بري وميقاتي “يلعبان” بعقارب الساعة ويشعلان سجالا في لبنان!

عند منتصف ليل اليوم السبت- الأحد، كان من المفترض على اللبنانيين أن يضبطوا ساعاتهم كالعادة لاعتماد التوقيت الصيفي الذي يتم يموجبه تقديم الساعة ساعة واحدة إلى الأمام. لكن في قرار مفاجئ صدر من دون مبرر، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أول من أمس الخميس تأجيل اعتماد التوقيت الصيفي إلى منتصف ليل 20 – 21 أبريل (نيسان) المقبل “استثنائياً”.

القرار الذي اتضح لاحقاً أن ميقاتي اتخذه استجابة لطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري لمراعاة الصائمين في شهر رمضان، أشعل سجالاً سياسياً وطائفياً وتقنياً في البلاد وسط انقسام بين مؤيدي الخطوة ورافضيها، فضلاً عن تداعياتها على قطاعات مختلفة، لا سيما قطاعي الطيران والاتصالات.

ميقاتي يأسف

وبعد الضجة الكبيرة التي أثارها القرار، أعرب ميقاتي في حديث صحافي أدلى به، مساء اليوم السبت، عن أسفه “للمنحى الطائفي الذي اتخذته مسألة تأخير التوقيت”، مؤكداً أن “القرار الإداري البحت كان الهدف منه إراحة فئة من المواطنين من دون التسبب في أي ضرر للفئات الأخرى”. وقال “ليس صحيحاً ما يتم التهويل به على الناس عن مخاطر وأضرار، بدليل أن شركات الاتصالات الخليوية اتخذت الإجراءات المناسبة لتعديل التوقيت، وفق القرار، كما أن شركات الطيران، وفي مقدمتها (طيران الشرق الأوسط) عدلت جداول رحلاتها”.

ورأى ميقاتي أن “الحملة التي شنت مستغربة بكل المستويات”. وأضاف “كان الأحرى، بدلاً من اللجوء إلى الشحن الطائفي ضد قرار إداري بحت، أن تتوحد جهود الجميع لانتخاب رئيس الجمهورية، وتفعيل اجتماعات الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية، والاهتمام بمناقشة كيفية الخروج من المخاطر التي عبر عنها صندوق النقد الدولي في ختام زيارته للبنان”.

ورداً على سؤال، قال ميقاتي، “لقد اتصلت ظهراً بصاحب الغبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وشرحت له الأسباب التي حتمت اتخاذ القرار، والتي لا علاقة لها بأي اعتبار يسيء إلى أي مكون لبناني، لكن يبدو أن المزايدات الطائفية والتجييش الذي شهدناه أفضى إلى إصدار بيان البطريركية المارونية، وكنا نتمنى لو لم يؤخذ الموضوع في غير منحاه الإداري البحت”.

وأصدر المكتب الإعلامي لميقاتي، مساء السبت، بياناً، أعلن فيه إلغاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة الإثنين.
واعتبر ميقاتي أن “عملية انتخاب رئيس الجمهورية تشكل الأولوية المطلوبة لاكتمال عقد المؤسسات الدستورية وإعادة الانتظام الكامل إلى الدولة اللبنانية، وهذا الأمر الذي نشدد عليه في كل مواقفنا ولقاءاتنا واجتماعاتنا يتحمل مسؤوليته السادة النواب المطلوب منهم دون سواهم انتخاب الرئيس وعدم التلكؤ في القيام هذا الواجب الدستوري”.

اللقاء المسرب

وفي التفاصيل، بعد صدور قرار ميقاتي أول من أمس والتساؤلات التي أثارها، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مسرب للقاء جمعه ببري في عين التينة، وطلب فيه هذا الأخير تأجيل تقديم الساعة إلى ما بعد شهر رمضان قائلاً “مشّولهم اياها”. فرد ميقاتي موضحاً أنه سبق أن تقدم باقتراح كهذا لكنه رفض “وهلق (الآن) ما بينعمل” لأنه يوجد “طيران ودنيا ومشاكل”، على حد تعبيره.

وبالفعل، كان ميقاتي نفسه أعلن قبل أسبوعين خلال اجتماع وزاري التزام اعتماد التوقيت الصيفي اعتباراً من منتصف ليل 25 – 26 مارس (آذار) الجاري، لكن يبدو أن طلب بري دفع رئيس الحكومة إلى تغيير موقفه.

بكركي ترفض

هذا القرار الاستثنائي لم يمر مرور الكرام، إذ أحدث بلبلة وأشعل سجالاً في لبنان، لما له من تفسيرات وتداعيات. وأعلنت البطريركية المارونية عدم تنفيذها القرار، والتزامها بالتوقيت الصيفي العالمي.

وانتقد مكتبها الإعلامي في بيان اتخاذ القرار “من دون التشاور مع سائر المكونات اللبنانية، ومن دون أي اعتبار للمعايير الدولية، وللبلبلة والأضرار في الداخل والخارج”.

وقال المحامي وليد غياض، المستشار الإعلامي لبطريرك انطاكيا وسائر المشرق للموارنة، الكاردينال بشارة الراعي، لوكالة الصحافة الفرنسية إن قرار البطريركية هو “موقف لكي لا نزيد من عزلة لبنان”.

وأضاف أن “قراراً كهذا يجب أن يُبلغ به قبل عام، لأنه يخلف أضراراً لدى الناس، ولا يُتخذ على فنجان قهوة”.

وفي تحد للقرار، أعلنت كل من قناتي “أل بي سي” و”أم تي في” التلفزيونيتين، أنهما لن تلتزما بقرار ميقاتي وستستمران في اتباع التوقيت العالمي وستقدمان ساعتهما ساعة عند منتصف الليل.

وتتوالى الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين وإعلاميين لعدم الالتزام بقرار ميقاتي واعتماد التوقيت الصيفي اعتباراً من منتصف ليل اليوم السبت، وسط حالة من الإرباك في صفوف المواطنين الذين وقعوا في حالة ضياع بشأن التوقيت الذي سيسيّر شؤونهم الحياتية والمهنية على مدى الشهر المقبل.

الطيران والاتصالات

تقنياً، وعلى صعيد الطيران، أصبحت تذاكر السفر الصادرة مسبقاً عن الشركات لهذه الفترة الزمنية، تحمل توقيتاً خاطئاً. ولتفادي الاضطرابات، أعلنت شركة “طيران الشرق الأوسط” (الخطوط الجوية اللبنانية) في بيان “تقديم مواعيد إقلاع كل الرحلات المغادرة من مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت ساعة واحدة في هذه الفترة، وفقاً للتوقيت المحلي لمدينة بيروت” لتوفير “ربط سلس للمسافرين الذين يتابعون سفرهم عبر المطارات الأجنبية من دون أي تأثير في وجهاتهم النهائية”.

وأضافت الشركة أنه “بالنسبة إلى مواعيد إقلاع الرحلات من المطارات الأجنبية إلى مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، تبقى على حالها من دون أي تعديل وفق التوقيت المحلي في بلد المغادرة”.

أما على صعيد الاتصالات وساعات الحواسيب والهواتف التي تعدل توقيتها آلياً لدى المستخدمين وفقاً للمنطقة الزمنية المعتمدة عالمياً للبنان، بات على المواطنين تعديل إعدادات أجهزتهم ومنعها من تعديل الوقت بشكل أوتوماتيكي لتفادي تغيير الساعة.

وفي هذا السياق، أكد محرر ومنسق بيانات المنطقة الزمنية في العالم بول إيغيرت، في حديث إلى قناة “أم تي في” أنه “لم يتبلغ رسمياً من الدولة اللبنانية قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي”. وأوضح أنه “يجب على الحكومة قبل عام في الأقل، إعلام المشرفين على قاعدة بيانات المنطقة الزمنية عند اتخاذهم قرارات مماثلة”، مضيفاً لقد “أصدرنا (أول من) أمس الخميس، قاعدة بيانات المنطقة الزمنية لعام 2023 من دون معرفة أن لبنان على وشك تغيير قواعده، مما يؤثر في قاعدة البيانات، وهذا تصرف غير طبيعي”.

وقال إيغيرت إن من شأن ذلك أن يؤثر في زيادة استهلاك الطاقة وفي مواعيد شركات الطيران وفي ساعات الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية التي تعمل بالتوقيت المحلي في لبنان.

والأمر لا يتعلق فقط بساعات الهواتف والحواسيب، بل بعمل جميع البرامج التي يرتبط عملها بشبكة الإنترنت، من مواقع إلكترونية وخوادم وكاميرات مراقبة وغيرها، مما قد يسبب مشكلات كثيرة للشركات والأفراد.

سجال سياسي وطائفي

سياسياً كذلك، تسببت خطوة ميقاتي وبري المشتركة بردود فعل مستهجنة ومنددة وأشرس المواقف جاءت من رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي أكد في تغريدة على “تويتر” أن “قصة الساعة غير مقبولة ومعبرة جداً في معانيها”، مضيفاً أنه لا يجوز السكوت عنها ومهدداً بـ”الطعن فيها أو بعصيانها”.

وفي خطاب أمام مناصريه أمس الجمعة، عاد باسيل وأكد رفضه للخطوة معتبراً أن “القصة ليست طائفية، القصة هي عجرفة وجهل وإثبات الذات. شوفوا ’أنا الحاكم بأمري‘”، علماً أن العلاقات بين رئيس “التيار الوطني الحر” وكل من رئيس مجلس النواب والحكومة متوترة على خلفية مسائل عدة.

وتوالت الدعوات من عدد من السياسيين المسيحيين، خصوصاً للتراجع عن القرار، وقال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في تغريدة إن “هذا التدبير الذي اتخذته الحكومة سيعرقل كثيراً من الأعمال، خصوصاً على مستوى حركة الطيران والشركات العالمية التي لها علاقة مع الشركات اللبنانية والأسواق وسواها من القطاعات”، داعياً الحكومة إلى “العودة عن قرارها قبل فوات الأوان” أي قبل مساء اليوم و”قبل أن تضع قطاع الأعمال في لبنان أمام مصاعب إضافية جمة”.

رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل وجّه باسم كتلة نواب حزبه، كتاباً لميقاتي دعاه فيه إلى الرجوع عن القرار قائلاً، “اتخاذ قرار كهذا في اللحظة الأخيرة قبل يومين من دخوله حيز النفاذ، يشكل ضرراً لعدد من القطاعات وبشكل خاص تلك التي تتعامل مع شركات عالمية أو تمارس نشاطها وفق التوقيت العالمي، أو تستخدم أجهزة الكمبيوتر والأنظمة والشبكات الإلكترونية والمواقع المرتبطة بالخارج وبرامج إلكترونية وخوادم متصلة بالإنترنت تعتمد تلقائياً التوقيت الصيفي، وربما يؤثر أي تغيير مفاجئ وغير مدروس في مزامنة الوقت في تعطيل عملياتها وأنظمتها الإدارية والمالية وحدوث أخطاء في التحديثات ومشكلات في الاتصال وفقدان البيانات”.

في المقابل، اعتبر النائب المستقل مارك ضو عبر “تويتر” أنه “يجب إلغاء كل مبدأ التوقيت الصيفي، ‏لا معنى له بتاتاً. نريد زيادة في الإنتاجية ‏وفواتير الكهرباء لن تتأثر بالدوام الصيفي وبلا وجع رأس الساعات”.

سياسة منذ عام 1998

أما على صعيد المواطنين، فانقسمت الآراء بين مؤيدين ورافضين واتخذ الأمر أيضاً منحى طائفياً في بلد توزع فيه السلطات على الطوائف وتراعي قوانينه خصوصيات المجموعات الدينية المختلفة.

فبحسب المغرد إدمون شماس، يظهر فيديو ميقاتي وبري أن “الدولة تدار كأنها دكانة”.

أما آخرون، فرفضوا ربط القرار بصيام المسلمين لأن هذا الأخير مرتبط بشروق وغروب الشمس وليس بالساعة.

وانتشرت كذلك نكات تعتبر أنه أصبح في لبنان توقيتين، واحد للمسلمين وآخر للمسيحيين، بينما بلغ الأمر ببعضهم بالتحذير من تغيير الإجازات الأسبوعية من السبت والأحد حالياً إلى الجمعة والسبت.

في الأثناء، رأى آخرون أن القرار ليس ضرورياً ولا داعي للجدل الكبير حوله، في وقت تعاني البلاد أزمات متفاقمة تحتاج إلى حلول ملحة.

ويعمل لبنان بسياسة تغيير التوقيت منذ عام 1998، حيث يتم تقديم التوقيت ساعة واحدة في آخر ليلة سبت في الأسبوع الأخير من شهر مارس، ويعاد العمل بالتوقيت الشتوي بعد آخر أسبوع من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وذلك بهدف توفير الطاقة إثر إطالة ساعات النهار.

اندبندنت

مقالات ذات صلة