تيم حسن يخرج من عباءة “الجبل”… ويروي حكاية بطل شعبي في مسلسل “الزند” !
تحضر الشخصيات البطولية في معالجات مختلفة بين الأدب والدراما بأشكالهما، ويتعلق الناس بها لما تجسده من قيم عليا في المجتمعات التي تمثلها. في الدراما التلفزيونية السورية برزت العديد من شخصيات البطل الشعبي وحققت نجاحا كبيرا، وفي الموسم الحالي يقدم مسلسل “الزند – ذئب العاصي” هذه التيمة التي تضع بطل العمل الممثل تيم حسن في تحد كبير للخروج من عباءة “جبل” في مسلسله السابق “الهيبة”.
يستحضر مسلسل “الزند” موضوع البطل الشعبي، بما يحمله من حضور قوي لدى الناس. فشخصية عاصي التي يؤديها الفنان السوري تيم حسن، وجدت في زمن كثرت فيه المظالم والمواجع، وهو ما يسميه أهل التأريخ الأدبي “زمن البطولات”. وفيه تظهر شخصيات من الطبقات الكادحة الضعيفة تقاوم ما تعانيه بيئتها وناسها من قوى الظلم. هذه القوى كثيرا ما يلتف حولها الناس الضعفاء، كونها لسان حالهم، ويمدونها بالدعم الخفي بانتظار الخلاص، الذي غالبا لا يأتي أو يأتي متأخرا جدا.
تتقاطع شخصية عاصي مع شخصيات ملحمية عربية وعالمية من حيث امتلاكها للعزيمة والإرادة للتفكير في صناعة التغيير، ثم القوة التي تجعلها قادرة على بدء فعل ثوري تصنع فيه بداية ذلك التغيير.
في العالم ظهرت شخصيات في العديد من الملاحم الشهيرة، مثل “المهابهاراتا” و”الرامايانا” في الهند و”الإلياذة والأويسة” في اليونان مرورا بملحمة جلجامش وصديقه أنكيدو في بلاد الرافدين القديمة وآخرون. وفي التراث العربي تبدو تجربة الصعاليك حراكا اجتماعيا فكريا مشابها لمفهوم البطل الملحمي، وكذلك سيرة عنترة بن شداد أو الزير سالم أو سيف بن ذي يزن أو الظاهر بيبرس.
عاصي، في مسلسل “الزند”، يمتلك كما هؤلاء روحا متقدة لا تقبل الظلم، ولكونه يعيش في بيئة إقطاعية، فإن حياته وأهله مليئة بمظاهر الظلم والقسوة التي تفرضها حالة اجتماعية وسياسية محددة.
أما مسرح الأحداث فهو مجرى نهر العاصي الذي يربط أواسط سوريا بلبنان، ويجمع الناس فيهما على تفاصيل حياتية مشتركة عبر آلاف السنين، والزمان آواخر عهد الدولة العثمانية، حيث الفوضى السياسية والأجواء المحتقنة التي ولدت في نهايتها الحرب العالمية الأولى. والمسلسل مؤلف من جزئين في ستين حلقة.
مواجهة الظلم
في أي مجتمع ظالم تقوم علاقاته على التناقض، إذ لا بد من حدث يكون الشرارة التي تسبب انفجار الاحتقان الشعبي تجاه قوى الظلم فيه. وفي مسلسل “الزند” سيكون الحدث الفاصل عجز المزارعين عن دفع الأموال التي استدانوها من الإقطاعيين حتى وصول الأمر إلى أروقة المصارف والمحاكم، وتعثر كل جهود التوفيق بينهما، فالإقطاعيون يريدون -بحجة تأخر استلام حقوقهم- استلاب أراضي المزارعين الفقراء الذين يبدأون حملة واسعة للحفاظ عليها، لكن حظوظهم تكاد تفشل وتصبح أراضيهم في مهب الريح، وهم الذين صاروا أضعف أمام سطوة الإقطاعيين.
هذا الحدث سيكون منعطفا دراميا كبيرا ومؤاتيا لكي يتدخل عاصي، الفقير والقوي والحانق على الظلم، ويمارس دوره في أن يكون البطل الشعبي الملحمي الذي يقرر أن يكون مع هؤلاء الضعفاء في مواجهة قوى التسلط والنهب، لتبدأ حلقات الحرب ظاهرة بينهما، بين قوى متسلطة وبين جموع من الناس مستلبي الإرادة ومنهكين، فتكون لغة السلاح هي الفيصل بينهما.
لكن لن تغيب خطوط درامية موازية تقدم علاقات عاطفية واجتماعية، أهمها علاقة حب تجمع بين عاصي وفتاة من طبقة الفقراء يتعلق بها قلبه تؤدي دورها دانا مارديني.
مرجعية مسرحية
حسنا فعلت شركة الإنتاج بالتعامل مع كاتب مسرحي مثقف هو عمر أبوسعدة وهو العارف بموضوع البطل الملحمي وكيفية توليف ملامح شخصيته في بناء شبكة درامية متصاعدة من الأحداث، تحقق طرح الأفكار العليا التي يريدها بأسلوب مشوق.
عمر درس المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، قسم النقد، وهو أحد الطاقات الشابة التي عملت منذ سنوات على بناء خط مختلف في تقديم تجارب مسرحية خاصة به، فقدم مع بعض العاملين في المسرح الأهلي مجموعة من العروض التي حققت حضورا جيدا. وكان أحد مؤسسي “فرقة الأستديو”، كتب أولا للمسرح ثم قدم أعمالا إخراجية منها “أرق” و”الأفيش” و”سماح” و”الطرواديات” و”أنتيغون في شاتيلا” وغيرها. وهو ابن عائلة فنية عريقة يختص أغلبها في التصوير والفن، فوالده مصور سينمائي رافق ولادة السينما السورية بمرحلتها الثانية في أواسط ستينات القرن الماضي وعمل مصورا سينمائيا ومنتجا، كما يعتبر شقيقه الأكبر من أهم المصورين الفوتوغرافيين في عموم سوريا وكثيرا ما حقق جوائز في مسابقاتها.
ويبدو أن أبوسعدة قد استثمر إلى أبعد درجة ممكنة قدرته على بناء نص درامي تلفزيوني يحمل عناصر العمل القوي الذي يحمل ملامح شخصية البطل الشعبي. وبحكم معرفته بعدد من هذه الشخصيات التاريخية استطاع رسم ملامحها في شخصية عاصي.
بعيدا عن جبل
كثيرا ما تسكن وجدان الناس ملامح شخصية فنية محددة لممثل معين، بعد أن تحقق نجاحا كبيرا لديهم، ويصير من الصعب على الفنان أن يتجاوزها بسهولة.
في السينما العالمية مثلا عانى شارلي شابلن من سيطرة شخصيته الشهيرة التي قدمها على أذهان جمهوره، كذلك حصل مع دريد لحام بشخصية غوار ونهاد قلعي بشخصية حسني البورظان وعبداللطيف فتحي بشخصية بدري بيك أبوكلبشة وغيرهم. ولا شك أن النجاح غير المسبوق لشخصية “جبل” في مسلسل الهيبة ستضع تيم حسن في مواجهة هذه المفارقة الإبداعية. ولكن فنانا ذكيا ومسلحا بالمعرفة الأكاديمية مثل تيم سيجعله قادرا على تقديم العمل بالشكل الذي يوصله إلى بر النجاح. فهو قدم شخصيات متنوعة في العديد من الأعمال السابقة كانت فضاءات التغيّر فيها شديدة. منها “على طول الأيام” و”أسعد الوراق” و”زمن العار” وصولا إلى الأعمال التاريخية في ثلاثية “الأندلس” – ربيع قرطبة مثلا – وشخصية نزار قباني الجدلية.
في مسلسل “الهيبة” كرس تيم شخصية معاصرة تحمل ملامح ذاتية تتعلق بعملها وانتمائها البيئي، وشخصية عاصي في مسلسل “الزند” تختلف عنها، بل وتذهب إلى جهات مناقضة لها. فهو رجل ريفي ينتمي إلى بيئة زمانية ومكانية محددة، تحاصره ملامح الحياة في الماضي، كذلك اللهجة التي هي هنا ليست البيضاء العادية. وهذا ما سوف يحمّله مسؤولية أكبر في العبور بها إلى بر الأمان، وما يزيد من حساسيتها حملها ملامح البطل الشعبي، وهي الشخصيات التي تسكن في وجدان الناس وهي لديهم بمراتب القداسة.
في تاريخه الفني، قدم تيم حسن العديد من التحولات الفنية، ولا يبدو أنه سيفشل في مهمته، خاصة أنه آت من دراسة أكاديمية وتجربة غنية ملكته الخبرة اللازمة، لكن خصوصية الشخصية وتقاطعها مع حساسية فكرة البطل الشعبي تصعب الأمر على الجميع وتجعله أكثر تحديا ومتعة.
كذلك الأمر على مستوى الإخراج، الذي سيفرض على مخرج “الزند” سامر برقاوي كثيرا من الجهد في تقديم عمل بيئي يحمل خصوصية في تفاصيل الحياة اليومية، وشكل الأزياء، وقطع الإكسسوار وغيرها. في زمن أحداث المسلسل، لا وجود لسيارات فارهة وشوارع حديثة ومشاف ومبان عصرية، بل الكثير من الديكورات الخاصة بتفاصيل دقيقة ولهجة محددة، لا شك أنها أوجدت أمامه مصاعب في التنفيذ، لكن مغامرة النجاح بها ستكون – لو تحققت – أجمل.
بطل ملحمي
تحمل الذاكرة الشعبية للسورين، خاصة في مناطق ريف مصياف في جبال الساحل ذكرى عن رجل يدعى أبوعلي شاهين ولقبه الفهد، عاش في أربعينات القرن العشرين، تعرض لمواجهة حادة بينه وبين رجال البيك، وصلت حد العنف الجسدي. فما كان إلا أن استخدم هذا المتنفذ سطوته عند أحد الفاسدين من رجال الدرك المسؤولين، الذي أرسل دورية اعتقلته وعذبته جسديا ثم ألقت به في الشارع، الأمر الذي دفع به للعودة إلى بيته وتناوله سلاحه وذخيرته وبدأ بمقاومة سلطة البيك ونفوذه في المنطقة، حتى خانه أحد أقاربه فاستدرجه إلى بيته وسلمه للسلطة، ثم حوكم وأعدم وسط ذهول أهله وناسه.
تحول أبوعلي شاهين إلى أيقونة شعبية في المنطقة لكل من يقاوم الظلم. تناول قصة الرجل الكاتب السوري الشهير حيدر حيدر صاحب رواية “الفهد” التي كتب في مقدمتها “لماذا لم يُنصر شاهين؟! وهو الذي انتضى سيفه وصاح خارجا من ظلام القرون (…) من سجون المهانة الطويلة مَبَشّرا بالطوفان وما كان يبغي مجدا؟ هو الذي لم يسرق فقيرا ولا أهان فلاحا ولا سطا على القرى الآمنةِ. فلماذا ظل وحيدا؟!”.
حياة أبوعلي شاهين تحولت إلى قصة ومن ثم إلى رواية كتبها حيدر حيدر ثم إلى فيلم سينمائي سوري شهير أنتجته المؤسسة العامة للسينما وأخرجه نبيل المالح وقدم البطولة فيه أديب قدورة الذي كان نجم السينما السورية حينها وحقق نجاحا كبيرا في سوريا وخارجها، ويعتبر حتى اللحظة أحد أهم الأفلام السورية في تاريخ سوريا.
مسلسل “الزند” يقدم في شهر رمضان المبارك على قناة “أم.بي.سي” ومنصة “شاهد” وهو من إنتاج شركة “سيدرز آرت برودكشن” وتأليف عمر أبوسعدة وإخراج سامر برقاوي، أما في التمثيل فيشارك فيه تيم حسن وفايز قزق ودانا مارديني وباسل حيدر وفيلدا سمور ومازن عباس وبيدروس برصوميان وأنس طيارة ونانسي خوري ومجد فضة والفرزدق ديوب.
العرب