موت “علي العلوية”.. هل يستمر “تعا قلو بيزعل”؟

الخميس الفائت، بُثّت آخر حلقات برنامج “تعا قلو بيزعل” على قناة “إل بي سي”، قبل دخول دورة البرامج في جدولة رمضان. وفي حين يتجهز الثنائي محمد الدايخ وحسين قاووق، لعرض فيلمهما السينمائي الأول قريباً، طرحت علامات استفهام حول مصير برنامجهما بعد رمضان، لا سيما بعد تراجع الضجة التي أحاطت ببدايات عرضه، وموت شخصية “علي العلي العلوية” في الحلقة ما قبل الأخيرة، وهي الشخصية المحورية في البرنامج.

ضجة البدايات
منذ تجربتهما الأولى عبر “الجديد” في برنامج “شو الوضع”، استوقفت أعمال الدايخ وقاووق التلفزيونية، مشاهدي التلفاز والنقاد بعد تجرؤهما على انتقاد البيئة الشيعية الموالية لـ”حزب الله”، لتستكمل الضجة المثارة حول أعمالهما مع بداية عرض برنامجهما “تعا قلو بيزعل” عبر “إل بي سي”، وهي ضجة سرعان ما خفتت.

أرست نصوص الدايخ صورة أخرى لطائفة حصّنها حزب الله بصورة “حديدية”، طائفة مقاومة لشتى الانهيارات (وهذه أشبه بدعاية حرب منها إلى تنميط). إذاً، الطائفة “تنهار” كسائر البيئات اللبنانية، ويأتي انتقاد حالها من أبنائها أنفسهم، ما يعطي هذا الانهيار مصداقية، والكوميديا تسعى للتغيير، وسيكون القاووق والدايخ دعاة تغيير من بوابة الكوميديا، وأتت شخصية العلوية، لتفكّ عزلة طائفة، كانت منزّهة عن النقد.

ما زال الدايخ وقاووق ينتقدان أحوال الطائفة. ما الذي تغير ليخفت الجدال حول البرنامج؟ هل اعتاد رافضو النقد، على النقد؟ أم أنهم “قاطعوا” البرنامج؟ أم ما زالوا “يتلصصون” عليه في الخفاء؟ أم لعلها انتفت أسباب الهجوم المنظم عليه في أوساط المحازبين، على قاعدة أنه “ما تقلّو.. بينسى”؟

في تصريح لـ”المدن”، ترفض الشركة المنتجة Shoot Production، الربط بين تراجع الجدل حول البرنامج، وعدد مشاهداته، على قاعدة أن “القنبلة” التي وضعت أمام مبنى القناة كرسالة ضد محتوى إحدى الحلقات، “ليست وحدها معياراً للمشاهدات المرتفعة”.

حاطوم: مستمرون بحلقات ما بعد رمضان

حتى الآن، عُرضت 9 حلقات من برنامج “تعا قلو بيزعل”، من أصل 16. يوضح المنتج فراس حاطوم من شركة “شوت بروداكشن”، لـ”المدن” أنه “لم يتغير أي شيء من اتفاقنا مع إل.بي.سي لناحية استكمال عرض البرنامج وحلقاته الـ16 بعد رمضان”.

وعن أسباب تراجع الضجة في مواقع التواصل حول البرنامج، يلفت إلى أنّ “الشغل ماشي طبيعي وما تغير شي”، أما ردود الأفعال الجماهيرية فما زالت ضمن مسار تصاعدي، ونِسَب المشاهدة في مواقع التواصل معيار أدق للحديث عن جماهيرية البرنامج. ويؤكد أن “إل بي سي” بدورها ممتنة لأصداء البرنامج، وهي لم تبخل عليه، لا على مستوى التمويل ولا على مستوى السقف العالي للمحتوى.

أما بالنسبة لتهديد القناة، بإلقاء قنبلة أمامها في بدايات عرض البرنامج رداً على اسكتش “تعليم اللغة الشيعية”، فيرفض حاطوم اعتبار القنبلة معياراً لارتفاع عدد المشاهدات، مؤكداً “أننا لا نريد لشعبية البرنامج أن ترتبط بحملات من هذا النوع، فالبرامج التي تبني نجاحها على هذه الحملات، تتعمد خلق تفاعل لا يفعله المحتوى، بينما نحن نعول على المحتوى المتعوب عليه، للنجاح”.

ويرصد حاطوم نجاح البرنامج بالقفزة النوعية في الكوميديا، وتحديداً مقابلات “الروستينغ”، التي تعتمد الحوار مع الضيوف بطريقة ساخرة تتهكم على تفاصيل هي مقدسات في عالم التلفزيون، من دون أي أذى شخصي للضيف، وهو ما حصل مثلاً مع الممثلة ريتا حايك، “عندما انتقدنا معها الدراما اللبنانية”.

نجاح البرنامج أيضاً، يراه حاطوم في جرأة نصوص الدايخ وحرصه على التغيير المستمر، لا في الضجة التي تسببت بها الحلقة الأولى، وكذلك يراه في الجرأة على انتقاد بعض الحركات النسوية وبعض الحركات المدافعة عن حقوق المثليين، عدا عن الجرأة أخيراً في قتل شخصية “علي العلي العلوية”، إذ “ما حدا بيقتل كاراكتير ناجح هلقد”، ولا نعرف ما إذا كان قتلاً دائماً وهو ما سيتضح في الحلقات المقبلة.

كيفما تحركتم في الضاحية… ترون “العلوية”

للكاتب والمخرج والممثل في “تعا قلو بيزعل”، محمد الدايخ، معايير أخرى لنجاح برنامجه. أهمها، تعلق الناس، على اختلاف فئاتها وطوائفها، بشخصية “علي العلي العلوية”.

الجميع في الطرق ينادي حسين قاووق “يا علي العلي العلوية”، وهذا التعلق “الهستيريّ” بشخصية العلوية، إن دلّ على نجاح البرنامج، “فهو دلالة كذلك على أننا نجحنا في خلق كاراكتير واقعيّ”.

“ولا مرة خلقنا شي مش موجود”، يقول الدايخ، على عكس شخصيات بعيدة عن الواقع في الكوميديا اللبنانية، مثل “أم طعان”، التي لا تجد إمرأة جنوبية واحدة تتحدث مثلها. “لقد خلقتُ شخصية، كيفما تحركتم بالضاحية، سترون مثلها”.

علي العلوية

من عبارات “تُقبُرنيي”، إلى “يا خيي الأبو حميد” وصولاً الى شتيمة “أُمّك” بضم الألف، بنى الدايخ شخصية العلوية، وجعلها ناطقة بـ”اللغة الشيعية”، وتدرّس في الصفوف لأبناء الطوائف الأخرى (وهذا تنميط آخر لبقية الطوائف). لكن العلوية من جهته يرفض تهمة التنميط لأحوال اللبنانيين، يقول: “جلّ ما ننقله هو الواقع، والدنيا في الضاحية ليست فقط انتصارات، فهناك فساد وأناس تأكل بعضها، وسنظل ننقل الواقع حتى يتغير، ولن نلمّعه، وليغيروا الواقع إن لم يعجبهم محتوى برنامجنا”.

الكوميديا العميقة… “للكبّ”؟

ويرفض الدايخ الاتهامات بتراجع محتوى برنامجه بعد الحملات التي قيدت ضده. وعن الاتهام بـ”ضحالة المحتوى”، يردّ: “نفسي حدا يعطيني درس بالعمق”، مستخلصاً ان “الكوميديا العميقة” هي كوميديا “المواعظ” وهي كوميديا “للكبّ”.

أما المشكلة في رأيه، فهي أن قسماً من الجمهور لم “يستوعب” نوع الكوميديا التي نؤديها، في إشارة إلى “الجهل بفنّ الروستينغ خصوصاً، والكوميديا عموماً”.

ويرى أن البعض اعتقد أن حسين قاووق هو “علي العلي العلوية” بالفعل، بمعنى أن الشخصية الكوميدية هي القاووق نفسه، و”هذا جهل بفكرة الكاراكتير، ودور الكاتب والمخرج، اللذين يدخلان في صلب حبكته وصناعته وإخراجه من الورق إلى الكاميرا”.

أما مقابلات الضيوف المعروفة بالـRoasting ولغة التهكم التي تحكم لقاءاتنا معهم، على عكس المقابلات التي تستضيفهم “للتطبيل” لهم وحسب، “فكذلك لم يتم إنصافها، وظنها البعض عفوية وغير محضرة سلفاً، والبعض ظنّ أننا نجلب الضيف للاستوديو لنبهدله”.

يضيف: “هذا النوع من الكوميديا الذي أرسيناه، ينطوي على رسائل نقدية عديدة، وهو عالمي، لكننا نعاني صعوبات في تطبيقه لبنانياً، ليس على مستوى دراية الجماهير به وحسب، بل لصعوبة إيجاد ضيوف “صف أول” دائماً، على استعداد لخوض التجربة”.

فأن تشارك ملكة جمال لبنان في هذا النوع من المقابلات، “أمر يتطلب جرأة، لا يملكها كل المشاهير في لبنان، في حين أن الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه، كان ضيفاً في هذا النوع من المقابلات”!

التلفاز… كمحطة عابرة؟

لا يخفي الدايخ أن التلفاز ليس هدفه، بل يخشى تأبيده فيه. “نحن أبناء المسرح والسينما، والتلفزيون محطة انتقالية، حاولنا من خلالها استقطاب الجمهور لنجذبه لأعمالنا السينمائية والمسرحية”.

الدايخ الذي يتكلم بحماسة عن فيلمه المرتقب “هردبشت” الذي “جاء في الوقت المناسب”، لا يستبعد التفرغ قريباً للمسرح، بعد السينما، تاركاً مصير برنامج “تعا قلو بيزعل” للأسابيع المقبلة.

من جهته، يؤكد حاطوم أن لا التزام مسبقاً بمواسم أخرى من البرنامج، “لأن الدايخ وقاووق من أبناء المسرح والسينما ويفضلان العقود القصيرة، علماً أن هناك رغبة لدى إل.بي.سي في عدد أكبر من الحلقات، ويبقى الثابت أن بقية الحلقات الـ16 ستستأنف بعد رمضان، أما المتغير، فهو إمكانية التجديد والتطوير بالبرنامج”.

ويقدم الدايخ في فيلمه الجديد دراما وكوميديا سوداء، يصفها بالجريئة جداً، لناحية تسليط الضوء على الشوارع الفقيرة. وإذا كانت الكوميديا تستهزئ بالواقع المعاش، فللدايخ والقاووق “حصة” من تسليط الضوء على معاناة طائفة، وحصة في المقابل من خطاب الترهيب، الذي يخشى أي تحريض، ضد واقع، كله معاناة.

المدن

مقالات ذات صلة