بعد تفكّيك صاعق عبوة الاحتقان الطائفي : هل هدّد ميقاتي بالسفر وعدم العودة؟
سحب مجلس الوزراء بإخراج مدروس فتيل فتنة حضرت من خارج جدول الأعمال، وفكّك صاعق عبوة الاحتقان الطائفي التي كانت موصولة بساعة تخلٍ.. لكن ما كشفه الخلاف حول التوقيت من حقد وكراهية وفرز وهواجس، هو أخطر من ان يعالجه قرار حكومي.
لدغت عقارب الساعة الجسم اللبناني الهش والفاقد للمناعة، فارتفعت حرارته الطائفية فوق المعدلات الموسمية، ولفظت جروحه غير المندملة ما اعتمل فيها من «قيح».
والمفارقة انّ «نزاع الساعة» استطاع بين ليلة وضحاها تعبئة الطوائف واستنفارها، كما لم يحصل منذ فترة طويلة، فأعلنت عن حالة الاستنفار القصوى، واستدعت «الاحتياط» إلى المواجهة على خطوط الطول والعرض، في حين انّ قليلاً من التدقيق في سيرة المكونات اللبنانية يُبيّن انّها اساساً سيدة الوقت الضائع والفرص المهدورة، وانّ الكثير من الأشهر والسنوات ضاع في انتظار انتخاب رئيس جمهورية او تشكيل حكومة او انتخاب مجلس نواب او حتى تعيين موظف في مركزه.
ولعلّ من آخر الأمثلة الصارخة على النزعة المتأصّلة لدى القوى الداخلية إلى عدم احترام الوقت، هو انّ نحو ثلاث سنوات ونصف سنة مرّت على الانهيار الكبير عام 2019، من دون أن يبدأ بعد لا تنفيذ خطة الإنقاذ المفترضة ولا إقرار الإصلاحات الضرورية، بل هناك إمعان في المماطلة المكلفة واستمرار في قضم الروزنامة بأعصاب باردة، ما أدّى إلى تعميق الهاوية وتوسيع قطرها.
وفوق ذلك، مرّت حتى الآن أربعة أشهر على الشغور الرئاسي في قصر بعبدا من دون أن ينجح النواب في انتخاب الرئيس الذي لو كان موجوداً لما وقعت فضيحة الخلاف على الساعة، ولما اندلعت معركة كسر العظم والمحظور بين أنصار التوقيتين الشتوي والصيفي.
لذلك كله، أتت تلك الغيرة المستجدة على الوقت من خارج السياق المألوف، في بلد يقع اصلاً على هامش الزمن بعدما تقهقر إلى العصر الحجري نتيجة تحّلل مؤسسات الدولة وفقدان خدمات أساسية وبديهية.
ولأنّ المسألة لا تتعلق حصراً بمقتضيات الصالح العام، فقد خرج الخلاف حول التوقيت عن إطاره التقني والعلمي المفترض، واتخذ على الفور أبعاداً طائفية متورمة، عكست ما يختلج في باطن النفوس وسرّبت خفايا النيات المضمرة، ليتبيّن انّ التعايش الذي نتغنى به ليس سوى قشرة رقيقة تغلّف بلداً مشطوراً.
ولعلّ أخطر ما أفرزه النزاع «المطيّف» حول الساعة، يكمن في إجراء بروفة للتقسيم على أرض الواقع، حيث اعتمدت المناطق المسيحية التوقيت الصيفي في مقابل اعتماد المناطق الإسلامية التوقيت الشتوي، حتى لو كانت أمتار قليلة تفصل بين هذه وتلك، في واحدة من أكثر المظاهر الانفصالية حدّة ونفوراً، وذلك بالترافق مع ارتفاع في نبرة الاصوات الداعية إلى الانفكاك عن الدولة المركزية.
من هنا، فإنّ اشتباك الساعة هو جرس إنذار يجب التقاطه وأخذه على محمل الجدّ قبل فوات الأوان، لأن ليس في كل مرة يمكن ضمان النجاة من لدغة «العقارب».
وإذا كان مجلس الوزراء قد أنزل الجميع عن الشجرة بالعودة إلى التوقيت الصيفي، غير انّ التحدّي الأكبر يبقى في استعادة الانتظام المؤسساتي عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة، تحت طائلة ان يظلّ البلد مكشوفاً ومعرّضاً لمزيد من الاختبارات الصعبة، خصوصاً انّ قدرة الرئيس نجيب ميقاتي على الاستمرار في تصريف الأعمال «شارفت على النفاد» كما صرّح.
وتفيد المعلومات، انّ ميقاتي الذي يشعر بالقرف الشديد، كان قد فكّر جدّياً خلال الأيام الاخيرة بالسفر وعدم العودة إلى لبنان الّا لتسليم دفّة المسؤولية بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ويشير المطلعون، إلى انّ ميقاتي كان في صدد ان ينفّذ تهديده بالتوقف عن تصريف الأعمال رداً على ما يعتبر انّها حملة طائفية غير مبرّرة ضدّه، لكنه عاد وأعطى فرصة اضافية لنفسه، وتجاوب مع الاتصالات التي أفضت إلى «هندسة» مخرج عبر عقد جلسة للحكومة، علماً انّ ميقاتي كان قد انزعج من تصرّف بعض الوزراء وتمرّدهم على قرار تأجيل سريان التوقيت الصيفي.
الآن، وبعد انتهاء الزوبعة الطارئة في فنجان الحساسيات اللبنانية، سيعود الجميع إلى مواجهة الواقع وتحدّياته، بدءاً من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي حذّر صندوق النقد الدولي من خطورة مفاعيلها، وصولاً إلى استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية، وما بينهما.. فماذا سيفعل الرابحون والخاسرون في مبارزة عقارب الساعة؟
عماد مرمل- الجمهورية