أوراق اللعب… متى ظهرت بعلاماتها الحالية في العالم ورموز شخصياتها… اليكم القصة الكاملة!
حسمت موسوعة “بريتانيكا Britannica “تعريف أوراق اللعب بأنها مجموعة من البطاقات المرقمة أو المصورة أو كليهما وتستخدم لممارسة الألعاب، والتعليم، والعرافة، والاستحضار.
هذه معلومة شائعة عموماً، ولربما يمكن القول إن الجميع يعرف واحدة من ألعاب الورق أو أوراق اللعب أو “أوراق الشدة” أو “الكوتشينة” كما يقال في مصر، وهي ألعاب بقي عدد كبير منها جزءاً من ألعاب الكومبيوتر ومن برامجه المسلية.
تشير أقدم معلومة حول بدء ألعاب الورق إلى الأدب الصيني في القرن العاشر، إلا أن الأوراق بعلاماتها الحالية التي باتت مشتركة في معظم أنحاء العالم ظهرت لأول مرة في أوروبا في عام 1370 في إيطاليا أو إسبانيا ويقال إنها انتقلت مع التجار المماليك القادمين من مصر.
أحمر السلطة والثراء وأسود العمل والزراعة
كانت البطاقات الأولى مرسومة يدوياً ما جعلها سلعاً فاخرة للأثرياء، ثم انتشرت البطاقات تدريجاً على طول طرق التجارة الأوروبية الداخلية خلال القرن الخامس عشر كهواية مفضلة للطبقات العليا، ثم أدى اختراع الألمان للطباعة الخشبية في أوائل ذلك القرن إلى خفض تكلفة الإنتاج بشكل كبير وإلى ظهور تصميم مبسط للصور التي تمثل الملك والملكة والشاب والآس، ورسمت هذه الشخصيات بحسب الثقافة الشعبية للمنطقة التي صنع فيها الورق أو بحسب الشخص الذي طلبها، وكان لكل شخصية قصتها الخاصة في كل مجتمع وثقافة، قبل توحيدها بشكل مبسط بعد انتشار الطباعة وانخفاض تكلفتها بشكل كبير ما جعل أوراق اللعب منتجاً منتشراً في محال البيع الكبيرة والصغيرة مثل أي منتج آخر، بعدما كانت حكراً على الأثرياء، بعلامات القلب والألماسة الحمراء التي تدل على طبقة الأثرياء من الرجال والنساء، ولكن بشكلين منفصلين، وهي حال التقسيم الاجتماعي المنتشر منذ بداية زمن الاستعمار الأوروبي، حيث بدأ الفصل بين مجتمعي النساء والرجال في الطبقات الثرية والبرجوازية، وكان الأمر منتشراً في الأساس في أوروبا الشرقية وروسيا وفي السلطنة العثمانية في الفترة ذاتها، أما علامتا البستوني أو الرفش، فتدل على العمال، وعلامة السباتي تدل على الشجرة، أي المزارعين والفلاحين، وهما طبقتان دنيا باللون الأسود مقابل أحمر الأثرياء المتمثل بالقلب أي الفكر والعاطفة والأحاسيس، وعلامة الماس أي الثراء والسلطة والتحكم.
ألعاب للتسلية ثم للمقامرة
يكتب ديفيد بارليت في بحثه المهم حول أصول أوراق اللعب وتطورها اجتماعياً، أنها كانت وبشكل حاسم أكثر جاذبية للنساء في المجتمعات الأوروبية الثرية خلال فترة الاستعمار المبتدئة في القرنين الرابع والخامس عشر، ورُبط بين لعب الورق والإغراء على نطاق واسع في الأدب والرسم الأوروبي، وقال بارليت إن هذا الشغف النسائي أطلق ألعاب المقامرة خلال تمضيتهن أوقاتهن في المجتمعات النسائية المنفصلة عن جماعات الذكور المتفرغين لأعمال الجيش والعسكر والتجارة والمرافئ والتوسع حول العالم سواء تجارياً أم عسكرياً عبر حملات عسكرية متكررة نحو الشرق.
وألعاب المقامرة وضعت أوراق اللعب في مواجهة مع سلطات الكنيسة في حينه، ومن ثم مع السلطات المدنية بعد ظهور أنواع من الألعاب السوداء، التي تجري بعيداً من أعين المراقبة وجلها يقوم على المراهنات، ففي فرنسا في القرن السابع عشر غذى وزير مالية الملك لويس الرابع عشر، الكاردينال مازارين، الخزينة الملكية من خلال تحويل قصر فرساي إلى كازينو واسع لألعاب المقامرة.
أصول ورق اللعب وتأثيره الثقافي
باتت مجموعة البطاقات الأكثر شيوعاً والمعترف بها عالمياً، تلك التي تستند إلى مجموعة من 52 بطاقة، مقسمة إلى أربع مجموعات تحتوي كل منها على 13 رتبة، الرتب الثلاث بعد الرقم 10 عبارة عن صور تمثل الملك حامل حرف “k”، وتحمل الملكة حرف “Q”، والشاب حرف “J”، يضاف إليهم الواحد أو الآس مع حرف “A”، وهو الورقة الأقوى عادة في معظم ألعاب الخدع ويتفوق حتى على الملك، وهناك بطاقتان إضافيتان لمهرجين وهما “الجوكر” يمثلان مهرجي المحكمة التقليدية.
هناك روايات كثيرة حول اختراع أوراق اللعب، إذ نسبها البعض إلى زوجة مهراجا في الهند كي تقوم بإلهاء زوجها عن عادة سيئة، وهي نتف شعر ذقنه. ومن الألعاب المسلية القديمة كالدومينو والشطرنج وغيرها ترجع إلى الصين القديمة، ويقال إن أوراق اللعب اخترعها الصينيون أيضاً لتحديد الطبقات الاجتماعية التي يتألف منها المجتمع الصيني القديم في عهد أسرة تانغ في القرن التاسع الميلادي، أي طبقات الحرفيين الصناعيين والمزارعين الممثلين باللون الأسود والملوك الأثرياء وملكاتهم الممثلة بالأحمر.
في مصر اكتشفت مجموعة من أوراق اللعب مؤرخة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر في أواخر عهد الفاطميين، ومنها ما يعود إلى زمن الأيوبيين. واكتشفت مجموعة كاملة من أوراق اللعب المملوكية التي يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر، وأظهرت بطاقات المحكمة المملوكية رسوماً مجردة من دون وجوه، وقد يكون سبب ذلك منع الدين الإسلامي بحسب تفسيره في تلك الحقبة رسم أو تصوير الأشخاص.
بعض المجموعات المسيحية المنتشرة على شبكة الإنترنت، ترجعها إلى الراهب إبراهيم الديناري، وهو من أصل هندي كان يبشر بالمسيحية، فاستخدم الأوراق وصورها كي يفهم الأطفال وأهل القرى غير المتعلمين شرح التوراة والإنجيل، فكان رقم واحد أو الآس هو العلامة التي تدل على الله، رقم اثنين يمثل العهدين القديم والجديد، أما الرقم ثلاثة فهو الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس، والرقم أربعة يمثل الأناجيل الأربعة: متى ومرقس ولوقا ويوحنا. من تفسيرات لمجموعات مسيحية موجودة على شبكة الإنترنت الرقم 10 يرمز إلى الوصايا العشر، وصورة الشاب تمثل يهوذا الأسخريوطي، الذي سلم السيد المسيح، والبنت هي ملكة سبأ التي جاءت لسليمان الحكيم لتغويه، أما صورة الملك “الختيار” كما يسمى في بعض الدول العربية، فهو ملك الملوك، أما الورق كله فهو يتألف من أربعة ألوان تمثل الفصول الأربعة أما الـ 52 ورقة فتمثل عدد الأسابيع في السنة، وقصة اليد المقطوعة لدى “ملك الديناري” فتعود إلى رواية متوارثة بأن الراهب إبراهيم الديناري حين عاد إلى بلده وجد أن الأولاد بدل الإيمان والصلاة راحوا يلعبون المقامرة فقطع يديه، لذلك في صور الملك العجوز كلها تظهر الأيادي إلا الشيخ “الديناري” من دون يدين.
ألعاب الورق المعاصرة والصور ذات الوجهين
في الغالب تصنع أوراق اللعب بشكل مستطيل من الورق أو الورق المقوى الرقيق لتشكيل سطحاً شبه صلب، موحدة الشكل والحجم وصغيرة بما يكفي لحمل عدد من الأوراق في يد واحدة، في حين أن الجزء الخلفي، إما فارغ أو يحمل رسماً مشتركاً للجميع، وعادة تكون الزوايا مستديرة قليلاً لمنع التآكل. في النصف الثاني من القرن العشرين بدأت تظهر أوراق اللعب البلاستيكية بالكامل، إلا أن اللاعبين المجتهدين ما زالوا يفضلون الأوراق الكرتونية الأغلى ثمناً على البلاستيكية المتوافرة بين أيادي الجميع، لذا يمكن القول إن الجيل الجديد ممن لم يلمسوا ورق اللعب لعبوا على الأقل لعبة من ألعابه سواء عبر الكومبيوتر أو الألعاب الكهربائية في الكازينوهات أو في متاجر الألعاب الكهربائية الضخمة المنتشرة في عديد من الدول، كما الحال في شرق آسيا وتحديداً في اليابان وكوريا الجنوبية، حيث يمضي الأولاد جزءاً كبيراً من وقتهم في اللعب الإلكتروني، وهذا لا يعتبره الأهل هناك مضيعة للوقت، بل اندماجاً في العوالم الافتراضية التي تصنعها الألعاب، والتي قد تصبح في ما بعد هي العوالم الحقيقية حيث يمضي الفرد معظم وقته داخلها ويتركها قليلاً إلى العالم الحقيقي ليأكل أو يقوم بأعمال قليلة.
بعد انتشار ألعاب المقامرة رسمت الشخصيات الملكية على البطاقات برؤوس من الأعلى والأسفل كي لا يضطر اللاعب إلى تغيير وضعية الورقة في يده أثناء اللعب، فيعرف اللاعب المقابل كم صورة في يده، وحلت الأوراق ذات الرأسين التي ظهرت في القرن التاسع عشر هذه المشكلة، على رغم أن النوعين من الورق ذات الرأس الواحد أو الرأسين ما زالا متداولين على نطاق واسع في أنحاء العالم، بعدما توحدت الأوراق عموماً، وراح الاختلاف بينها إلى أوراق اللعب الأخرى، التي تستخدم في التنجيم وقراءة الحظ ومنها أوراق “التاروت”، ولهذا النوع من الورق قصة مختلفة تماماً.
اندبندنت