هذه هي خلفيّات “التسوية الفرنسيّة”!
الكل يحذّر من الانهيار الكبير أو ما يحب اللبنانيون تسميته بالارتطام، لكن أحدا لم يقدم للبنانيين تعريفاً دقيقاً لهذا الارتطام وما هي أشكاله وتداعياته، فما يغيب عن بال هؤلاء المسؤولين الذين يحذرون من السقوط المدوي هو أن “الانهيار” وقع، وما نعيشه اليوم هو من تداعياته، وبالتالي لا داعي لينتظر أحد الارتطام، فنحن فيه.
لا داعي لكثرة الحديث عن سعر صرف الدولار، لأن هذا السعر بات يتبدل بصورة جنونية، وما تتم كتابته اليوم عن السعر قد يختلف كثيراً غداً، إنما المهم القول ان الدولار تفلّت من كل الضوابط، ولم يعد بالإمكان السيطرة عليه، لا بل أكثر من ذلك، هناك بحسب المعلومات من يعمل على انهيار الليرة أكثر ليزيد الضغط الذي يعيشه لبنان، في سياق المعركة على من “يصرخ” من الألم أولا من القوى السياسية، اما صراخ الألم النابع من الشعب فلا أهمية له.
ما لم تحصل معجزة قريباً، واللبنانيون ينتظرون المعجزة منذ العام 2019، فإن شهر رمضان سيكون قاسياً جدا هذا العام، فبحسب مصادر ديبلوماسية، حيث يلعب المسؤولون اللبنانيون لعبة حافة الهاوية منذ ثلاثة اعوام، واليوم مع الأسف يلعبون من الهاوية التي سقط فيها لبنان بالأشهر الأخيرة، مشيرة الى أن غياب التوافقات الخارجية والحوارات الداخلية ستزيد من صعوبة المشهد اللبناني الذي أصبح في القعر في شباط 2023، حتى ولو لم يعترف بذلك المسؤولون.
بحسب رؤية هؤلاء، فإن الدولة ستقع في شلل كامل مع انفجار سعر صرف الدولار، وموارد الخزينة ستنقطع بشكل كامل، وما يجري مع حاكم المصرف المركزي بالملف القضائي سيزيد الأمور سوءاً، بانتظار حصول تطور ما على صعيد التسوية الرئاسية.
على الصعيد الرئاسي، تحاول فرنسا الضغط بقوة لتمرير رؤيتها للتسوية التي تقوم على المقايضة، فتطرح أن يحصل محور 8 آذار وإيران على رئاسة الجمهورية عبر سليمان فرنجية، ويحصل محور 14 آذار والسعودية على رئاسة الحكومة عبر نواف سلام أو شخصية أخرى تختارها المملكة، وتحصل فرنسا، برأي المصادر الديبلوماسية، على حاكمية المصرف المركزي، ما يضمن لها مكاناً بارزاً في إدارة الشؤون اللبنانية مستقبلاً، وتحقيق أهدافها على الصعيد الاقتصادي.
هذا الضغط الفرنسي المتسارع سببه بالدرجة الأولى الاتفاق الإيراني – السعودي، ففرنسا كانت حتى مرحلة قريبة صلة الوصل بين إيران والسعودية، فكانت هي الأقدر على محاورة إيران والحديث مع حزب الله في لبنان، وكان دورها محورياً انطلاقاً من موقعها القريب بين طرفي الصراع، لكن اليوم مع الاتفاق الإيراني – السعودي تخشى فرنسا بشكل جدي من خسارة هذا الموقع.
وتقول المصادر الديبلوماسية انه في حال تمكنت السعودية من الحديث بشكل مباشر مع ايران حول كل الملفات الخلافية، فما الدور الذي يمكن لفرنسا لعبه في لبنان وغير لبنان، كالعراق مثلاً، لذلك تسعى بكل قوتها لتمرير تسوية المقايضة ليكون لها الدور الكبير في إنجاحها، وبالتالي لعب دور كبير في مستقبل لبنان والمنطقة.
يدرك السعوديون واقع فرنسا المأزوم، لكنهم يعملون وفق جدول أعمال مزدحم، لا يتواجد لبنان في رأس قائمته، لذلك برز الخلاف الفرنسي – السعودي مؤخراً في باريس، وكل التوقعات تؤكد أن كلما نجح الاتفاق السعودي – الايراني بالوصول الى نتائج إيجابية في الملفات الخلافية، كلما ضعُف موقف فرنسا في لبنان.
محمد علوش