زلزال سياسي على الفالق السعودي – الايراني… هل ستنفرج أزمة لبنان الرئاسية؟

فيما السكون الرئاسي على حاله، والجنون المالي والاقتصادي والمعيشي على تصاعده، سُجل زلزال سياسي على مستوى الشرق الأوسط، ستكون له بالضرورة هزات ارتدادية في كل أنحاء المنطقة، تسهيلاً لأزمات كثيرة تقاطعت مع الزمن حول الفالق السعودي – الايراني.

فجأة جاء الاعلان عن اتفاق القوتين الاقليميتين الأبرز، أي المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية، المتموضعتين على طرفي نقيض في الملفات الاقليمية كافة، على استئناف علاقاتهما الديبلوماسية المقطوعة منذ العام 2016 بوساطة صينية اذ توجت المفاوضات، في بيان مشترك نقلته وسائل اعلام رسمية في البلدين وسط حديث عن أن طهران لبّت، على الأرجح، شروط المملكة لاستئناف العلاقات. خطوة ايجابية، لكن السؤال اليوم: هل ستكتمل الفرحة، وينسحب الاتفاق “المشرقي” على سائر دول المنطقة التي تسيطر عليها ايران لا سيما سوريا والعراق ولبنان؟ وهل ستنفرج أزمة لبنان الرئاسية لتكر سبحة الانفراجات ما دام اتفاق الكبار أبرم؟

الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، الذي كان قد أكد قبل أيام أن من ينتظر تسوية ايرانية – سعودية “سينتظر طويلاً”، قال في كلمة بثها التلفزيون أمس: “هذا تحول جيد… ولا يكون على حساب شعوب المنطقة بل لمصلحة شعوب المنطقة وثقتنا مطلقة أن هذا لا يكون على حسابنا… تطور مهم بالتأكيد إذا مشي في مساره الطبيعي، هذا طبعاً ممكن أن يفتح آفاقاً في كل المنطقة ومن جملتها لبنان”. ووصف الاتفاق بأنه “تحول جيد”.

إذاً، اتجهت أنظار العالم بالأمس نحو التطورات السعودية – الايرانية، بحيث رحب البيت الأبيض بأي جهود تساعد في انهاء الحرب في اليمن وخفض التوتر في المنطقة، وسط تساؤلات عما اذا كانت هذه الأجواء الايجابية ستتمدد الى الملف النووي، وبالتالي، يعود أطراف فيينا قريباً الى طاولة المفاوضات؟ ونقلت وكالة “رويترز” عن المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، قوله: “واشنطن على علم بتقارير استئناف العلاقات الديبلوماسية بين إيران والسعودية. عموماً، واشنطن ترحب بأي جهود تساعد في إنهاء الحرب في اليمن وخفض التوتر في الشرق الأوسط. يعد خفض التصعيد والديبلوماسية جنباً إلى جنب مع الردع، من الركائز الأساسية للسياسة التي حددها الرئيس جو بايدن خلال زيارته الماضية للمنطقة”.

ولكن!

مع ترحيب واشنطن بالاعلان، فإن ثمة تشكيكاً أميركياً بالتزام ايران تنفيذ الاتفاق، وثمة دساً لموضوع العلاقات مع اسرائيل، وهما يظهران انزعاجاً مضمراً من هذا الاتفاق الذي كان اللاعب المميز فيه هو الصين، بكل الاشكالات الحاصلة على خط واشنطن – بكين في عالم مرتبك بحسابات الحرب الروسية في أوكرانيا، وبروز الصين لاعباً رئيساً على الساحة الدولية، إذ يمكن أن تحسب واشنطن هذا الاتفاق في عداد مكاسب “المعسكر الشرقي” وتسعى في المقابل الى إفشاله وعرقلته.

وتوالت المواقف، اذ قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان: “دول المنطقة يجمعها مصير واحد يجعل من الضرورة أن نتشارك لبناء نموذج للازدهار”. أما مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان، فأكد أن “المباحثات مع طهران حظيت بدعم قيادات السعودية وإيران والصين واتفقنا على فتح صفحة جديدة في العلاقات”. كما اعتبر كبير الديبلوماسيين الصينيين أن “محادثات السعودية وإيران في بكين انتصار للسلام”.

ولفتت تغريدة سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري عبر حسابه على “تويتر” التي جاء فيها: “في المحافلِ الدَّولِيَّةِ تتداخلُ الألوانُ ويبقى علمُ بلادي شامِخاً مُعانِقاً السَّماءَ مُرَفرِفاً بالعزَّةِ والإباء”.

ورحب وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب بالبيان الثلاثي، معتبراً ان إتفاق السعودية وإيران “سيترك أثره الإيجابي على مجمل العلاقات الاقليمية في المرحلة المقبلة”.

وجاء في البيان الثلاثي الصادر عن المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية: “استجابةً لمبادرة كريمة من الرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية بدعم الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية، وبناءً على الاتفاق بين الرئيس شي جين بينغ وكل من قيادتي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بأن تقوم جمهورية الصين الشعبية باستضافة ورعاية المباحثات بين المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورغبة منهما في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والديبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما، والتزاماً منهما بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية، فقد جرت في الفترة الممتدة بين 6 – 10 آذار 2023 في بكين، مباحثات بين وفدي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برئاسة مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية، والأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد أعرب الجانبان السعودي والإيراني عن تقديرهما وشكرهما لجمهورية العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021 و2022، كما أعرب الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة جمهورية الصين الشعبية على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها”.

أضاف البيان:” تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتفقا على أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك، وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 17/ 4/ 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 27/ 5/ 1998. وأعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي”.

وتعليقاً على هذه الخطوة، لفت أحد المتابعين في تصريح لموقع “لبنان الكبير” الى أن احتمال استئناف المسار الديبلوماسي، أمر جيد وايجابي، لكن لا بد من انتظار موعد الاجتماع وما اذا كان سيحصل أو أن هناك شروطاً للوصول اليه، وما هي النتائج التي ستسفر عنه. المباحثات تتطلب معالجة عدد من الملفات خصوصاً ما يتعلق بالوضع في اليمن والعديد من الملفات الأخرى، واذا سارت الأمور على ما يرام، وأعيدت العلاقات بين البلدين، فمعنى ذلك أن هناك صفحة جديدة ستفتح بين ايران والسعودية. ولا بد من التأكيد هنا أن اعادة فتح السفارات بين البلدين يعني أن الأجواء ايجابية، لكن هل هذا يكفي؟ هل سيكون هناك تعاون جدي لانهاء الصراع في اليمن؟ هل سيكون هناك تعاون جدي في المصالح المشتركة في بحر الخليج؟ هل سيكون هناك تعاون جدي في اطار عدم امتداد النفوذ الايراني في العديد من الدول العربية؟ كلها ملفات مفتوحة على الطاولة. اذاً، المناخ ايجابي، لكن هذه الايجابية يفترض أن تترجم بأعمال وبقرارات وبمواضيع تعكس طابع التنفيذ لا أن تبقى مجرد أمنيات. من المبكر جداً البحث في تداعيات التطورات على الصعيد الايراني – السعودي وانعكاسها على الوضع اللبناني بمعنى أن تحسين العلاقات بين الطرفين، ليس مسألة أسابيع أو أشهر وربما يتطلب المزيد من الوقت. وبالتالي، السؤال البديهي هنا: هل يستطيع لبنان التحمل والصمود؟ هل سيتحمل أشهراً أو ربما سنوات الى حين الانتهاء من المباحثات التي ستنعكس على الوضع الداخلي؟ لا يمكن للبلد أن يتحمل المزيد من الوقت بعكس سنة 2016 حين استطعنا الصمود لسنتين ونصف السنة اما اليوم، فالوضع مختلف في ظل الانهيار الشامل. اضافة الى ذلك، علينا أن نأخذ في الاعتبار مسائل أخرى لأن هناك أطرافاً أخرى معنية بالملف اللبناني والرئاسي. اذاً، الوقت ليس لمصلحة الاستحقاق الرئاسي، وعندما يحصل الفلتان الأمني غير المسبوق لا أحد يعلم كيف سيكون الوضع حينها وماذا سيكون موقف الدول الأخرى المؤثرة. هناك حسابات كبيرة للاستحقاق الرئاسي، وبالتالي، العامل المؤشر اليوم، هو الفلتان الاقتصادي والمالي بحيث أن الخارج يسيّر الوضع في الداخل، لكن الجوع ستكون له الكلمة الفصل والفوضى الأمنية هي التي ستسرّع عملية انتخاب رئيس الجمهورية وليس أي شيء آخر بحيث أن الفوضى ستستدعي تفاهماً سريعاً أو تدخلاً دولياً لفرض أجندة معينة. كل الاحتمالات واردة. وفي الخلاصة، اطلاق المسار الديبلوماسي بين الدولتين جيد وايجابي، لكن لا يعني أن المشكلات قد حلّت لأن الحوار يتطلب وقتاً وجولات من التفاوض وربما الوساطات، لكن الى حينها هل يصمد لبنان؟ طبعاً لن يصمد.

وبالعودة الى الداخل، وفيما سيناريوهات الاستحقاق الرئاسي، تتعدد وتتنوع الا أن هناك سؤالاً موحداً بين الجميع: أي انفجار سيسبق الآخر؟ الانفجار المالي والنقدي والاقتصادي، أو الانفجار الاجتماعي والمعيشي والجوع، أو الانفجار الأمني والفلتان والفوضى التي ربما تتخذ طابعاً دموياً؟ ليس من السهل الاجابة عن هذه الأسئلة، الا أن مصدراً نيابياً أكد لموقع “لبنان الكبير” أنه لا بد من التلاحم الداخلي وخفض سقوف التصعيد وانتخاب الرئيس بأسرع وقت ممكن. وفي حال وصلت الأمور الى حائط مسدود في الملف الرئاسي، ولم يتم انتخاب الرئيس قبل نهاية العام الحالي، فتطرح جديا فكرة استقالة جماعية من البرلمان الذي يصبح في حالة انحلال. وتحدثت معلومات عن أن هناك طرحاً يتم تداوله في الكواليس حول امكان استقالة جماعية لنواب من المعارضة، لكن أحدهم أشار في تصريح لموقع “لبنان الكبير” الى أن هذا الكلام غير دقيق، ولا بد من أن يقوم النواب بأكمل واجباتهم في هذه الظروف الدقيقة، وانتخاب رئيس للجمهورية لأن الناس انتخبتنا لايجاد الحلول وليس للمساهمة في التعقيد والتعطيل. واذا لم يحصل ذلك، فسندخل في أتون صعب جداً خصوصاً أن البلد والناس والمؤسسات أصبحوا على حافة الانهيار على المستويات كافة.

من جهة ثانية، يستعد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للسفر في 15 الجاري الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس في 16 منه. ووفق ما أشار مصدر مقرب من الرئيس ميقاتي لـ”لبنان الكبير” فان الأخير سيزور بكركي قريباً للتشاور مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في الملفات التي سيطرحها مع الكرسي الرسولي، وسط معلومات تتحدث عن اتصالات تمهيدية لإزالة الملاحظات التي سجلتها دوائر بكركي منذ حديثه عن عدد المسيحيين في لبنان والأردن ودول الشرق الأوسط، والتي نسبها الى بكركي. اذاً، الزيارة ستكون قبل مغادرة الرئيس ميقاتي الى الفاتيكان، اذ أنه حريص على جوجلة الأفكار التي طرحها مع القادة الروحيين الذين التقاهم، والتي ستشكل محور اللقاء مع البابا لما له من دور على المستوى العالمي.

وكان الرئيس ميقاتي أكد أن “علاقات لبنان مع الكثير من الدول، لا سيما منها دول مجلس التعاون الخليجي، تعرضت على مدى السنوات الماضية للاهتزاز بسبب اساءات بالغة الخطورة دفع ثمنها غالياً ولن نسمح بتكرارها. نلتزم حماية أمننا وأمن الدول الشقيقة والصديقة ومنع أي اساءة توجّه الى الأخوة الذين لم يتركوا لبنان يوماً، أو تصدير الممنوعات اليهم والاساءة الى مجتمعاتهم، وفي مقدمة هذه الدول المملكة العرببة السعودية”.

وعلى الضفة القضائية، وفي خطوة مفاجئة في مضمونها وتوقيتها، تلقى لبنان مراسلة من القضاء الفرنسي، تطلب من القضاء اللبناني استجواب شخصين توافرت لديها “شبهات عن تورطهما في عملية تفجير مقر كتيبة المظليين الفرنسيين قرب مطار بيروت الدولي بواسطة شاحنة مفخخة”، في 23 تشرين الأول من العام 1983، حين فُجّر مقر جنود المارينز الأميركيين في بيروت، ما أسفر عن مقتل 241 عنصراً من مشاة البحرية الأميركية وجنود من الجيش، وتزامن مع عملية تفجير أخرى لقيادة كتيبة المظليين الفرنسية، سقط فيها حوالي 58 جندياً فرنسياً. وبالتالي، تأتي المراسلة الفرنسية بعد مرور حوالي أربعين عاماً من التفجير.

ورأى أحد المراجع القضائية أن “الاستنابة بحد ذاتها كما يتحدث عنها الاعلام، لأننا لم نطلع عليها، تبرهن عن عدم جدية، ولا نعرف بعد هذه السنوات، لماذا أرسلت فرنسا مثل هذه المراسلة الناقصة. وربما تكون خبرية من نسج الخيال أو أن المعلومات حولها غير دقيقة، علينا الانتظار لنعرف الحقيقة. لدي الكثير من التحفظ عن حقيقة الاستنابة، والفرضية التي يعرضها الاعلام، ناقصة. من المستبعد جداً أن تكون الاستنابة واردة كما وصفت في الاعلام، لذلك، علينا التأكد من النيابة العامة التمييزية”.

واعتبر أحد الدستوريين أنها “رسالة سياسية أكثر منها قانونية. الحكومة الفرنسية تريد ممارسة المزيد من الضغط على لبنان الرسمي وغير الرسمي أي الأحزاب عموماً، وبالتالي، الاستنابة نوع من أنواع التلويح بأي تصعيد أو عقوبات قد تفرض على أشخاص أو أحزاب في المستقبل لأن الاستنابة القضائية إن كانت جدية لا يجب أن تكون بالشكل الذي وصلت به”.

لبنان الكبير

مقالات ذات صلة