مرشّح محور الممانعة الحقيقي والأصلي … إنتهى قبل أن يبدأ!
يحق لكل حزب أن يرشّح من يشاء لرئاسة الجمهورية، وبالتالي لم يكن مستغرباً أن يرشّح الرئيس نبيه بري والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، فهو مرشّح محور الممانعة الحقيقي والأصلي، ولا يخجل في كل إطلالاته الاعلامية من التباهي بخطه السياسي، على الرغم من أن هذا الخط لم يكن مرة لمصلحة لبنان الحرية والسيادة والاستقلال والدولة الفعلية، أي دولة القانون والمؤسسات، والتعددية واتفاق الطائف.
فحلفاء فرنجية في الداخل والخارج دمّروا مفهوم الدولة ومؤسساتها وانتهكوا الدستور وفصّلوه على قياسهم، بدءاً من الاحتلال السوري وصولاً إلى “حزب الله”. ورئيس “المردة” كان من أتباع هذا الاحتلال ومستفيداً منه، إذ دخل المجلس النيابي في كل الانتخابات التي جرت خلاله وتحديداً خلال الأعوام 1992 و1996 و2000، بينما خسر المقعد النيابي في انتخابات عام 2005 عندما تحرر لبنان من هذا الاحتلال، وعاد إلى عضوية البرلمان في انتخابات عام 2009، وفاز إبنه طوني في انتخابات 2022 بشقّ النفس!
وعيّن وزيراً سبع مرات في الحكومات المتعاقبة خلال أعوام الاحتلال السوري.
بعد عام 2009، استفاد فرنجية من تحالفه مع “حزب الله” الذي يمارس هيمنته على الدولة اللبنانية، فكان له وزراء يمثلونه في غالبية الحكومات.
لا يتوانى فرنجية عن الاعتراف بصداقاته لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وناصره ظالماً ومظلوماً، ويعتزّ بـ”المقاومة” التي يقودها نصر الله ولا مشكلة لديه في ارتباطها بايران.
لكن المفارقة أن فرنجية أصبح عشية الانتخابات الرئاسية اللبنانية مرشحاً “توافقياً”، وانهمك طوال هذه الفترة في أن يبرهن للشعب اللبناني أنه توافقي ومنفتح على كل الدول العربية والخليجية والمجتمع الدولي، وهي الدول نفسها التي هاجمها حليفه “حزب الله” طوال كل هذه الأعوام، ولا أحد ينسى أن فرنجية عيّن جورج قرداحي وزيراً للاعلام وأغضب السعودية بمواقفه!
صحيح أن فرنجية لديه استعداد للتواصل مع كل القوى السياسية اللبنانية، لكن هذا لا يعني أنه مستعد للتنازل عن قناعاته السياسية وثوابته التي تدور في فلك الممانعة، وهذا ما لا يريح أحداً من المعارضة.
واللافت أن ترشيح بري ونصر الله لفرنجية لم يخدم صورته التوافقية التي يحاول اقناع الناس بها، فبمجرد أن جاء الترشيح من الثنائي الشيعي تكرّس فرنجية كمرشّح تحدٍ. وربما لو علم نصر الله مسبقاً بالاتفاق السعودي – الايراني لما كان تسرّع ورشّحه، لأن هذا الاتفاق لن يكون لمصلحة رئيس “المردة”، بل سيستبعد كل الأسماء التي توحي بالتحدي والاستفزاز.
من هنا يمكن الاستنتاج بأن ترشيح فرنجية انتهى قبل أن يبدأ للأسباب التالية:
أولاً: برلمانياً، لا يستطيع فرنجية أن يؤمّن 65 صوتاً، ولو عرف أنها مضمونة لما كان بري ليتردد في الدعوة إلى جلسة انتخابية، إلا أن كلمة حق تُقال بأن لا أحد من النواب مستعد كي يصوّت لمصلحته إلا نواب الثنائي الشيعي وعددهم لا يتجاوز الـ30 نائباً. ولا يختلف اثنان على أن محور الممانعة فقد أكثريته في الانتخابات النيابية الأخيرة لمصلحة معارضة تعدّدية تلتقي على رفض انتخاب رئيس للجمهورية ينتمي إلى الخط الممانع. إضافة إلى أن ترشيح الثنائي الشيعي لفرنجية يتحدى المسيحيين ويستفزهم، وأبرزهم “القوات اللبنانية” الأكثر تمثيلاً للمسيحيين وفق نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، و”التيار الوطني الحر” و”الكتائب” و”الأحرار” والشخصيات المستقلة، وكلّها ترفض أن يبقى الموقع الأول في الجمهورية في حالة انقلابية على الخط المسيحي اللبناني التاريخي.
ثانياً: دولياً وعربياً، يروّج الثنائي الشيعي بأن الاتفاق السعودي – الايراني يصبّ في مصلحة ترشيح فرنجية، وهذا مخالف للواقع والمنطق، فالمواصفات الرئاسية التي وضعتها السعودية لا تزال هي هي بعد الاتفاق الاقليمي، ولا تنطبق على فرنجية أحد رموز منظومة الفساد التي أغرقت لبنان في الانهيار، وتموضعه السياسي في حضن “الممانعة” يجعله بعيداً عن دفتر الشروط السعودي. وبالنسبة إلى الاتفاق مع إيران، فلا شيء تقدّمه السعودية في لبنان، لأنه خاضع لسيطرة إيران، وأحد أهم بنود الاتفاق هو وقف التدخل في سيادة دول المنطقة، وبالتالي ليست السعودية التي تسلّح ميليشيا في لبنان وتموّلها بل إيران، وما هو مطلوب تنازل حلفائها والتخفيف من هيمنتهم على الدولة اللبنانية، أي “حزب الله”، لا فرض مرشّحه على الآخرين، مستخدماً الترهيب والترغيب على طريقة “فرنجية أو الفوضى”، علماً أنه يعلم علم اليقين بأنه يستحيل الخروج من الأزمة المالية من دون مؤازرة السعودية.
وعلى صعيد الدول الخمس المعنية بالاستحقاق الرئاسي اللبناني، ليس هناك سوى فرنسا مؤيدة لوصول فرنجية، فيما الآخرون يرفضونه بل لا تنطبق مواصفاتهم عليه. ولا يبدو أن السعودية ستتراجع عن “الفيتو” الذي تضعه على رئيس “المردة”، ومن المتوقع أن “حزب الله” وخلفه ايران سيستخدمان ترشيحه لاستدراج عروض من عواصم القرار للتفاوض مع “الحزب” سعياً إلى مقايضة يتنازل بموجبها عن مرشحه مقابل تعهدات سياسيّة. إذاً المعطيات الداخلية والخارجية التي تحول دون انتخابه لم تتبدّل.
ثالثاً: شعبياً، منذ العام 2005 وحتى العام 2019، حصلت في لبنان ثورتان كانتا موجهتين ضد المنظومة السياسية المنخرط فيها فرنجية، وهذا ما يوحي بأن المزاج اللبناني مخالف لتوجهاته وخطه السياسي الممانع الذي يتحدّى بترشيحه الشريحة الأكبر من اللبنانيين والمسيحيين على نحو مخالف للمنطق والعقل. علماً أن انتخاب فرنجية يعني استمرار الأزمة المالية التي تعصف بلبنان، والدليل أنّ النصف الثاني من ولاية الرئيس ميشال عون كان بإدارة الفريق الممانع، فلم ينجح في فرملة الانهيار، ولن ينجح كونه أحد الأسباب الرئيسة لهذا الانهيار!
ميزان القوى الداخلي ليس لمصلحة فرنجية، وميزان القوى الخارجي ليس لمصلحة مرجعيته الايرانية – السورية، ولن يتمكّن “حزب الله” من تأمين أكثرية لمرشحه، وإن نجح في ذلك، فستلجأ المعارضة إلى تعطيل النصاب.
لبنان وشعبه لا يمكنهما المجازفة برئيس لا يمكنه أن يقول “لا” لـ”حزب الله” المسؤول الأول والأخير عن الانهيار غير المسبوق تاريخياً، وما زال يصرّ على سياسات الفشل نفسها كونه لا يفقه غيرها، وكما خسر جولة مهمة في الانتخابات النيابية فإنه سيخسر الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية!
جورج حايك لبنان الكبير