بعدما تسبب بفوضى في البرلمان العراقي .. هل سيُشعل قانون “سانت ليغو” الشارع مجددًا؟
لم تشفع الاحتجاجات سواء خارج البرلمان العراقي أو داخله من قبل النواب المستقلين في وقف تمرير قانون الانتخابات الجديد والتصويت عليه، وسط مخاوف من تفجر الأوضاع بالشارع من جديد.
أقرّ البرلمان العراقي، فجر اليوم الاثنين، تعديلاً لقانون الانتخابات البرلمانية، يُشكّل عودةً إلى القانون الذي كان مرعيا قبل تظاهرات تشرين الأول 2019، مثيراً غضب الأحزاب المستقلّة والصغيرة التي ترى أنه يخدم مصالح الأحزاب الكبيرة.
وشهدت الجلسة التي عقدت خلال الليل حالة من الفوضى، وطُرِد الكثير من النواب المستقلين من القاعة بعدما أعربوا عن مناهضتهم للقانون، بحسب مقاطع فيديو صورها النواب.
وجاء في بيان صادر عن مجلس النواب، أنّ المجلس صوّت في “جلسته السادسة عشرة، فجر اليوم الاثنين بحضور 218 نائباً، على قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018”.
ويملك الإطار التنسيقي الغالبية في البرلمان، وهو تحالف أحزاب شيعية مقربة بغالبيتها من إيران وتدعم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.
ويعدّ القانون عودةً إلى قانون العام 2018 الذي كانت ترفضه الحركة الاحتجاجية التي شهدتها البلاد في خريف العام 2019. حينها نجح المحتجون في تحقيق مطلب قانون انتخابات جديد سمح بفوز مرشحين مستقلين إذ تمكن المستقلون في انتخابات العام 2021 من الفوز بحوالى 70 مقعداً من أصل 329.
وبذلك، ستجري الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات المتوقعة في تشرين الثاني على أساس القانون المعدّل. أما في إقليم كردستان العراق المتمتع بحكم ذاتي فسوف تجري الانتخابات البرلمانية المحلية في 18 تشرين الثاني وفق قانون مختلف.
ويجعل قانون الانتخابات المعدّل الجديد من كلّ محافظة دائرة انتخابية واحدة أي 18 دائرة، ملغياً بذلك الـ83 دائرة التي اعتمدت في الانتخابات الأخيرة.
ويرى الباحث السياسي في “ذي سنتشري فاونديشن” سجاد جياد أنّ اعتماد الدائرة الواحدة “يسهّل إمكانية فوز سياسيي الأحزاب بمقاعد”، في المقابل، سوف “يجعل من الصعب على مرشحي الأحزاب الصغيرة والمستقلة في المنافسة على مستوى المحافظات”.
وبموجب القانون المعدّل، ستُحتسب الأصوات على الطريقة النسبية المعروفة بـ”سانت ليغو”، والتي يرى مناهضو القانون أنها تخدم الأحزاب الكبيرة كذلك.
ورأى سجاد جياد في تغريدة أن احتساب الأصوات على الطريقة النسبية “يخدم كذلك الأحزاب الكبرى ويجعل من الممكن بالنسبة لمرشحيهم الذين لم يحصلوا على ما يكفي من الأصوات أساساً بالفوز بمقاعد”.
وقال النائب علاء الركابي، من كتلة “امتداد المستقلة” في البرلمان لوكالة “فرانس برس”، إنّ “الأحزاب الصغيرة لن يكون لديها أي أمل بالحصول على تمثيل في البرلمان” وأنها “سوف تسحق”، إذا ما طُبِّق القانون الجديد.
وأفاد النائب بهاء الدين النوري، من “الإطار التنسيقي”، وكالة “فرانس برس”، أّن كتلته تدعم القانون لأنه “يعتمد على توزيع المقاعد لأي كتلة حسب ثقلها الجماهيري ما سيؤدي بالمحصلة إلى تشكيل الحكومة ضمن التوقيتات الدستورية”، وبالتالي تفادي المفاوضات الطويلة كما حصل في أعقاب انتخابات العام 2021.
بينما لوحت حركة “امتداد” إلى تقديم دعوى إلى المحكمة الاتحادية للطعن بالقرارات التي صدرت عن جلسة الأحد لقيام رئيس المجلس بإخراج النواب المستقلين بالقوة من داخل القاعة مخالفا بذلك القانون والنظام الداخلي..
و”سانت ليغو”، آلية تعتمد في حساب الأصوات الانتخابية وتوزيعها على الكتل والقوى المتنافسة، وترمي بحسب مؤيديها إلى توزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر متعددة المقاعد، بهدف تقليل العيوب الناتجة بين عدم التماثل في الأصوات وعدد المقاعد المتحصل عليها.
لكن معارضي المشروع يرون أنه يسمح بمصادرة أصوات القوى الصغيرة وتقزيمها مقابل تضخيم الأصوات التي تحصدها القوى الكبيرة، ما جعلها في حالة من التمكن والوصول إلى المقاعد النيابية بأرقام كبيرة.
وعلى مدار الأيام الماضية، شهد الشارع العراقي مظاهرات واسعة احتجاجاً على العودة للنظام الانتخابي “سانت ليغو” والدائرة الانتخابية الواحدة.
وكان تعديل القانون أحد أهم إنجازات حراك أكتوبر/تشرين الأول 2019 عقب استقالة حكومة عادل عبد المهدي.
وآنذاك، أقر البرلمان قانون الانتخاب رقم 9 لسنة 2020 الذي تبني نظام الأغلبية ليحل مكان النسبية الذي كان تجرى على أساسه كل الانتخابات التي سبقت انتخابات العام 2021.
كما شمل القانون أيضا إمكانية الترشح الفردي بعد أن كان ترشيح القوائم الانتخابية الحزبية هو المعمول به سابقاً، مع تقليل عمر المرشح المسموح به من 30 إلى 28 عاماً لإتاحة فرصة أكبر للشباب في الانتخابات.
وكان ضمن التغييرات بالقانون أيضا تقسيم المحافظة إلى عدة دوائر انتخابية بدلاً من أن تشكل دائرة واحدة.
وساهم بالفعل القانون الجديد في تمكين القوى المستقلة من دخول البرلمان في انتخابات أكتوبر 2021 حيث تمكنت حركة “امتداد” من الحصول على 9 مقاعد كما نجحت حركة “إشراقة كانون” في الحصول على 6 مقاعد.
غير أنه بعد تصديق مجلس النواب على قانون “سانت ليغو” لن تبقى الخارطة السياسية للبرلمان كما هي، فالانتخابات المقبلة بحسب القانون الجديد لن تتمكن من خلالها القوى المستقلة والصغيرة في التواجد، حيث ستعود الأوضاع لما قبل 2021.