تجاوز الخطوط الحُمر: فقراء لبنان أمام كاميرات “المتبرعين”!

دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، إلى ظهور مبادرات في مواقع التواصل الاجتماعي ترفع شعارات “المبادرة لمساعدة الفقراء أو الفئات المحتاجة” لكنها انزلقت بسرعة نحو تجاوز الخطوط الحُمر، عبر اختراق خصوصياتهم فقط، ذلك بتصوير مقاطع فيديو يحصل فيها أولئك الأفراد على مساعدة مالية مقابل قيامهم بفعل ما او حتى في بعض الاحيان من دون القيام بأي عمل.

تهافت “الخيرين” على أداء هذه الرسالة ليس بجديد، لكنه كان يتم في حالات سابقة عبر برامج تلفزيونية تتضمن مسابقات رمزية تنتهي بفوز المشترك بطريقة لا تسيء لشخصه ولا تمس كرامته، أو عبر مبادرات فردية أو جماعية تنتهي بوصول المساعدات المرصودة للفئات المستهدفة من دون تصويرها أو استغلالها للتباهي والتفاخر عبر مواقع التواصل بأنهم يقومون بفعل الخير كما يحصل اليوم.

لكن التفلت من الضوابط الإعلامية والمهنية، ينتشر في مواقع التواصل بشكل واضح مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية. فقنوات التلفزيون على سبيل المثال، تمتلك بالحد الأدنى مجموعة من المعايير التي تلتزم بها، إلى جانب خشيتها من المحاسبة بموجب القوانين الإعلامية السارية. أما مواقع التواصل فتبقى بعيدة من المعايير، إلا المعايير الشخصية التي يضعها الأفراد لأنفسهم، والتي تختلف من صانع محتوى إلى آخر.

والأسئلة التي يحتويها هذا الموضوع كثيرة لكن أهمها يدور هو هدف المبادرات وتصويرها، بين كونها محاولة للحصول على الشهرة، عبر تقليد نماذج لمدونين عرب نالوا شهرة واسعة في العالم العربي من دون حتى أن يكشفوا عن هويتهم الشخصية، مثل المدوّن الإماراتي غيث الإماراتي؟ أم أنها فعلاً جزء من مبادرات خيرية لا علاقة لها بطموحات الشهرة السريعة؟

يعلق الناشط رفيق جنون في حديث إلى “المدن”، على الانتقادات التي طاولته وهو يقدم مبالغ مالية لفقراء مع تصوير ردّ فعلهم، فيقول: “أنشأت مسابقة وكل شخص يفوز فيها، أقدم له المال”، معتبراً أن حجم التحفيز والدعم لهكذا خطوات أكبر بكثير من حجم الانتقادات التي يتعرض لها، والتي لن تمنعه من تصوير المزيد من هذه الفيديوهات التي لا تخترق خصوصية أحد بحسب تعبيره، لأن “الهدف منها يبقى خيرياً وليس فردياً”.

ومثل جنون، يبرز المدون روبين شلهوب، الذي نشر عبر حسابه أكثر من فيديو قدم فيه مساعدة مادية لعدد من السيدات المسنات والرجال الذين لا يكفيهم قوتهم اليومي لإعالة عائلاتهم. وقال في حديث مع “المدن”: “أشارك جميع هؤلاء الأشخاص شعورهم فأنا كنت واحداً منهم سابقاً، قبل النجاح في عملي الحالي”.

وأضاف شلهوب: “عندما أقوم بتصوير هذا النوع من الفيديوهات يكون الهدف هو التشجيع على زيادة عمل الخير. القيام بهذه الدعاية وتسليط الضوء على الفئة المحتاجة والترويج لها؛ يرفع عدد الاشخاص الذين ينوون تقديم المساعدة”.

أما للمنتقدين، فتمنى شلهوب لو أنهم يتفرغون أكثر لتقديم المساعدات للفقراء بدلاً من رمي الاتهامات يميناً ويساراً، حسب تعبيره.

وليس الهدف من الانتقادات بالطبع هو قطع سلسلة المبادرات الخيرية أو الفردية التي تحتاجها فئات كثيرة من اللبنانيين، لكن الهدف يبقى تصويبها، سواء عبر الاعلام المرئي أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لا سيما أن من نتائج هذا “الخير” هو زيادة عدد متابعي “الخيّرين” واللايكات التي يحصدونها والتفاعل مع صفحاتهم الاجتماعية، باعتبار هذه الفيديوهات تلعب على العواطف والمواقف الدرامية، وبالتالي هي مثيرة للمشاهدة والمشاركة. وهو ما يمكّن أصحاب هذه المبادرات من استغلال هذا “الرصيد” من المتابعين (وربما المتبرعين؟) بطرق مختلفة في السوشال ميديا. ما يعني أن “الخير” ليس بالضرورة بلا مقابل، وهذه مسؤولية أخلاقية إضافية تطرح السؤال: الفيديو مقابل الحسنة؟ هل هذه معادلة متكافئة؟ هل يوافق الأشخاص في الفيديو؟ وهل يتم إخبارهم بجوانب الموضوع كافة؟ من مشاهدة بعض الفيديوهات، تبدو الإجابة الأرجح: لا.

وإن كان تقديم الخير والمساعدة مطلوبَين أكثر من أي وقت مضى في لبنان، للفقراء والفئات المهمشة والمحتاجة، فالحفاظ على كرامة الانسان يبقى أساسياً، إضافة إلى بديهيات في عالم الإعلام يجب أن يراعيها محتوى الفيديو المقدم كعدم إظهار الوجه والحصول على استئذان الأفراد قبل نشر الفيديو.

من هذا المنطلق، دعا الإعلامي والاكاديمي يزبك وهبي، وسائل الاعلام المرئية والمسموعة إلى إدراك أهمية الطرق المثلى لكيفية تقديم الدعم لهذه الفئات المهمشة من دون اختراق خصوصياتهم والحفاظ على كراماتهم. والتأكد بعد اشتراكهم في المسابقات الموجودة على أي منصة تقليدية أو مستحدثة، من وصول المساعدات المالية إلى المستفيدين منها، من دون اقتطاع أي جزء لأي طرف كان، سواء المحسوب على المؤسسة الاعلامية أو الجهة المستهدفة.

المدن

مقالات ذات صلة