هنا تكمن العقدة: السياسة في لبنان عقمٌ فزواج متعة فولادات قيصرية خارجية!
مرة أخرى تلجأ بعض الأطراف السياسية اللبنانية إلى لعبة تعويم نفسها لدى الرأي العام “الطائفي” أو المناطقي، وذلك عبر الدخول في سجالات سياسية بحيث تنحو بها المنحى الشخصي فالديني والمناطقي، من دون أي إعتبار لمدى خطورة هذه الممارسات في بلد بات الوضع فيه واقف على “صوص ونقطة” كما يقال من حيث التوتر السياسي والاجتماعي.
بدأت حفلة “الزجل” هذه المرة بتصريح منسوب الى الرئيس نبيه بري لم ينفِه أحد على أية حال، أعلن فيه بوضوح ولأول مرة أن سليمان فرنجية هو مرشح “الثنائي الشيعي” لرئاسة الجمهورية، معتبراً أن “الورقة البيضاء” إنتخبت هذا المرشح بأكثرية 63 صوتاً في “بوانتاج” غير مفهوم، بحيث وضع تصويت نواب تكتل “لبنان القوي” بالورقة البيضاء وغيرهم في دورات الانتخاب الأولى في خانة التصويت لفرنجية. الشق الثاني من الاعلان – وهو الشق المشكلة – كان قوله بأن ترشيح هذا المرشح – أي فرنجية – جدِّي، بينما المرشح الآخر – أي ميشال معوض – مرشح “أنبوب”، وهو تعبير قاسٍ “سياسياً” بحق النائب المرشح ميشال معوَّض لم يعتده اللبنانيون من الرئيس بري أقله منذ فترة طويلة، وهو المعروف عنه أنه “أستاذ” في تدوير الزوايا وإجتراح الحلول، ما ترك تساؤلات مهمة عن سبب هذه اللهجة وتوقيتها، وهي تساؤلات ضاعت للأسف في خضم الردود والردود المضادة، الأمر الذي حوَّل الموضوع إلى حفلة “زجل” سياسي من العيار الثقيل كما أسلفنا، وهو ما يؤكد الفكرة السلبية السائدة عن كيفية ممارسة هذه الأطراف بغالبيتها السياسة والتعامل مع قضايا الوطن، بحيث تُحَوَّر الأمور دائماً لتأخذ منحىً شخصياً تارة وطائفياً أو مناطقياً تارة أخرى، سعياً وراء شعبوية وتعويم سياسي في ظل قرف الناس حد الانتحار من الأوضاع السائدة في كل مناحي الحياة في البلد.
لا نقول هذا الكلام لنأخذ جانباً سياسياً ضد آخر، فكلهم في ممارسة التعطيل والتذاكي على الناس والآخر وتحوير الحقائق بهدف الاستثمار السياسي سواء وإن بنسب متفاوتة، ولكن لنظهر مدى إستهتار هذه الأطراف بمصالح البلد والناس طلباً لشعبوية وتسجيل نقاط على الخصم بينما الناس في وادٍ آخر، فالكل يعلم ويفهم بأن تعبير مرشح “أنبوب” هو تعبير سياسي وليس شخصياً، بغض النظر عن أنه تعبير غير موفق إنسانياً – وحتى سياسياً – يؤخذ على الرئيس بري ويحسب عليه، على اعتبار أن “أطفال الأنابيب” كانت حلاً ناجعاً لحالات العقم البيولوجي أعاد الأمل لملايين الناس حول العالم وهو بهذا المعنى يمثِّل حلاً لا مشكلة وميزة لا نقيصة، مع ذلك ذهب بها البعض مذهب التنمر الشخصي والمناطقي وبات يتاجر بها ويستثير غرائز الناس وحميتهم الأخلاقية والمناطقية في حركة ليست في محلها ولا في وقتها إطلاقاً، طمعاً بمزيد من التعاطف والتأييد والتعويم السياسي.
وإذا كان يمكن تفهم رد فعل النائب ميشال معوض وهو المعني الأول بالموضوع وقد كفَّى ووفَّى في رده، فإن ما ليس مفهوماً هو رد فعل الوزير القواتي السابق ريشار قيومجيان وكأنه ولي أمر معوض أو الوصي عليه، وهو ما أعطى في الشكل وفي مكان ما مصداقية لكلام الرئيس بري في الموضوع بإعتبار معوض مرشحاً تخوض به “القوات اللبنانية” التجربة لتضييع الوقت وتقطيعه بإنتظار ساعة الصفر، أما في المضمون فقد إتخذ رد قيومجيان منحىً “دينياً” ولو كان غير مقصود – كما حاول التبرير لاحقاً – وذلك بإستعماله تعبير “زواج المتعة” الذي يثير من الحساسية عادة ما يثير، فكيف بالحري عندما يكون الحديث به يدور عن “الثنائي الشيعي”؟ هنا لا يمكن إقناع أحد من الناس خصوصاً المنتمون بأن التعبير محض سياسي وأن المقصود به هو التحالف السياسي بين “أمل” و”حزب الله” وليس أي شيء آخر. وبهذا يكون السيد قيومجيان إستثار حمية بعض المسيحيين خصوصاً محازبوه بدعوى الدفاع عن ميشال معوض مرشح الخيار “المسيحي الحر” على طريقة “يا غيرة الدين”، كذلك في الوقت نفسه إستثار حمية المحازبين والمؤيدين لـ “حزب الله” وحركة “أمل” بالطريقة نفسها، والمسؤولين عندهم وفي المؤسسات الدينية الشيعية الذين يدركون تمام الإدراك بأن التعبير – تماماً كتعبير الرئيس بري هو سياسي – ومع ذلك إستغلوه لمحاولة شد عصب محازبيهم وأنصارهم، وكأني بالسيد قيومجيان قد أصاب عصفورين بحجر واحد فأهدى فريقه “عصفوراً”، وعصفوراً آخر للفريق الخصم عبارة عن مادة للسجال تساهم في إستثارة أنصاره واستنفارهم، ما يؤدي حكماً إلى إعادة شد العصب الحزبي والطائفي، وإظهار المعركة وكأنها بين هذين الفريقين تحديداً وأن باقي الفرقاء على الساحة هم مجرد “كومبارس” تابع لأحدهما، وهي صورة قد ترضي غرور البعض في صراعه مع خصومه في البيئة التابعة له، لكنها بالتأكيد لا تخدم الوضع العام في البلد الحامل صليبه على ظهره، سائراً على طريق الجلجلة بإنتظار صحوة ضمير من أبنائه أولاً، كي يضعوه في سلم أولوياتهم بدلاً من مصالحهم الشخصية والحزبية، وصراعاتهم على مناطق النفوذ في مجتمعهم بطريقة غير شرعية، ما ساهم في إقحامه في الصراعات الاقليمية، ليصبح بعدها مجرد ورقة تتلاعب بها رياح المصالح وتلقي بها على رصيف هذه الصراعات، وجعلت منهم كلهم وإن بدرجات متفاوتة و”بالعربي المشبرح”، مجرد “سياسيي أنابيب” ومن أحزابهم قوى سياسية ظهرت ونمت نتيجة “زواج متعة” بين بعضهم البعض تارة، وبينهم وبين داعميهم الاقليميين ورعاتهم الدوليين تارة أخرى، من إسرائيل ومنظمة التحرير وسوريا والعراق سابقاً، إلى إيران والسعودية وتركيا وقطر لاحقاً، فضلاً عن فرنسا “الأم الحنون الأصلية” وأميركا الأم البديلة، زواج هو عبارة عن تسوية ما أن تنتهي مدتها حتى تعود الأزمات لتندلع بإنتظار “زواج متعة” جديد يولد ولادة قيصرية من تلاقح خارجي – داخلي وهكذا دواليك، لينطبق على هذه القوى المثل الشعبي المصري “لا تعايرني ولا عايرك الهم طايلني وطايلك”، ومن كان منكم – أيتها الأحزاب والقوى – مولوداً ولادة طبيعية ومن زواج طبيعي فليرجم الآخرين بحجر.
أما نحن الناس العاديين، فنحن من يحق لنا رجمكم بالحجارة على ما إرتكبتموه بحقنا وما زلتم من جرائم على كل المستويات، بحيث بتنا عاجزين عن فعل أي شيء غير الدعاء بأن يقتص الله منكم، وأن ينقذ لبنان مما ابتلي به من عقم سياسي مزمن “يوَلِّد” لنا أزمة كل 15 أو 20 سنة على الأكثر، لا شك في أننا نتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عنه نتيجة “العقم الفكري” الذي نعاني منه، بحيث يسيطر على الكثيرين منا تفكير طائفي مذهبي لا يمت الى روح العصر الحديث بصِلة، فينطبق علينا القول “كما تكونوا يولَّى عليكم”، وهنا تكمن العقدة.
ياسين شبلي- لبنان الكبير