم الوطنية في حماية السلم الأهلي والاقتصاد الوطني وعمل المرافق العامة. من هنا ادعو الجميع لإنتخاب رئيس جديد للبلاد وتأليف حكومة جديدة من دون ابطاء. لقد تحملت ما ناءت تحته الجبال من اتهامات واضاليل وافتراءات، وصمدت وعانيت بصمت غير اني اليوم اضع الجميع امام مسؤولياتهم. وختم: ليتحمل الجميع مسؤولياتهم في الخروج مما يعانيه اللبنانيون، فالمسؤولية مشتركة ولا يمكن، ومن غير العدل أن تلقى على عاتق شخص أو مؤسسة ويقف الآخرون متفرجين او مزايدين. اللهم اشهد اني عملت ما في وسعي فلا تكلفني ما لا طاقة لي به .اللهم اشهد اني قد بلغت. اللهم اشهد اني قد بلغت.
صحيح ان لا مسؤولية مباشرة يتحمّلها ميقاتي في الشغور الرئاسي، تتابع المصادر، الا ان تلويحه بالاعتكاف غير مبرر، وقد دل على ان الرجل، اذا طالت الازمة اكثر، فهو قادر على القفز من المركب وتركه يغرق. واذ تستغرب ان يكون ميقاتي غضب من “رد الفعل” على قرار خاطئ (في مسألة التوقيت) اتخذه هو، متناسيا الفعلَ بذاته، تسأل المصادر “ما العلاقة بين الفراغ الرئاسي من جهة، واتفاقه ورئيس مجلس النواب نبيه بري منفردَين، على تأخير العمل بالتوقيت الصيفي من جهة ثانية، حتى يعتبر ميقاتي ان الازمة في ما جرى، تكمن في الفراغ؟! وما العلاقة ايضا بين الاعتراض السياسي والشعبي والروحي على هذا القرار من جهة، وتلويحه بتعليق عمل مجلس الوزراء وبالاعتكاف من جهة ثانية”؟!
وتذكّر المصادر ان ميقاتي جمع حكومتَه مرارا بعد الفراغ الرئاسي، وقد باتت حتى تُصدر مراسيم وتتخذ قرارات.. فالمطلوب منها اليوم، في ظل هذه المناخات الضاغطة اقتصاديا ومعيشيا، الاجتماعَ اكثر واتخاذ قرارات سليمة (لا تكون بمثابة إبر بنج)، وهذا ما كان يجب بميقاتي ان يعلنه الاثنين لكنه قرر التلويح بالاستقالة ولم يحضر الى السراي امس.. وقد أعجبت نغمة الاعتكاف نائبه سعادة الشامي الذي تحدث امس عن “الانكفاء”، قائلا في بيان: المراوغة في تطبيق الإصلاحات قد يؤدي بنا إلى مزيد من المأسوية. فالضوء في نهاية هذا النفق الطويل يخفت شيئا فشيئا ويكاد ينطفئ. في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، وعنما يُفقد الأمل، قد يضطر المسؤول الى الانكفاء بعدما قدَّم كل ما في حوزته وينتقل إلى الظل حتى لا يكون شاهد زور على الانهيار الحاصل.
فهل السبب الفعليّ لهذا التوجُه الوزاري المستجد، هو تيقُّن أصحابه، خاصة بعد جولة وفد صندوق النقد الدولي الاخيرة في بيروت، ان كل ما قامت وتقوم به الحكومة، كان “خاطئا” وبعيدا من المطلوب للاصلاح والانقاذ؟!
المركزية