هنا مربط الخيل وعنق الزجاجة: لا على البارد ولا على الساخن!
يشير الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله إلى أنّ الأمور تسير ببطء في الملف الرئاسي على اعتبار أنّ العجلة من الشيطان، مؤكّداً أنّ «القرار داخلي بالدرجة الأولى، أمّا العامل الخارجي فمساعد وليس حاسماً، ما يجري تداوله بشأن ملحق للاتفاق السعودي- الإيراني حول لبنان واليمن وغيرهما ليس صحيحاً، ولم يتم التطرق إلى لبنان لا من قريب ولا من بعيد».
الأصح أنّ نغمة «العامل الخارجي المساعد وغير الحاسم» لا تملك حجة الإقناع، لا من قريب أو بعيد. وتأكيد نصر الله على أولوية «القرار الداخلي»، هو للردّ على الآخرين، الذين يؤكدون بدورهم أنّ ما يحول دون إنجاز الاستحقاق الرئاسي حتى الساعة هو القرار الخارجي، أو بدقة أكبر، الخلاف الخارجي المتمثل بعدم موافقة السعودية على الصفقة الفرنسية القاضية بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. فالمملكة تتعامل معه على أنّه مرشح «حزب الله»، كذلك تتعامل معه فرنسا وتروّج له وتفاوض حتى تنجح في تأمين الغطاء السعودي له.
و»الحزب» يتصرّف وكأنّه على يقين من أن رفض ثنائي «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» لفرنجية، سيزول عندما يتأمّن الغطاء. فالمهم هو تذليل العقبة الخارجية ليمشي «الثنائي المسيحي» بما تتطلبه التطورات، فيتأمن النصاب وتُقام الأفراح والليالي الملاح.
وهذه المرة أيضاً، يبدو أنّ خريطة الطريق واضحة «للحزب» ومحوره. لكن ماذا لو لم يأت الغطاء المطلوب والكفيل بإيصال الرجل المطلوب الى المكان المطلوب؟ ماذا لو اضطر «الحزب» إلى الالتزام بخيار آخر قد تفرضه عليه إيران وفقاً لأولويات المرحلة التوافقية ومتطلباتها التي تفرض الوقوف على خاطر السعودية؟ بالطبع سيجد نصر الله الخطاب اللازم لتبرير الالتزام، وإقناع بيئته بأنه لا يزال الممسك بالقرار وإن تغيّر التكتيك.
وفي انتظار هذا الحسم، إمّا سلباً أو إيجاباً، يعزف نصر الله على إيقاع بطيء من خلال دعوة القوى السياسية العاطلة عن العمل إلى ملء الوقت الضائع، ويضع في محفظتها برنامج نشاطات قوامه «طاولة حوار للشأنين الاقتصادي والمعيشي».
وكأنّ البلاء الاقتصادي والمعيشي ليس وليد البلاء السياسي ومصادرة السيادة وحماية الفساد، أو أنّ إمكانية معالجته تكفيها طاولة حوار، أو كأن الذاكرة مبتورة بشأن وظيفة «طاولات الحوار» منذ العام 2005، والتي كانت ولا تزال مناورات التفافية لا هدف لها إلا ضرب الدستور وتمهيد الأرضية اللازمة لفرض إملاءات «الحزب» ومحوره وصولاً إلى تشديد قبضته على مفاصل القرار في لبنان. أو أنّ المهم تذليل العقبات الخارجية المتعلقة بالفيتو السعودي… فقط لا غير… وبعد ذلك لكل حادث حديث…
وهنا مربط الخيل وعنق الزجاجة لإخراج حل قد يحتاج إلى تسخين على الأرض. فقد تعودنا على أنّ عمليات إخراج الحلول في لبنان لا تستوي سيناريواتها إلّا على الساخن.
وقد تترافق بعض الأحداث الضاغطة والابتزازية مع أحاديث تروِّج للوئام والسلام وقرب الوصول إلى بر الأمان، وان اكتنفت هذه المسيرة تداعيات مؤسفة في اللحظات الأخيرة التي قد تمتد شهوراً لتنضج الطبخة قبل أن يتبلور الحل على الساخن.
وبالطبع، لن تنتشل «طاولة حوار اقتصادي ومعيشي» لبنان من الخراب، وتحديداً مع هذا العبث الإجرامي بسعر صرف العملة، ليقتصر جهد المسؤولين على إجراءات آنية غير مجدية، يأملون منها أن تربك اللبنانيين وتتلاعب بهم وتنفس غضبهم وتمتص نقمتهم.
وعندما يسأل مواطن عبر الشاشة: كيف سنصوم وعلى ماذا سنفطر؟ لا لزوم لانتظار الجواب، لأنّ الدعوة إلى «طاولة حوار اقتصادي ومعيشي» لن تجنب هذا المواطن وغيره الجوع والقهر بصحن فتوش يتم إعداده على البارد، أو بطبق حساء ساخن…
سناء الجاك