قواعد جديدة للدولة القرار فيها للأقوى: “حزب الله”يضغط لتنصيب فرنجيه! !

تشير الوقائع الراهنة في الوضع اللبناني إلى أن ما يحدث هو أبعد من انتخاب رئيس للجمهورية، فالتعطيل يطاول اليوم كل المؤسسات، من الحكومة إلى مجلس النواب إلى القضاء والمصارف، وهو تعطيل تستثمره قوى سياسية لفرض واقع جديد يمكن أن يغيّر هوية لبنان وتركيبته في غياب اتفاقات إقليمية ودولية لإنتاج حل موقت للأزمة. لكن استحقاق رئاسة الجمهورية يبقى المدخل الرئيسي لإعادة تشكيل السلطات، وتعطيله يطرح تساؤلات حول الاستهدافات التي تذكرنا بمرحلة انتخاب ميشال عون رئيساً وهو حصل بطريقة التعيين بعد فراغ استمر سنتين بين 2014 و2016 وإن كانت الأوضاع تغيرت داخلياً وإقليمياً ودولياً.

لم يستطع مجلس النواب اللبناني على مدى 12 جلسة، انتخاب رئيس للجمهورية، وهو اليوم في حالة تعطيل لهذا الاستحقاق. فهناك مخاوف من استعادة التجربة السابقة، وذلك عبر طرح مرشح للرئاسة كاسم وحيد في مقابل الفراغ وكشرط للتسوية. ويتقدم اسم سليمان فرنجية مرشحاً أوحدَ لـ”حزب الله” الذي يسعى لإحداث خرق يؤدي إلى انتخابه، ويخوض معركته على كل المستويات لإيصاله على الرغم من المعارضة القائمة، وإن طال أمد الأزمة. وهو وضع مع حلفائه خريطة طريق لفرضه مع تصورات أولية لرئاسة الحكومة وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، ويراهن على الوقت لتأمين أكثرية نيابية لانتخاب مرشحه وتوفير تغطية إقليمية ودولية لعهده.

ولعل ما يستند إليه “حزب الله” في رهانه على إيصال فرنجية للرئاسة، هو موقفه من المقاومة وعلاقته بمحور الممانعة وانفتاحه على مكوّنات البيئة السنية في لبنان خصوصاً في الشمال اللبناني. هذا على المستوى الداخلي، أما إقليمياً ودولياً، ففرنجية على علاقة قوية مع النظام السوري ومع الرئيس بشار الأسد تحديداً، ولذا لا مشكلة لديه مع السوريين كنظام والذي يفضل انتخابه رئيساً، وهو يشكل مدخلاً لعودة التأثير السوري في البلاد أقله على صعيد المؤسسات الرسمية. وقد جاء ترشيح فرنجية هذه المرة مباشرة من “حزب الله”، ما يُستدل على أنها نقطة ضعفه المحلية والإقليمية، وذلك على الرغم من أنه يقدم نفسه المرشح الأقرب إلى الجميع والذي يشكل تقاطعاً مع الأطراف الأخرى من غير محور الممانعة.

لكن الأجواء لا توحي بأن الأمور سهلة داخلياً وإقليمياً، لإيصال فرنجية، فيما تقول أوساط محور الممانعة أنها لم تكن بهذه البساطة أيضاً في 2016 عند انتخاب ميشال عون، فهي احتاجت إلى سنتين من الفراغ والتعطيل لفرض الأمر الواقع الرئاسي، وإن كان الانتخاب جاء بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015 وصفقاته في المنطقة كلها. هذا لا يجعل طريق فرنجية إلى القصر سالكة إلا عبر الأمر الواقع. ففي 2015 رشحه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بمباركة رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكن “حزب الله” كان يريد في ذلك الوقت إيصال مرشحه الأوحد ميشال عون.

فرصة سليمان فرنجية للرئاسة لم تنضج بعد، فهناك معوقات داخلية برفض الفرقاء المسيحيين لانتخابه، خصوصاً “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” أي عدم وجود تغطية مسيحية له. لكن أجواء مقربة منه ترى أن في إمكانه حل هذه المشكلة بتوفير أصوات نيابية مسيحية من خارج الكتلتين الكبيرتين وتأمين تغطية سنية إضافة إلى “الثنائي الشيعي” الذي رشحه في الأصل وأعلنه نبيه بري رسمياً. لكن الأهم هو تغطيته عربياً ودولياً كمرشح للممانعة، فدول اجتماع باريس حول الوضع اللبناني لم تدخل في التفاصيل المرتبطة باستحقاق الرئاسة، ويظهر ذلك أن هذه الدول ليست على موقف واحد من الأزمة اللبنانية، التي ترتبط بالمنطقة من بوابات عدة من بينها الأزمة السورية والدور الإيراني. والأبرز هو أن السعودية ليست على استعداد لتقديم المساعدة للبنان طالما أن هناك ما تسميه أطرافاً لبنانية تتدخل في المنطقة لتغيير المعادلات القائمة. ويتضح أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتبن اسم مرشح للرئاسة وكذلك السعودية، فيما فرنسا من خلال حركة اتصالاتها اللبنانية لم تسجل اعتراضاً على أي مرشح، فالمهم بالنسبة اليها إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتشكيل حكومة والبدء بالإصلاحات. ويبدو القاسم المشترك بين واشنطن والرياض هو الموقف من “حزب الله”، ولذا بدت السعودية أكثر وضوحاً في موقفها برفضها مرشح الممانعة لرئاسة الجمهورية.

يحاول المحور المؤيد لترشيح فرنجية التقليل من ممانعة الخارج لإيصاله إلى الرئاسة. يجري الرهان على التفاوض السعودي – الإيراني وأيضاً التقارب السوري – السعودي في ضوء الانفتاح العربي على دمشق بعد الزلزال المدمر، ولذا يجري الترويج على أن لا فيتو عربياً ضد فرنجية، وأن لا أحد تبلغ موقفاً سعودياً رافضاً ولا حتى أميركياً، خصوصاً أن تلك الدول المؤثرة في الوضع اللبناني لم تتبنَ اسم مرشح بعينه بما في ذلك قائد الجيش جوزف عون، ولا أي أسماء مطروحة من الخارج.

ويراهن “حزب الله” ومحوره على تنازلات تقدمها السعودية في الملف اللبناني، وعدم ممانعتها انتخاب فرنجية، مستنداً في الوقت نفسه على عدم وجود رفض فرنسي لانتخابه، وأيضاً عدم أعلان واشنطن تأييدها لأي مرشح، ويعمل على تأمين أكبر عدد من الأصوات أي الوصول إلى 65 صوتاً، ولذا يجري اللعب على ورقة أن فرنجية لا يزال على علاقة جيدة مع عدد من الدول العربية وهو لم ينزلق إلى التخريب والمواجهة، فيتركز العمل على إقناع النواب السنّة، وتذليل ممانعة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط للسير بهذا الخيار والتصويت لمصلحة فرنجية. وتوازياً يراهن الحزب على الوقت والفراغ لتراجع مقومات الأطراف الأخرى المعارضة وتشتتها. ويجري استحضار سيناريو 2016 أي عند انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد فراغ استمر لسنتين. حينها سار الحريري في ركب تسوية عون وتراجع عن طرح فرنجية، وفعل ذلك أيضاً رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

لكن الواقع على صعيد الخارج لا يشير إلى أن شيئاً تغيّر بالفعل أو يوحي بأن طريق فرنجية سالكة، وإن كان جرى اللعب لدى قوى الممانعة على كلام للسفيرة الأميركية دوروثي شيا خلال لقاء سابق مع بري بأنها لا تمانع انتخاب فرنجية رئيساً، وهو جزء من التكتيك السياسي لقوى الممانعة في معركة مرشحها الرئاسي.

الحل على المستوى الإقليمي والدولي لم ينضج بعد، إذ لا مؤشرات تفيد بأن التسوية الخارجية أصبحت قيد الإنجاز للاتفاق على مرشح رئاسي، فيما يتبين أن الشغور سيطول طالما لا توجد قوى داخلية لبنانية قادرة على الاتفاق وإنجاز تسوية لكل الاستحقاقات. فلا مخرج للفراغ وإنجاز التسوية في ظل الاستعصاءات القائمة، ولذا سنشهد مزيداً من التصعيد والتعطيل لكل مؤسسات الدولة، وهي مرحلة قد ينهار معها الدستور لتكريس قواعد جديدة للدولة يكون فيها القرار للأقوى وتتكرس معها عملية محاصصة ونهب كثمن للخروج من المأزق أو الدوامة وفرض وجهة معينة في الداخل، من بينها انتخاب رئيس جمهورية أمر واقع…

ابراهيم حيدر- النهار العربي

مقالات ذات صلة