دعوة الكنيسة النواب المسيحيين لـ «صلاةٍ رئاسية» خوفا من «ويلاتٍ آتية»… بدَل عن ضائع؟

كسرتْ دعوةُ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، النوابَ المسيحيين إلى «يوم خلوةٍ روحية وصلاة» في 5 أبريل المقبل رتابةَ المشهدِ السياسي في لبنان حيث لا صوتَ يعلو فوق صوت دولار الـ 110 آلاف ليرة وأكثر الذي يُنْذر بـ «أكل الأخضر واليابس» في واقعٍ معيشي تُفاقِمُ نكباته أزماتٌ متشابكة تتنازُعها الأطراف الوازنة على طريقة «الأرض المحروقة» وأبرزها الانتخابات الرئاسية العالقة منذ نحو 5 أشهر.

ورغم الطابع الروحي الذي حرصت بكركي على إسباغه على الدعوة للنواب الـ 64 المسيحيين والتي أتت «بعد استشارة أصحاب الغبطة البطاركة» (الكاثوليك والارثوذكس)، فإن هذه الخطوة بدت كـ «بديل عن ضائع» شكّله عدم نجاح الكنيسة في مبادرتها قبل أسابيع لجمْع هؤلاء النواب في لقاءٍ بجدولٍ أعمال من بند وحيد وصريح هو حضّهم على المبادرة لإحداث اختراق في الجدار الرئاسي المسدود، بعدما اصطدم هذا المسعى بتعارُض حسابات القوى المسيحية الرئيسية بإزائه وتضارُب الرؤية حيال آلية هذا الحوار ومخرجاته، ومحاذرة بعضها (مثل القوات اللبنانية) «تقزيم» الأزمة الرئاسية إلى «مشكلة مسيحية» وتحميل هذا المكوّن بحال فشل اللقاء مسؤولية استمرار الشغور وما سيترتّب على ذلك من «ويلاتٍ آتية».

وفي رأي أوساط سياسية، أن الكنيسة المارونية التي كانت استظلّت في سعيها لعقد «الاجتماع الرئاسي» تكليفاً مَنَحه إياها رؤساء الطوائف المسيحية (التقوا في بكركي في فبراير الماضي)، تحاول بإزاء تَمادي المأزق المُسْتَحْكم في هذا الاستحقاق الذي يدور في حلقة مفرغة وسط «رياح سبّاقة» تشي بـ «طوفانٍ» من الاختناقات المعيشية، أن تجعل «الرياضة الروحية» باباً خلْفياً للولوج إلى صلب المشكلة في الواقع اللبناني، علّ «التلاقي بالصلاة» يقرّب المسافات ويزيل الحواجز ويتيح ولو كسْر الجفاء على طريقة «الحلّ أوله كلام».

ورغم اقتناعٍ بأن عمقَ الخلاف السياسي بين الأطراف المسيحية حول قضايا ذات طابعٍ استراتيجي، ليس أقلّها التموْضع الإقليمي للبنان وربْطه بالمحور الإيراني، يجعل من الصعوبة بمكان تَصَوُّر إمكان أن ينجح أي لقاء ومهما كان عنوانه في ردم الهوة السحيقة، فإن ثمة مَن يرى أن تقاطُع غالبية المسيحيين على رفْض ترشيح زعيم «المردة» سليمان فرنجية، الذي يشكل «حزب الله» والرئيس نبيه بري رافعة دعْمه علناً، قد يكون «مدخل نقاشٍ» في بدائل وإن يبقى دونها افتراقٌ بين:

* معايير «سيادية إصلاحية» تريدها الكتل المسيحية في المعارضة (مثل القوات والكتائب ومستقلون) التي كانت رشحت النائب ميشال معوض ولم يمانع بعضها ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون «إذا كان ذلك يحل الأزمة».

* ومعايير مُبْهَمَة لـ «التيار الوطني الحر» الذي يكتفي بإعلان مَن لا يريد (فرنجية وعون) من دون أن يجاهر بَمن يريد، وهو كان من أكثر المتحمّسين لعقْدِ اللقاء النيابي بنسخته الأولى في بكركي.

وبحسب الأوساط السياسية، فإن الصيغة التي غلّف بها الراعي دعوته إلى «يوم اختلاء روحي في 5 أبريل (في حريصا) قوامه صوم وصلاة وسماع لكلام الله وتوبة استعداداً لعيد الفصح المجيد»، سيجعل من الصعب على النواب عدم التجاوب معها ولا سيما أنها لم تُشِر إلى أي أجندة سياسية للبحث، وهو ما من شأنه في الوقت نفسه تَفادي جرّ الكنيسة إلى تَحَمُّل وزر الفشل في بلوغِ نتائج «غير متوقَّعة» أصلاً، والاكتفاء ولو بفتْح نافذة لحوارٍ كان بدأه «بالمفرق» راعي أبرشية أنطلياس المطران أنطوان أبو نجم، مكلفاً من البطريرك، حيث التقى على جولات القيادات المسيحية في محاولة لتقريب وجهات النظر والاتفاق على لائحة مصغّرة من المرشحين وإحداث تَقاطُع على أحدهم.

اجتماع باريس

واعتبرت الأوساط أن إعطاء مهلة للخلوة الروحية يأتي من جهةٍ لمنْح فسحة إضافية للاتصالات الجانبية الرامية إلى تضييق التباينات، كما أنه يعكس من جهة أخرى استشعاراً بأن الرهان على أي اختراقاتٍ للمأزق الرئاسي ربْطاً بمناخاتِ ما بعد الانفراج «قيد الاختبار» على خط العلاقة بين الرياض وطهران «غير واقعيّ» في ظلّ مؤشراتٍ لعدم تبدُّل مقاربة المملكة العربية السعودية لمجمل الواقع اللبناني باعتباره «شأناً داخلياً» لا تتدخّل فيه ما خلا الثوابت المعروفة من ضرورة «ان يساعد القادة اللبنانيون أنفسهم» ويقوموا بما يتوقّعه منهم الشعب اللبناني أولاً على صعيد الإصلاحات وإدارة استحقاقاتهم وبينها الانتخابات الرئاسية بمواصفاتٍ يتقدّمها «ألا يكون الرئيس منغمساً في أي فساد سياسي أو مالي».

وفي رأي الأوساط أن الاجتماع الذي شهدته باريس الجمعة بين السعودية وفرنسا وضمّ عن المملكة المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد بخاري وعن فرنسا مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل، كرّس هذه المقاربة وسط تقارير عن أن اللقاء لم يصل إلى توافق في الملف الرئاسي وأنه جدّد تفعيل الدعم الانساني للشعب اللبناني، علماً أن باريس تحاول جاهدة تسويق معادلة «فرنجية للرئاسة ونواف سلام لرئاسة الحكومة» من دون أن تلقى قبولاً في الداخل قبل الخارج.

تحقيقات أوروبية مع سلامة

في موازاة ذلك، وعلى وقع تسريباتٍ متزايدة عن أن باريس «تشحذ» عقوباتٍ قد تضعها على معرقلي الاستحقاقات الدستورية ومسار الإصلاح، انشغلت بيروت بحصيلة جلستيْ الاستماع اللتين عقدهما وفدُ المحققين الاوروبيين على مدى يومين مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في إطار تحقيقات أوروبية في قضايا غسل أموال واختلاس ترتبط بشركة «فوري» (العائدة لشقيقه رجا) والتي لعبت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من مصرف لبنان مقابل عمولات بأكثر من 330 مليون دولار، تمّ تحويلها إلى حسابات رجا في الخارج ويُشتبه بأنها خضعتْ لمسارٍ من «الغسل والتبييض» صبّت معه في حساباتٍ تعود للحاكم (في دول اوروبية) أو عقاراتٍ اشتراها باسمه أو قريبين منه.

وبعد إجابة سلامة على نحو 200 سؤال من الوفد الأوروبي الذي تقدّمته القاضية الفرنسية أود بوروزي، وذلك عبر قاضي التحقيق الاول في بيروت شربل ابوسمرا، أشارت تقارير إلى أن الوفد (ضم ممثلين لكل من بلجيكا ولوكسمبورغ مع حضور بتمثيل ديبلوماسي لألمانيا) سيعود الشهر المقبل لسماع رجا سلامة ومساعِدة «الحاكم» ماريان الحويك (وهما مدعى عليهما مع رياض سلامة في الملف اللبناني من هذه القضية) من دون أن يُحسم إذا كان سيتكرّر طلب سماع رياض سلامة.

وكان بارزاً أنه بعد انتهاء سماعه، أصدر حاكم مصرف لبنان بياناً على طريقة «الهجوم الدفاعي» دان فيه ما اعتبره «سوء نية وتعطّش للادعاء» عليه منذ أكثر من عامين «من خلال حملة اعلامية مستمرّة تبنتها بعض الوسائل الاعلامية والتجمعات المدنية، ومنها أُوجدت غب الطلب، لتقديم إخبارات في الداخل وفي الخارج وذلك للضغط على القضاء والمزايدة عليه».

وإذ اعتبر أن ملاحقته تأتي في سياق عملية سياسية وإعلامية «لتشويه» صورته، انتقد كيف «أصبح مدنيون وصحافيون ومحامون يدّعون أنهم قضاة، يحاكمون ويَحكمون بناء لوقائع قاموا بفبْركتها.

واكبهم بعض السياسيين من أجل الشعبوية اعتقاداً منهم ان هذا الأمر يحميهم من الشبهات والاتهامات أو يساعدهم على التطميش عن ماضيهم أو يعطيهم عذراً لاخفاقاتهم في مواجهة وحل الأزمة، ناسين ان الأوطان لا تبنى على الاكاذيب».

الراي

مقالات ذات صلة