هل تهدأ الحملات الإعلامية التحريضية بعد الاتفاق السعودي – الإيراني !
رجحت مصادر إعلامية أن القنوات الحوثية في الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت تبث دون تراخيص وهي محمية بقوة السلاح من حزب الله، قد ترحل أو قد تهدئ لهجتها ضد السعودية وبلدان الخليج بعد الاتفاق السعودي – الإيراني لإنهاء قطيعة دامت سبع سنوات، فيما يتساءل مراقبون عن مصير قناة إيران إنترناشيونال التي تنفي السعودية علاقتها بها وأثارت جنون ملالي إيران خلال الانتفاضة الأخيرة.
وبرز ملف الإعلام على رأس الملفات ذات الأولوية بين القوتين الإقليميتين خلال التوقيع على الاتفاق. وكشف مسؤول سعودي عن كواليس المحادثات بين الرياض وطهران قبل الإعلان عن الاتفاق السعودي – الإيراني، بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين برعاية صينية. وقال إن محادثات بكين شهدت “خمس جلسات مكثفة للغاية” حول القضايا الشائكة.
وتابع المسؤول السعودي أن “إيران هي المورّد الرئيسي للأسلحة والتدريب والبرامج الدعائية للحوثيين، ونحن الضحية الرئيسية لهذه الصواريخ والطائرات دون طيار وأشياء أخرى”. وقال إن محادثات بكين شهدت أيضا تجديد التزام الجانبين بعدم مهاجمة بعضهما البعض في وسائل الإعلام، لكنه أشار إلى أن السعودية ليست من يوجه قناة إيران إنترناشيونال، وهي قناة باللغة الفارسية مقرها لندن وتعتبرها طهران “منظمة إرهابية” وقد اتهمت السعودية بتمويلها. وتابع “ليست وسيلة إعلامية سعودية ولا علاقة لها بالسعودية”
وبسبب تأثير هذه الشبكة، سبق أن حذر حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، السعوديين في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي وقال “راقبوا سلوككم وتحكموا في هذه الوسائط، وإلا فإن الدخان سيصيب عينيكم”.
ونقل راديو “فاردا” عن محلل الشؤون الدولية رضا نصري أن “أحد هذه الحلول لإيقاف شبكة إيران إنترناشيونال هو حل المشكلة بطريقة جذرية مع حكومة المملكة العربية السعودية”. وتابع “شبكة إيران إنترناشيونال، من خلال الترويج للانفصالية والتحريض على العنف وإعطاء منصات للمنظمات الإرهابية ونشر أخبار كاذبة، تهدد الأمن الداخلي وسلامة الأراضي والسيادة الوطنية وحتى الصحة العقلية للمجتمع الإيراني. وبما أن هذه الشبكة تابعة لحكومة المملكة العربية السعودية، فإن أداء هذه الشبكة يجب أن يكون من القضايا المهمة على أجندة المفاوضات بين طهران والرياض”، مؤكدا أن “تغيير طبيعة هذه الشبكة يجب أن يكون إحدى الأولويات أو حتى شرطا مسبقا لتطبيع العلاقات بين البلدين”.
يذكر أن حساب المرشد الإيراني علي خامنئي على تويتر غرد أيضا متهما ما أسماه “وسائل إعلام العملاء ومنها السعودية” بدعم من يسميهم مثيري الشغب خلال الانتفاضة التي عصفت بإيران مؤخرا.
وتسلط الانتقادات الإيرانية الضوء على “إزدواجية فجة” للنظام الإيراني الذي يمتلك ترسانة إعلامية ضخمة موجهة للمشاهد العربي، تندرج ضمن المنظومة الإعلامية للمحور الولائي، نسبة إلى الولي الفقيه في إيران، وتبث مواد مكثفة تخص قضايا البلدان العربية، تسوق وجهة النظر الإيرانية وتنشر الفوضى وتحرض على الأنظمة العربية.
وتوجد في الضاحية الجنوبية لبيروت محطتا “المسيرة” و”الساحات” التابعتان للحوثيين المدعومين من حزب الله، إضافة إلى أربع محطات تلفزيونية أخرى تبث كلها بطريقة غير شرعية ومن دون تراخيص، واحدة للمعارضة في البحرين وأخرى للمعارضة السعودية واثنتان للحوثيين تبث باتجاه السعودية والإمارات وتحرض على الأنظمة.
وفي العام 2011، أنشأت جماعة الحوثيين قناة “المسيرة” كوسيلة إعلامية رسمية باسمها، تبثّ من الضاحية الجنوبية في لبنان، وتضمّ طاقما إعلاميا وميدانيا بمعظمه لبناني، إلا أن المموّلين يمنيون. وتستفيد من القمر الاصطناعي الخاص بـ”تلفزيون المنار” التابع لحزب الله. وتعتبر قناة “المسيرة” بمثابة وكالة أنباء رسمية ناطقة باسم الحوثيين، وتوزّع الأخبار للقنوات والمواقع الإلكترونية التابعة للحوثيين.
وبعد عامين على إنشاء قناة “المسيرة”، أطلق الحوثيون في العام 2013 قناة “الساحات” الإخبارية. وتعاقب عدد من المديرين على القناة التي جرى إطلاقها رسميا من العاصمة اللبنانية في يوليو من عام 2013. وتبث هذه المحطات من مواقع محددة في الضاحية منذ أكثر من عشر سنوات من دون أن يحرك المسؤولون في الدولة اللبنانية ساكنا، ومعظمهم على علم بها.
ولا يقتصر دعم حزب الله على احتضان الشبكات الإعلامية التابعة للحوثيين، بل يمتد إلى تدريب العاملين في القطاع الإعلامي، لاسيما ما يُعرف بـ”الإعلام الحربي”، من خلال إخضاعهم لدورات وتخريجهم لاحقا.
ويبدو أن السياسيين اللبنانيين عاجزون عن اتخاذ أي قرار بخصوص القنوات الحوثية المحرضة، بسبب حمايتها من قبل حزب الله الذي يتلقى التعليمات مباشرة من إيران، فمنذ سبتمبر 2018 دعا وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الحكومة اللبنانية إلى الالتزام بسياسة النأي بالنفس التي تتبناها تجاه الصراعات في المنطقة. وطالب الحكومة اللبنانية بوقف بثّ قناتي “المسيرة” و”الساحات”، والمواقع الإلكترونية التابعة لميليشيات الحوثي التي تبث من لبنان.
وفي السابع من سبتمبر 2022، طالب وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك “الجمهورية اللبنانية بترحيل قنوات التحريض والتطرف التابعة لميليشيا الحوثي خارج لبنان”.
وفي أكتوبر 2022، قال وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية زياد المكاري إنه لم يصدر أي قرار بإغلاق القنوات الحوثية التي تبث من لبنان، موضحا “لا قرار لبنانيا في هذا الإطار”.
وأضاف في بيان أصدره، “تبث وسائل إعلامية أخبارا غير صحيحة عن قرار لبناني بإغلاق قناة المسيرة ووسائل إعلامية أخرى تابعة للحوثيين تعمل من بيروت، وذلك عقب استقبالي السفير اليمني”.
ولا يعتقد مراقبون أن إيران ستسلم بسهولة سلاحها الأقوى تأثيرا المتمثل في الإعلام خاصة أنه كان سندا كبيرا في أجندتها التوسعية في عدة بلدان عربية.
وقد حرصت إيران على أن تسيطر على جانب من الوعي العربي العام، من خلال وسائل إعلامها الناطقة بالعربية التي تنشر مباشرة المواد الموجهة للعالم العربي، أو تقوم بترجمة المواد الفارسية من وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية إلى اللغة العربية، وهي تنافس بهذه الآلية الدول الكبرى في العالم والدول الإقليمية غير العربية التي دشنت هي الأخرى منصات باللغة العربية لمخاطبة الرأي العام العربي والتأثير فيه.
ويشير التنوع الكبير في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية إلى الإنفاق الإيراني الواسع على هذا القطاع المستهدف أن يكون عائده المباشر هو التأثير السياسي لتحقيق المصالح الجيوستراتيجية والمنافع الاقتصادية. ويقول خبراء إن إيران قد تصدر تعليمات لإعلامها بالتهدئة خلال الفترة القادمة إلى حين تقييم الوضع والحصول على المكاسب المرجوة من الاتفاق.
العرب