واشنطن: رئيس من خارج المنظومة وخلاص جماعي… أو انتحار جماعي وأرض محروقة!
نقل ترشيح الثنائي الشيعي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية المعركة إلى مستوى آخر. وفرنجية، الذي تعارضه قوى لبنانية، يعيق أيضاً وصوله إلى الرئاسة رفض المملكة العربية السعودية له، حسبما رشح بوضوح عن اللقاء الأخير بين البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والسفير السعودي وليد البخاري. إذاً ما الهدف من ترشيحه علناً فيما يبدو طريقه إلى الرئاسة مقفلاً؟ هل قصد الثنائي القفز فوق ترشيح معوّض وإحراق ترشيح قائد الجيش، لتصبح المعادلة إسقاط فرنجية مقابل إسقاط عون؟
قلق نصرالله وبروباغندا برّي
ليست معادلة إسقاط فرنجية وعون ناجحة حتى الساعة. وإذا كان الثنائي، وتحديداً حزب الله، ينطلق في هذه المعادلة من قلقه الذي يعبّر عنه دائماً أمينه العام حسن نصرالله من رئيس يطعنه في ظهره، ثمّة أكثر من معطى يبعث على هذا القلق، حسبما تشير معلومات “أساس”:
– عدم سعي واشنطن إلى فرض رئيس في لبنان لمواجهة حزب الله. من دون أن يعني هذا عدم معارضة واشنطن وصول رئيس حليف لحزب الله، بل على العكس.
– أولى ثوابت واشنطن وقف المسار الذي اتخذته الرئاسة اللبنانية في عهد ميشال عون الذي غرق في حلفه مع الحزب، لكن ليس لمصلحة رئيس يواجه الحزب، بل لمصلحة رئيس يتمتّع بقدر كبير من الاستقلال عن كلّ الطبقة السياسية، وليس فقط عن حزب الله. رئيس من خارج المنظومة، سواء أكان جوزيف عون أم سواه، ويمتلك مواصفات محدّدة تتيح له قيادة مسار مختلف في البلد، ولو كان ثمن وصوله تحويل لبنان إلى أرض محروقة.
– في مقابل قلق حزب الله، تبدو مختلفة مقاربة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الداعم الأكبر لرئاسة سليمان فرنجية. يدرك برّي أنّ رئيساً من خارج المنظومة سيكون ثقلاً عليه. وبالتالي يقرأ البعض في تصعيده ورفعه سقف المواجهة وحجم البروباغندا المحيطة به رئاسياً استدراجاً لعروض لن يحصل في ظلّ شكل الأزمة الراهنة. فالمقايضة لا يريدها أحد. والمطالب الدولية والخليجية واضحة المعالم ولا مساومات فيها. يقبلها اللبنانيون أم يرفضونها؟ وفي الانتظار لن يوقف أحد مسار الانهيار في البلد.
المكابرة والأرض المحروقة
يكثر الكلام عن “الأرض المحروقة”. قالها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مقابلته الأخيرة. ولكنّ الأهمّ هو توقيت إدراكها ووقف مسارها كي لا يحترق اللبنانيون انتظاراً. انطلاقاً من أن لا خلاص إلّا بنزول الجميع عن الشجرة ووقف التصعيد في مسار الاستهلاك السياسي، وانطلاقاً من ضرورة قناعة القوى اللبنانية أنّها لن تستطيع أن تشتري وتبيع في السوق الرئاسية، تبدو الرسالة واضحة للّبنانيين: “لا إنقاذ ولا حلّ سحريّاً من دون ثمن يدفعه أهل المنظومة”.
أمّا في واشنطن، وفي السؤال عن موعد اللحظة المناسبة لنهوض البلد، يأتيك الجواب بديهياً مخجلاً بطبيعة الحال، البارحة قبل اليوم. غير أنّ سياق المكابرة التي تواجه به القوى السياسية مسار انهيار البلاد على رأسها ورأس اللبنانيين، يوحي بعدم نضوج اللحظة بعد.
إلى متى الانتظار؟ إلى أن يفهم السياسيون اللبنانيون أن لا بديل لهم إلّا بانتخاب رئيس يعكس رؤية مختلفة، وإلّا فليبقَ لبنان واللبنانيون حيث هم. لا أحد مهتمّ كثيراً بانتشالهم إذا قرّروا البقاء في ركودهم وفسادهم ومحاصصتهم.
بطبيعة الحال، الكلام عن الإصلاح الداخلي لا يلغي الكلام السياسي عن تموضع البلد في الاشتباك السياسي العامّ بين المحاور المتصارعة. فلبنان صاحب الهوى الغربي منذ نشوئه لا يمكن أن تتبدّل هويّته بهذه السهولة التي يعتقدها البعض. بل إنّ جذوره وإداراته وعدد من مؤسّساته الرسمية وغير الرسمية مرتبطة بتاريخ من العلاقات مع الغرب والخليج لا يمكن إلغاؤها. ربّما الصراع على الهويّة من هذا المنطلق لن يوصل أحداً من المتصارعين إلى نتيجة، بل إلى مزيد من الفوضى.
انطلاقاً من هذا الواقع، لعلّ المسؤولية الكبرى تقع على الحزب الأقوى. فهل يستدرك الأزمة ويذهب إلى طاولة الحلّ قبل إحراق اللبنانيين انتظاراً؟ أم ينتظر مكابراً لحظة إقليمية لن تأتي؟
هذا هو السؤال الملحّ في هذه اللحظة المفصلية، والجواب رهن تطوّرات الأيام المقبلة.
قراءة المشهد اللبناني من الخارج والداخل، تحاول الربط بين قطع البازل، فيبدو المسار كاملاً مكتملاً: إمّا خلاص جماعي أو انتحار جماعي وأرض محروقة.
جوزفين ديب- اساس