ماذا يحدث إذا تأكد أن فيروس كورونا تسرب من مختبر صيني؟

على رغم أن ترجيح منظمة الصحة العالمية وأربعة أجهزة استخبارات أميركية بثقة منخفضة في وقت سابق أن فيروس كورونا المسبب لمرض “كوفيد-19” انتقل بشكل طبيعي من الحيوانات إلى البشر، ولم يتسرب من مختبر “ووهان” الصيني، فإن إعادة تأكيد مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الطاقة، الأسبوع الماضي، أن الفيروس كان تسريباً معملياً عرضياً، أثارت التساؤلات من جديد حول تلك القضية المتفجرة، وما يمكن أن يحدث إذا تأكد من خلال التحقيقات المستمرة أن الفيروس تسرب من مختبر “ووهان”، بخاصة أن تلك لن تكون المرة الأولى التي تتسرب فيها فيروسات خارج المختبر.

عواقب واسعة

وأدت التقارير والتعليقات الأخيرة من وزارة الطاقة الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي بأن فيروس كورونا تسرب من مختبر “ووهان” في الصين، إلى منح الجمهوريين في مجلس النواب ذخيرة جديدة بينما يستعدون لعقد أول جلسة، الأربعاء المقبل الثامن من مارس (آذار)، للجنة فرعية مختارة أنشئت خصيصاً لجمع الحقائق والتحقيق في منشأ الفيروس الذي أدى لانتشار الوباء وتسبب في وفاة أكثر من سبعة ملايين شخص حول العالم منهم 1.1 مليون أميركي، وهو ما سيسلط الضوء من جديد على هذه القضية المتفجرة التي تشكل حساسية خاصة للصين.

وعلى رغم عدم وجود أي وكالة استخباراتية أميركية تعتقد أن فيروس كورونا كان سلاحاً معدلاً بيولوجياً، فإن الانقسام في تقييمات أجهزة الاستخبارات الأميركية وتردد وكالة الاستخبارات المركزية في تحديد موقفها وتحفز الجمهوريين لتركيز اهتمامهم على هذه القضية، يمكن أن تكون له عواقب واسعة النطاق في الداخل والخارج، حيث يتوقع أن يجدد ذلك المشاحنات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، كما يمكن أن يزيد من تعكير العلاقات الأميركية – الصينية مع رفض بكين فرضية التسرب من المختبر باعتبارها كذبة لا أساس لها علمياً، بخاصة بعد مطالبة وزارة الخارجية الصينية واشنطن بالكف عن ما وصفته “التشهير بالصين” من خلال إثارة النظرية.

انعكاسات اقتصادية وسياسية

ولأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في أدنى مستوياتها بالفعل، بعد أن فرضت إدارة الرئيس جو بايدن قيوداً شديدة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة لصناعة الرقائق، وازداد التوتر بين البلدين في شأن تايوان والحرب في أوكرانيا، من المرجح أن تؤدي إثارة قضية تسرب فيروس كورونا من مختبر “ووهان” إلى مزيد من العواقب الاقتصادية على البلدين، وبخاصة بالنسبة إلى الشركات الأميركية التي تتوسع داخل الصين وتستعد لمواجهة تدقيق ومراجعة أعمالها في الصين من الكونغرس.

وبحسب كاربنتر كبير الباحثين في معهد “كاتو” تيد غالين ستكون إدارة بايدن تحت ضغط شديد لتبني سياسة متشددة للغاية تجاه بكين، بما يدفع الرئيس الأميركي الذي اتخذ سياسة حازمة، ولكن غير صدامية من تايوان، إلى بحر الصين الجنوبي، وقضايا التجارة، إلى تبني تدابير أقوى وأكثر تصادمية، مما قد يؤدي إلى تكثيف التوترات الثنائية إلى مستوى خطر للغاية.

ويمكن أن تكون لهذه التطورات تداعيات هائلة على سياسة واشنطن تجاه جمهورية الصين الشعبية إذا ثبتت صحة فرضية التسرب من المختبر، إذ إن الصقور المناهضين للصين في الولايات المتحدة سيعززون انتقاداتهم في شأن افتقار بكين للشفافية حول كل جانب من جوانب تفشي مرض “كوفيد-19” تقريباً، وقد يشجع بعض الشخصيات اليمينية إلى تجديد شكوكها بأن فيروس كورونا ربما كان سلاحاً بيولوجياً أطلقته بكين على العالم، وقد يحمل بعضهم الصين المسؤولية بسبب التراخي في عدم تطبيق معايير السلامة المطلوبة في مختبر “ووهان”.

حرب مضادة

ومن المرجح أن يجد حلفاء بايدن في الكونغرس ووسائل الإعلام الرئيسة أنفسهم تحت هجوم شرس أيضاً إذا ثبت بشكل أوضح أن الفيروس تسرب من المختبر الصيني، نظراً إلى أن المحاولات السابقة لخنق النقاش وتبرئة حكومة الصين من أي مسؤولية عن تسرب فيروس كورونا واعتبارها مؤامرة سياسية حظرتها وسائل التواصل الاجتماعي، ستكون في خطر ظهور نتائج عكسية بشكل مذهل، إذ من المتوقع أن يتساءل النقاد عما إذا كانت هذه الحملة مجرد خطأ ولد من العداء المسعور تجاه أي موقف تتبناه إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، أو ما إذا كانت هناك دوافع شائنة لعبت دوراً في إجهاض هذه النظرية من البداية، بما في ذلك الادعاء بوجود علاقات مالية لبايدن مع الحكومة الصينية.

ومن المتوقع بشكل كبير أن تنعش التقارير الأخيرة في شأن تسرب الفيروس من مختبر “ووهان” ترمب الذي سيحاول الاستفادة منها إلى أقصى درجة في حملته للانتخابات الرئاسية لعام 2024 ليؤكد أنه كان على صواب منذ البداية، وأن الديمقراطيين، ووسائل الإعلام الليبرالية التي اتهمت استنتاجاته ووسائل الإعلام المحافظة التي ساندت نظريته، بأنهم عنصريون وينشرون معلومات مضللة، كانت مخطئة، وأنهم تعمدوا تشويه الخصوم بصرف النظر عن صحة المعلومات التي يروجون لها.

وعلاوة على ذلك، قد يؤدي ظهور مزيد من المعلومات والتقارير الاستخباراتية التي يحاول الجمهوريون رفع السرية عنها في شأن نظرية تسرب الفيروس، إلى تعزيز التحول في الرأي العام الأميركي نحو عداء واضح تجاه الصين، والذي بدأ يتزايد مع ظهور جائحة “كوفيد”، وحملة بكين على الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، إذ من المؤكد أن الرأي العام سيصبح أكثر سلبية إذا أشارت الأدلة إلى أن مختبر “ووهان” كان مصدر فيروس كورونا، وقد يتفاقم الشك في أن الحادث لم يكن عرضياً، ولكنه هجوم بيولوجي متعمد على الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

شيوع التسرب الفيروسي

لكن، على رغم الاتهامات التي وجهها الجمهوريون والديمقراطيون للصين بالعمل على إخفاء الحقيقة من خلال عدم التعاون مع لجنة منظمة الصحة العالمية، أو المنظمات البحثية والعلمية الأميركية والدولية الأخرى، فإن ما يمكن أن يخفف من وطأة الخلاف، أن يكون تأكيد تسرب الفيروس من مختبر “ووهان” قد تم بشكل عرضي عن طريق الصدفة، وهو ما تشير إليه جميع تقارير أجهزة الاستخبارات الأميركية حتى الآن.

ويشير أستاذ ورئيس كلية العلوم البيولوجية بجامعة “أوكلاند” ألين رودريغو إلى أنه إذا تأكد تسرب الفيروس من مختبر، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تسرب مسببات الأمراض المعدية عن طريق الخطأ من مختبر أبحاث، فقد وجدت مراجعة علمية في عام 2018 أن هناك 27 حالة من حالات العدوى المكتسبة مختبرياً بين عامي 1982 و2016 في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وحدها، وتضمنت قائمة مسببات الأمراض كل شيء من الفيروس المسبب لحمى الضنك إلى فيروس سارس التاجي، ولدى الصين أيضاً تجربتها الخاصة مع التسريبات المختبرية، فقد تم تتبع تسرب لفيروس سارس عام 2004 أدى إلى مقتل شخص واحد في المعهد الوطني لمختبر علم الفيروسات في بكين.

وتحتفظ كذلك جمعية السلامة البيولوجية الأميركية بقاعدة بيانات وفيرة عن الإصابات المرضية المكتسبة من المختبرات، وتوثق أمثلة عديدة على إمكانية حدوث ذلك مثل التسرب من الكيس البلاستيكي في حجرة النقل ذات الضغط السلبي أو التعرض للقطرات عند تنظيف الانسكاب.

ويقول أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة “ستانفورد” ديفيد ريلمان إنه في عام 2012، اندلع جدل واسع عندما اتضح أن مجموعتين من الباحثين في جامعة “ويسكونسن” بمدينة ماديسون الأميركية، ومركز إيراسموس الطبي في “روتردام” بهولندا، كانوا يغيرون فيروسات إنفلونزا الطيور شديدة العدوى لتعزيز قابليتها للانتقال بين الثدييات بهدف فهم قدرتها على العدوى، وما إذا كانت تسبب وباءً، وأدى النقاش اللاحق حول هذه القضية إلى تعليق تمويل التجارب المصممة لتعزيز قابلية فيروسات الإنفلونزا أو فيروسات كورونا على الانتقال أو التسبب في المرض لمدة ثلاث سنوات.

وفي مايو (أيار) 2015 أرسل مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية عن طريق الخطأ عينات من الجمرة الخبيثة الحية بدلاً من العينات الميتة إلى 18 مختبراً في تسع ولايات، إضافة إلى قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية، كما أفادت صحيفة “يو أس أي توداي” بأنه من عام 2009 إلى عام 2013، كانت هناك 800 حالة إصابة في مختبرات الولايات المتحدة، حيث تلقى العمال عناية طبية بسبب الحوادث التي تنطوي على العوامل المختارة المسببة للمرض، وفقاً لمعلومات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إضافة إلى وزارة الزراعة الأميركية، لكن التقارير المتاحة تحتوي على تفاصيل قليلة.

كيف يتم تغيير الفيروسات؟

وبدأت فكرة أن فيروس كورونا تسرب عن طريق الخطأ من مختبر بيولوجي شديد الأمان من المستوى الرابع للسلامة البيولوجية (الحيوية) في معهد “ووهان” لعلم الفيروسات في الانتشار بعد وقت قصير من ظهور الوباء، وعادت الاحتمالية إلى الظهور مع تأكيد صحيفة “وول ستريت جورنال” وصحف أخرى أن الولايات المتحدة كانت تمول المختبر البحثي وتدعي أن المشاريع التي تمول هناك ركزت على ما يسمى “دراسات اكتساب الوظيفة” التي تستهدف تحقيق فوائد علمية تساعد على مقاومة الأوبئة بشكل أفضل، لكنها أيضاً تجارب تحمل أخطاراً.

ويقول أستاذ البيولوجي بجامعة “كيبيك” في مونتريال بينوا باربو إن الهدف من أبحاث اكتساب الوظيفة هو إنشاء فيروس بخصائص جديدة تجعله أكثر قابلية للإصابة بالمرض، وأكثر قابلية للانتقال إلى البشر، حيث يركز هذا النوع من التغيير على نمو الفيروس في الخلايا الحيوانية أو البشرية، لكن في الآونة الأخيرة، حدثت تطورات مهمة في النماذج الحيوانية وفي تقنيات البيولوجيا الجزيئية لإجراء تغييرات دقيقة ومستهدفة على الجينات الفيروسية، إذ تؤدي هذه العملية إلى توليد سريع لفيروسات جديدة تتكيف بشكل أفضل مع البشر، وربما تغير من حدة هذه الفيروسات وقدرتها على الانتقال بين الناس، وذلك على عكس التطور الطبيعي للفيروسات، والذي يستغرق سنوات عدة.

ويتمثل الأساس المنطقي لهذا النوع من الأبحاث في أنه من خلال عزل الفيروسات الجديدة، يتمكن الباحثون من تحديد التغييرات المحددة في الجينوم المسؤولة عن الخصائص الجديدة، مما يمكن العلماء من التنبؤ بشكل أفضل باقتراب وصول الأوبئة الجديدة، وتطوير لقاحات وعلاجات تتكيف مع العوامل المعدية الجديدة.

أبحاث خطرة جداً

ومع ذلك، فقد تم تحدي المبدأ الأساسي لبحوث اكتساب الوظيفة على نطاق واسع خلال العقد الماضي. وحذر البعض من أخطارها حال تسربها بشكل خاطئ خارج المختبرات، ومن الأمثلة الكلاسيكية التي يستشهد بها كثيراً، والتي تهم عديداً من العلماء، بحث رون فوشييه ويوشيهيرو كاواوكا حول فيروس إنفلونزا الطيور “أتش 5 أن 1” شديد الخطورة، إذ تمكن الباحثان باستخدام تقنية تنقل الفيروس من كائن إلى آخر مرات عدة، من إنشاء فيروس لإنفلونزا الطيور يمكن أن ينتقل إلى الأنواع عن طريق الهواء الجوي.

وعندما نوقشت هذه الدراسة على نطاق واسع تم تعليق البحث في النهاية، وحثت الحكومة الأميركية المجلات العلمية على عدم نشر نتائجها الكاملة، بحجة أن المعلومات يمكن أن يستخدمها الإرهابيون البيولوجيون، ومع ذلك تم استئناف البحث في عام 2013.

احتمالات التسرب من “ووهان”

وفي حين أن أبحاث اكتساب الوظيفة لديها القدرة على المساعدة في منع انتقال الفيروس من حيوان إلى إنسان عند حدوث جائحة، إلا أنه يجب إجراء هذا النوع من البحث في مختبر آمن للغاية، مثل تلك المعروفة باسم المستوى الرابع للسلامة البيولوجية، والتي تتمتع بقدرة جيدة لحماية الموظفين والباحثين من الإصابة، ولمنع الكائنات الحية من الهرب.

ومع ذلك، كشفت وثائق من مسؤولي السفارة الأميركية في بكين أن معايير السلامة الحيوية في مختبر المستوى الرابع للسلامة البيولوجية في معهد “ووهان” للفيروسات لم تكن صارمة بما فيه الكفاية، كما اقترح عدد من الباحثين أن دراسات اكتساب الوظيفة التي أجراها المعهد على فيروسات كورونا لدى الخفافيش كانت محفوفة بالمخاطر، وقد تكون ضارة بالبشر إذا هربت.

تشديد إجراءات السلامة

وإذا كانت فرضية التسرب في المختبر صحيحة، فإن هذا يستدعي تشديد إجراءات السلامة لمنع التسريبات الفيروسية مستقبلاً، بخاصة أن الحوادث المعملية التي تنطوي على فيروسات مسببة للأمراض هي حقيقة مؤسفة، وليست نادرة الحدوث.

وبينما يبدو علماء البيولوجيا غير مرتاحين لفكرة أن عملهم ربما تسبب في ضرر، لأنهم كرسوا أنفسهم لقضية فعل الخير للآخرين أو على الأقل عدم الأضرار، فإن الأمر يتطلب مزيداً من العناية بإجراءات الأمن والسلامة، وكذلك أن يصبح الجميع أكثر مهارة في توقع وفهم أصول الأوبئة لمنعها.

لكن في الوقت نفسه، إن عدم اليقين في شأن الأوبئة مستقبلاً لا يتعلق بما إذا كانت ستحدث أم لا، وإنما متى وأين وكيف ستحدث، فقد تظهر بشكل طبيعي، أو قد تكون ناجمة عن حوادث المختبر، ولهذا لا يمكن دفن رؤوسنا في الرمال حول سبب واحد محتمل لأصول فيروس كورونا لمجرد أنه حساس سياسياً، وإنما البحث في كل الأسباب.

أندبندنت

مقالات ذات صلة