إساءة لبنان للطلبة العراقيين لا تداويها اعتذارات ميقاتي

كشف اعتداء قوات الأمن اللبنانية بالدفع والضرب بالهراوات على حشد من الطلبة العراقيين جاؤوا إلى وزارة التربية لمتابعة أوراق معادلة شهاداتهم، عن عقلية منفرة لا تتوافق مع لبنان الذي كان محطة العرب جميعا.

ولا تعتبر هذه الحادثة الأولى من نوعها، فهناك انتهاكات يتعرض لها زائرون من كل البلدان، تبدأ من مداخل المطار ولا تنتهي في المؤسسات الحكومية التي تتعامل مع شؤون الزائرين.

وحصل الطلبة العراقيون على اعتذارات قدّمها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد أن أثارت المسألة تدخلا من وزارتي الخارجية والتعليم العالي العراقيتين، لكن هذه الاعتذارات لا تكفي لتغيير تلك الصورة.

وتحتاج الحكومة اللبنانية إلى ألاّ تحصر الأمر باعتذار بل بتثقيف رجال الأمن المعنيين، بل وحتى من يوجههم من السياسيين، بأن الزائر العربي أو المقيم يتوقع معاملة أفضل من بلد ذي تاريخ عريق بالضيافة وألاّ يصبح كل رجل أمن نسخة من تهديدات حزب الله ووعيده للآخرين.

وتكشف التعديات التي يتعرض لها أبناء الجاليات والعاملون الأجانب عن منعطف أزمة في السلوك الاجتماعي في بلد كان في وقت من الأوقات مقصدا للطلبة والفنانين والأدباء ورجال الأعمال، فضلا عن أنه كان مقصدا سياحيا رئيسيا بالنسبة إلى العالم العربي.

ويقول مراقبون إن ظاهرة معاملة الأجانب وكأنهم لاجئون تعد تحوّلا غير مُرحب به بالنسبة إلى المسؤولين اللبنانيين، إلا أنها تعكس واقع أزمة خانقة على المستوى الاجتماعي العام، حتى بات اللبناني الذي يلاحق رغيف الخبز يعتقد أن الزائر ينافسه عليه، بينما الزائر في الواقع مصدر لتوفيره، بما ينفقه من أموال حملها معه إلى هذا البلد.

ويشير المراقبون إلى الصراعات السياسية، وخاصة سيطرة حزب الله على المشهد العام وتغذيته لخطاب الطائفية وكراهية الزوار العرب، ما خلق مناخا من كراهية الأجانب وتقسيمهم حسب الهوية الطائفية ومدى القرب والبعد من إيران، وأن هذا قد يوسع دائرة مشاكل لبنان في محيطه الإقليمي وخاصة العمالة اللبنانية في دول الخليج.

وقالت وزارة الخارجية العراقية إنها بدأت في اتخاذ إجراءات سريعة لحل مشكلة الطلبة العراقيين في لبنان.

وأكد موفد من وزارة التعليم العالي العراقية أنه سيبقى في بيروت لتوقيع بروتوكول الحلول واستعراض مقترحات إلى حين التوصل إلى صيغة نهائية.

من جانبه قال مدير عام وزارة التربية اللبنانية عماد الأشقر إنه “وبالتعاون مع الرئيس نجيب ميقاتي ومباركته، سنتوصل إلى صيغة حلول ممكنة يعلن عنها عند عودة الوزير إلى بيروت”.

وأكد الأشقر أن “طلاب العراق هم أبناء لبنان، وما يتحضر سيكون ضمن إمكانات لبنان والتي يمكن أن نقوم بها”.

وناقش وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي نعيم العبودي مع الرئيس ميقاتي ملف الدارسين العراقيين وبروتوكول تنظيم إجراءات معادلة الشهادات.

وأعرب ميقاتي عن أسفه لما حصل من إساءة معاملة لعدد من الطلبة العراقيين الدارسين في لبنان، وقدم اعتذارا خلال اتصال مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي أعرب بدوره عن “ثقته في مسعى الحكومة اللبنانية لرعاية متطلبات الطلبة العراقيين في لبنان”، وقدم شكره لميقاتي “لقاء الاهتمام والمتابعة الحثيثة التي أبدتها السلطات اللبنانية”.

وأكد بيان من وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي أن “الوزارة تعامل الجميع من لبنانيين وغير لبنانيين سواسية من دون تمييز، وخصوصاً الإخوة العراقيين”.

ولكنه أوعز الحادثة إلى أن “عدد الموظفين قليل نسبة إلى أعداد المعاملات التي تأتيهم”، وأنه “نظراً لحضور الموظفين إلى الوزارة يومي الأربعاء والخميس فقط بسبب الإضراب الناتج عن الضائقة المالية، تتوافد إلى أقسام المعادلات الجامعية أعداد هائلة من الطلاب اللبنانيين والعرب والعراقيين بصورة خاصة”.

وحول حادثة التدافع أشار البيان إلى أنه “عندما فتحت الوزارة أبوابها لاستقبال المواطنين والمراجعين عند الثامنة صباحاً، دخل عدد هائل من الطلاب العراقيين دفعة واحدة بحيث اكتظ بهم مدخل دائرة المعادلات”.

وتابع البيان “فجأة سقط أحد الشبان العراقيين المراجعين أرضاً وأغمي عليه، واستمر التدافع. وحاولت قوى الأمن إقناع الطلاب بالتراجع قليلاً لرفع الشاب عن الأرض، لكنهم لم يتراجعوا. مما دفع عنصر قوى الأمن إلى رفع الصوت حاملاً قطعة من السياج لإقناعهم بالتراجع. وتبين أن الشاب يعاني من الربو ولم يتحمل النقص في الأوكسجين وتم إسعافه بواسطة الصليب الأحمر”.

وجرت العادة على أن أيّ بلد يكشف عن طبيعته، أول ما يكشفها من خلال تعامل أفراد الأجهزة الأمنية مع زائريه. فهؤلاء هم وجه التلاقي الأول، وهم مصدر الانطباعات الأولى التي تترك أثرا قد لا يمحى.

وكان لبنان، على امتداد عقود طويلة، قادرا على أن يكسب من زائريه مخاض الانطباعات الأولى، ومن بعدها عائدات السياحة وفرص الاستثمار. إلا أن أزمته الراهنة صارت مبعث أزمة في هذا المخاض، وبالنسبة إلى العديد من المراقبين فمن المؤسف أن يخسره.

https://www.facebook.com/watch/?v=1208165536476223

العرب

مقالات ذات صلة