16 آذار… يوم اغتال الطاغية كمال الوطن
16 آذار 1977، يوم مشؤوم في ذاكرة اللبنانيين، فالبلاد كانت تعيش ظروفاً صعبة جراء الحرب الأهلية المستعرة حينها، وجاء وقع خبر اغتيال الزعيم كمال جنبلاط سيئاً جداً، وهز لبنان كله، فالقاتل، لم يستهدف زعيماً لبنانياً وحسب، بل شخصية مؤثرة ومتشابكة مع المحيط الاقليمي، فكمال بك كان زعيماً سياسياً وكاتباً ومفكراً مناهضاً للاستعمار والاحتلال والطائفية والفساد.
درباس: ما أحوجنا الى أمثاله
يستذكر الكثيرون “الفيلسوف والمفكر” خصوصاً في هذه الظروف التي نعيشها، وما أحوجنا الى رجل مثله. ويقول النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس في حديث لـ “لبنان الكبير”: “هناك حدثان أورثا جرحين عميقين في وجدان العروبة والتقدم والاستقامة، الحدث الأول هو غياب جمال عبد الناصر المفاجئ والذي ترك الأمة بلا قيادة. فلما قامت المقاومة الفلسطينية تولى كمال جنبلاط اعدادها ومساعدتها بالأشكال كافة، ودفع ثمن عروبته وولائه لفلسطين وهذا هو الجرح الثاني، وكان الاثنان صديقين ومحط ثقة الناس، ولا يزال الوجدان العربي يفتقدهما”.
ويؤكد أن “لبنان اليوم بحاجة الى رجل مثل كمال جنبلاط كحاجته الى رجال الدولة الذين يتمتعون بالوطنية والارادة والشجاعة والاقدام. كمال جنبلاط من طليعة هؤلاء الرجال الذين نذكر منهم أيضاً الرئيس الشهيد رشيد كرامي والعميد ريمون اده، ونذكر أيضاً بكل حزن رفيق الحريري الذي حاول أن يلم الوطن من الشتات ليعيد بناءه فجرى اغتياله في الوطن الذي بناه”.
عبد الله: لن ننسى وصيته
اما النائب بلال عبد الله (الحزب التقدمي الاشتراكي) فيشدد في هذه الذكرى على أنهم لن ييأسوا، أو يستسلموا، أو يبدلوا هويتهم اليسارية، أو يساوموا على العروبة، ولن ينسوا فلسطين، ولن يتخلوا عن الانسان “الذي من أجله نناضل كما علمنا كمال جنبلاط، ولن نفرط بالعدالة الاجتماعية والمساواة وحرية الفرد والمعتقد من دون قيود، ولن ننسى وصيته بجمال التسوية”.
السيد: نفتقده في زمن القحط
ويصف وكيل داخلية إقليم الخروب في الحزب “التقدمي” ميلار السيد في حديث لـ “لبنان الكبير” كمال جنبلاط بـ “معلم الأجيال الوطني والقومي والانساني، الذي لم يدع وسيلة إلا وسلكها من أجل الديموقراطية وإحقاق الحق والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات والحفاظ على إنسانية الانسان، ومحاربة الفساد والمفسدين، وكان مع الناس واستشهد من أجل الناس”.
ويقول: “إقليم الخروب هو وصية كمال جنبلاط وأمانة وليد جنبلاط، فعلاقة إقليم الخروب مع المعلم كمال جنبلاط ومع دار المختارة مميزة تاريخياً، منذ بداية الانتشار الحزبي الجنبلاطي في الاقليم في مرحلة الخمسينيات، بحيث كانت مشاركة أبناء قرى الاقليم فاعلة في كل المحطات النضالية الوطنية والقومية والعروبية التي قادها المعلم الشهيد مع الزعيم جمال عبد الناصر، ولا يزال أبناء إقليم الخروب على العهد والوعد ملتزمين بقضايا الوطن وأبنائه التي أسس دعائمها المعلم كمال جنبلاط الذي نفتقده اليوم في زمن القحط والعقول المشوشة”.
ويضيف: “واهم من اعتقد أنه باغتيال كمال جنبلاط اغتال الحلم، نحن سائرون على نهجه ومبادئه والحلم بدولة تحفظ المواطن وحقوقه سيتحقق”.
“جبل الباروك”
كمال جنبلاط الحاصل على شهادة في علم النفس والتربية المدنية وأخرى في علم الاجتماع من جامعة السوربون في فرنسا، إضافة إلى شهادة في الحقوق، كان يشارك منذ صغره في فعاليات ونشاطات سياسية خاصة خلال فترة الاحتلال الفرنسي. كان الداعم الأول سياسياً وعسكرياً للفلسطينيين لنصرة قضيتهم، فكانت الأطراف المستفيدة من اغتياله عديدة من أعدائه في لبنان مروراً بالنظام السوري الذي تدخل في الحرب الأهلية اللبنانية لمساندتهم، وصولاً الى إسرائيل التي لطالما وجدته عائقاً في طريق مشروعها نظراً الى مواقفه العروبية وتأثيره.
“جبل الباروك” قصيدة لشوقي بزيع ألقاها في رثاء كمال جنبلاط، ومما جاء فيها:
أظنُها طلقاتُ الغدرِ حين هوَت
تكاد لو أبصرَت عينيك تعتذرُ
الاغتيال
اعترضت سيارة كمال جنبلاط سيارة “بونتياك” في محاولة لاختطافه لكن من كانوا بداخلها فشلوا ما دفعهم الى إطلاق النار عليه من الخلف واغتياله. صحيح أن القاتل الحقيقي لم يعرف بعد، على الرغم من مرور كل هذه السنوات لأن القضية بقيت طي الكتمان في أدراج الدولة اللبنانية ومكاتب المخابرات السورية، الا أن القاتل معروف من هو، فسيارة “البونتياك” الأميركية والتي تعتبر أشهر سيارة مستخدمة في عمليات الاغتيال اللبنانية، كانت نادرة في لبنان، تحفظ عنها القضاء فترة ثم اختفت.
اليوم أمام هذا الواقع الأليم والمرير الذي نعيشه، لا يسعنا سوى استذكار مشروع كمال جنبلاط، مشروع الدولة المدنية ونظام العدالة الاجتماعية.
حسين زياد منصور- لبنان الكبير