أميركا: لماذا كل هذا القلق من الصين؟
يتبنى الصراع أشكالاً منتظمة متفقاً عليها في المعارك، أو أحياناً يرتكز على المستجدات والوسائل المستخدمة أو العدو المستهدف، ودليل القوة قد يلعب دوراً مهماً في نطاق النزاع، وقد شاهدنا بعض الإشارات التي تحدد الظروف والوسائل المتاحة التي تريد تحطيم أو إضعاف قوة أخرى، فكل شيء أصبح مباحاً إذا اشتد الغضب، وعلى مستوى السياسة الأميركية فقد شعر الجيش الأميركي بقلق بالغ وتهديد للخطط الاستراتيجية التي تعتمد على الصناعات الدفاعية، خاصة بعد زيادة التوترات مع الصين، والمعادن المتحكمة في توريدها الصين، وهذا البعد خصوصاً هو الذي يسمح لنا بأن نفهم أن التقارير لم تحدد قطاعات تكنولوجية معينة، محفوفة بالأخطار، بما فيها القطاعات التي يمكن أن تعزز القدرات العسكرية للمنافسين، وستكون محوراً مهماً.
ومثل هذا المسعى يجبرنا على الاعتراف بأن الولايات المتحدة تتميز عن الصين بالتاريخ التكنولوجي والصناعي، منذ ظهورها دولة مستقلة، فقد برعت في فتح الأبواب للعلم والابتكار، وكانت مسقط رأس 161 اختراعاً من بين 321 اختراعاً عظيماً سُجلت في موسوعة بريتانيكا. وما من شك أن للدول بنى وهيكليات عميقة معقدة تتأثر لحد بعيد بالدوائر الداخلية، ومما يعرقل تطور الصين هو عدم امتلاكها للتاريخ التكنولوجي، وهذا أكبر تحدٍ لها، ولكن فيما بعد، تحولت الصين من مقلد للمنتجات الغربية للتفوق على واشنطن، ومؤخراً أعلنت الهيئة الوطنية للملكية الفكرية الصينية أن الصين تمتلك ما يقرب من 40 في المائة من براءات الاختراع الأساسية القياسية لتكنولوجيا شبكات اتصالات الجيل الخامس (5 جي)؛ لتحافظ على صدارة التصنيف العالمي في هذا المجال.
الأمر الذي ينطوي على هذه الأهمية بالنسبة للصين هو التحول من رسم خطط هادفة إلى توسيع نطاق طموحاتها، مهما كانت العوائق السياسية التي تبتعد عن قاعدة الدبلوماسية، ويتوقع الكثير أن البرنامج الأميركي الجديد يغطي استثمارات الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري في أشباه الموصلات المتقدمة والحوسبة الكمومية وبعض أشكال الذكاء الصناعي، إذ تعمل الحكومة على منع المستثمرين الأميركيين من تقديم التمويل والخبرة للشركات الصينية التي يمكن أن تحسن سرعة ودقة القرارات العسكرية لبكين.
فهل أدرك العالم الحقيقة كما هي، لا كما يريدها أن تكون، وقبل الشروط التي يفرضها الصراع؟ لا نخطئ إذا ما قلنا إن هناك بعضاً من التنافس الشرس والتناحر بين البلدين، وهذا يعني أن هناك سيلاً جارفاً من التوثيقات المفصلة التي جرى إحصاؤها حول المعادن التي تتحكم فيها بكين؟ مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والغرافيت ومعادن أخرى ضرورية لبناء بطاريات السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والألواح الشمسية، وتقنيات الطاقة النظيفة الأخرى، وهي مواد تصدرها الصين بشكل أساسي لأميركا وأوروبا.
وكذلك معادن الغاليوم والزرنيخ والنيون التي تدخل في صناعة أشباه الموصلات المتقدمة (الرقائق الإلكترونية)، وهي مكونات أساسية لأنظمة توجيه الصواريخ والحرب الإلكترونية وقدرات الذكاء الصناعي، وجاء الاحتجاج تجسيداً للقلق والتوترات في مرحلة اقتصادية حرجة تجتاح أميركا وأوروبا.
وهنا أطرح التساؤلات التالية؛ هل هذه جزء من الأخطار التي تهدد مستقبل النظام العالمي؟ وهل الولايات المتحدة قادرة على التحكم المطلق في أسس وشروط الحوار بعد التطورات في الصين؟ وهل أدركت واشنطن تقدم الصين، لذلك وضعت قواعد تنظم الاستثمار الأميركي في الخارج؟ في الحقيقة هو أمر يتسم بأهمية حاسمة، لعرقلة قدرة الصين على تطوير التقنيات التي يعتقد المسؤولون الأميركيون أنها قد تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وهي لا تنتج ما يكفي من هذه المعادن للحفاظ على التفوق التكنولوجي للجيش في العقود المقبلة.
إن لعبة الصراع مستمرة، وليست هناك فرصة للقضاء نهائياً على اللعبة، لكثير من الأسباب الاقتصادية والآيديولوجية وغيرها، وتتابع القوى نزاعاتها كي تؤكد نفسها ومكانتها وسيطرتها والهيمنة على الآخرين، وقبل أن نطيل الشرح فقد تغير كل شيء بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ولن يستطيع الصراع أن ينفي نفسه أو كيف يزول ويتلاشى، وكل قوى عظمى تريد تشكيل العالم بمفردها كقطب واحد ترجح كفة القوة على الحق.
مها محمد الشريف