السعودية لن تدعم أي تسوية … تفضي إلى انتخاب مرشح حزب الله

أثار التبني الرسمي للثنائي الشيعي (حركة أمل – حزب الله) ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للانتخابات الرئاسية في لبنان ردود فعل معارضة لاسيما من الفرقاء المحليين، فيما قال النائب وائل أبوفاعور إن السعودية -أبرز القوى الدولية المؤثرة على الساحة اللبنانية- لن تدعم أي تسوية رئاسية لبنانية تفضي إلى انتخاب مرشح حزب الله.

وقال بري الخميس “مرشحنا هو سليمان فرنجية. الورقة البيضاء سمته من دون أن تكتب اسمه. لا يسع أحد القول إنه لا يعرفه. في الجلسة الأولى للانتخاب في 29 سبتمبر حصل على 63 صوتاً. النصف زائدا واحدا تقريبا. هو لا يزال مرشحنا والجميع يعرف ذلك. مرشحنا جدي وأكدنا عليه مرارا”.

وكشفت مصادر لبنانية أن أبوفاعور نقل إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في الآونة الأخيرة معلومات ومعطيات جازمة تفيد باستحالة دعم السعودية أي تسوية رئاسية تفضي إلى انتخاب مرشح حزب الله.

وأكّدت المصادر أنّ جنبلاط لن يسير بأي طرح رئاسي تعارضه السعودية ربطاً بالعلاقات التاريخية التي تجمعه مع المملكة من جهة، وبعدم القدرة على استنهاض البلد من أزمته الاقتصادية الطاحنة من دون الدعم السعودي من ناحية أخرى.

وانتخابات الرئاسة في لبنان تتداخل فيها التوافقات الداخلية مع الدعم الخارجي للمرشح، لذلك فإن أي توافق لا يحظى بدعم القوى الدولية المؤثرة لن يغيّر معادلة علاقات لبنان الخارجية ومساعيه لحشد دعم الدول المؤثرة بهدف الخروج من أزمته الاقتصادية.

ولا يزال الموقف السعودي من العودة إلى دعم لبنان رهن التحركات السياسية في الداخل اللبناني لجهة تبديد تحفظات المملكة التي ظل السياسيون اللبنانيون ينظرون إليها على أنها داعم مالي دون التقيد بالتزاماتهم تجاهها، وهو ما لم يعد ينسجم مع إستراتيجيات الرياض الجديدة في المنطقة.

وتشدد الرياض على عنوانين أساسيين لإعادة دعم لبنان ماليا والانخراط في تحفيز اقتصاده: الأول هو التأكيد على أن الأزمة هي بين الشعب اللبناني وحزب الله، على أساس أن مصدر التوتر يتمثل في هيمنة الأخير على الساحة السياسية، أما الثاني فهو ضرورة حصول إصلاحات حقيقية بالتزامن مع حثّ القوى السياسية على مواجهة الحزب الموالي لإيران.

وتقول أوساط سياسية لبنانية إنه بالنظر إلى تاريخ العلاقات بين السعودية ولبنان، فإن الرياض هي الأكثر قدرة من بين دول الخليج على دعم لبنان ومساعدته في الخروج من أزماته، لكن هذه الأوساط تشير إلى أن السعودية قد لا تجازف بدعم حكومة يتحكم فيها حزب الله.

ويدعم حزب الله طهران في صراعها الإقليمي على النفوذ مع دول الخليج، ولديه جناح مسلح أقوى من الجيش اللبناني ويدعم حلفاء موالين لإيران في المنطقة، ومن بينهم حلفاء في سوريا. كما تمارس الجماعة وحلفاؤها نفوذا كبيرا على سياسة الدولة اللبنانية.

وبذلت الرياض كل ما في وسعها على مدى سنوات لدعم لبنان وحث الفرقاء على منع ارتهانه بأيّ جهة خارجية، لكن اللبنانيين ظلوا ينظرون إلى المملكة كجهة مهمتها ضخ الأموال وتحريك الاقتصاد والسياحة دون أيّ التزام سياسي تجاهها، وهو خيار لم يعد يتماشى مع سياستها الجديدة.

وقدّمت المملكة المليارات في سبيل إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية (1975-1990)، لكنّها بدت في السنوات الماضية غاضبة جراء فشل القادة السياسيين في كبح جماح حزب الله المسلّح والنافذ والمدعوم من إيران. وكانت السعودية يوما من الدول المانحة السخية للبنان، لكن العلاقات توترت لسنوات بسبب تنامي نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران.

وترى السعودية المناهضة للمشروع الإيراني في المنطقة أن حزب الله، الحليف الأهم لطهران، يهيمن على مراكز القرار في الدولة اللبنانية التي باتت مؤسساتها، بما فيها الأمنية، مهمشة وخاضعة له.

ولذلك تعتبر الرياض أن أي دعم يمكن تقديمه للدولة اللبنانية سيسهم في تقوية حزب الله وتعزيز النفوذ الإيراني في لبنان بشكل أكبر. ولا تزال القوى المسيحية المعارضة لترشيح فرنجية متمسكة بموقفها الرافض، الأمر الذي يحول دون قدرة القوى الداعمة له على جمع المزيد من الأصوات المؤيدة لفرنجية، مكتفية بالرهان على إمكانية حصول تطورات إقليمية تصب في صالحه في المرحلة المقبلة.

ولا تقتصر المواقف الرافضة على قوى المعارضة، فالتيار الوطني الحر هو من أبرز الرافضين لهذا التوجه، بالرغم من التداعيات التي تركها ذلك على علاقته بحزب الله، وهو ما قاد إلى الحديث عن أن البحث في مصير التفاهم بين الجانبين رُحّل إلى ما بعد الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي.

وتشير مصادر سياسية إلى عدم إمكانية تجاهل ما أدلى به رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مؤخراً، لناحية تلقيه عرضين: الأول دولي والثاني محلي، للسير بترشيح فرنجية، الأمر الذي أكّد أنه مرفوض من جانبه؛ حيث تلفت هذه المصادر إلى أن ذلك يكشف عن جانب من المناقشات التي كانت تجري في المرحلة الماضية حول الاسم، في الوقت الذي كانت فيه القوى المؤيّدة لرئيس تيار المردة تسعى إلى جمع 65 صوتاً له.

في المقابل تعتبر المصادر نفسها أن الأبرز هو تراجع تداعيات ما كان قد نُقل عن السفيرة الأميركية دوروثي شيا حول عدم ممانعة بلادها في انتخاب فرنجية خلال لقاء جمعها مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، نظراً إلى أنّ هذا الموقف، الذي من الممكن أن يوضع في خانة التساهل من جانب واشنطن، لا ينبغي أن يُفصل عما يُنقل من مؤشّرات مصدرها السعوديّة، الأمر الذي يوحي بأن الولايات المتحدة تضع كرة الاستحقاق الرئاسي في ملعب الرياض، وبالتالي هي لن تمانع في تسوية تسير بها المملكة التي لا تزال حتى الآن ترفض اسم رئيس تيار المردة.

ويشير مراقبون إلى أن قوى المعارضة ليست في وارد التراجع، وهو ما يمكن الاستدلال عليه عبر الإشارة التي تصب في خانة تعطيل جلسات الانتخاب، الأمر الذي كانت ترفضه في الماضي، في حال نجحت قوى الثامن من آذار في تأمين الأغلبية اللازمة لانتخاب مرشحها.

العرب

مقالات ذات صلة