المغرب يتجه لقبول المرأة “شاهدة كاملة”… كالرجل تماماً

بعد نحو خمس سنوات على صدور قرار ملكي عبّد الطريق للمغربيات من أجل مزاولة مهنة “العدول” (المأذون الشرعي)، تتجه المملكة المغربية أخيراً إلى إقرار المساواة بين الرجل والمرأة في الشهادة عند إبرام العقود، بعدما كانت شهادة النساء غير مقبولة في وثيقة اللفيف العدلي، لإثبات النسب أو قضايا الإرث وحقوق الملكية.

أمل في أفق التّشريع
فقد أحالت وزارة العدل المغربية مشروع قانون جديداً يتعلق بتنظيم مهنة العدول في المغرب على الأمانة العامة للحكومة، بهدف عرضه على مسطرة المصادقة التشريعية، وذلك بعد مشاورات مع ممثلي العدول امتدّت أشهراً.

ينُصّ مشروع القانون الجديد والمتعلق بتنظيم مهنة العدول على أن النساء المغربيات، أسوة بالرجال، سيصير بإمكانهن التمتع بالقيمة نفسها في الشهادة القانونية أو ما يسمى شهادة اللفيف.

وفي حال إقرار مشروع القانون، سيكون للمرأة المغربية الحق في الشهادة بما يتمتع به الرجل، وهو الإصلاح المنشود في تنظيم مهنة العدول الذي وافق عليه المجلس الأعلى للعلماء، بعدما كان متردداً في السابق بشأن هذه الفكرة.

وينصّ القانون الجديد على أن عدد شهود اللفيف هو اثنا عشر، كما على قبول شهادة المرأة في اللفيف في سائر العقود والشهادات من دون حصرها في المال أو ما يؤول إلى المال، وأن تكون بالغة سن الرشد عند أداء الشهادة، وعلى علم بما تشهد عليه. كما يجب على الشاهد (ة) أن يقرأ شهادته بنفسه قبل التوقيع عليها، إذا كان يعرف القراءة أو تقرأ عليه قراءة مفهومة.

النص الذي سيُدرج في القانون الجديد بشأن تنظيم مهنة العدول يوضح أيضاً أن شهادات النساء والرجال صارت الآن متكافئة، وذلك استجابة لمطالب الحقوقيين والفاعلين المهتمين بهذا الشق، وبالتالي لن يكون هناك داع إلى إحضار 12 شاهداً ذكراً بالضرورة ليؤكدوا صحة ما يطالبون به أمام كاتبي عدل محلفين لدى محاكم المملكة.

وذكرت المذكرة التقديمية لمشروع القانون أن وزارة العدل أخذت بآراء فقهية خارج المذهب المالكي، كرأي الحنفية الذي يجيز شهادة المرأة حتى في الزواج والطلاق، ورأي ابن حزم الظاهري الذي يجيز شهادة المرأة حتى في الحدود والقصاص.

وتشير المذكرة التقديمية للقانون إلى أنه “بالنظر إلى أن معظم مقتضيات هذه المهنة تستمد مرجعيتها من الشريعة الإسلامية، بخاصة تلك المتعلقة بالشهادة وأحكامها، فقد كان لزاماً استشارة المجلس العلمي الأعلى وأخذ رأيه في هذا الموضوع، باعتباره مؤسسة تسهر على ضمان الأمن الروحي للمغاربة، وترسيخ الثوابت الدينية للأمة المتمثلة في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي”.

وفي انتظار المصادقة على مشروع القانون في البرلمان المغربي، لا تزال شهادة المرأة غير مقبولة في المغرب لدى كاتب العدل، ويُرفض الأخذ بها بدعوى أنها ليست “شرعية وقانونية” ولا تُقبل في قضايا الأحوال الشخصية، كالزواج والطلاق والإرث، كما لا يمكنها أن تكون جزءاً من “اللفيف العدلي”.

حق مُصادر
و”اللفيف العدلي” هو مجموعة شهود يعتمد عليهم في إثبات وقائع أو حقوق لا يملك أصحابها في الغالب وسائل إثبات خاصة، مثل زواج قديم، أو بيع غير موثق، وحتى في قضايا النسب أو الإرث.

في المقابل، يقبل كتّاب العدل شهادة المرأة في القضايا التي تشهد فيها على نفسها، كأن تكتب اعترافاً بدين أو تتنازل عن الحضانة أو تبيع شيئاً ما، عامةً، إذ يمكنها أن تشهد على نفسها، لا أن تَشهد على الناس، ما يفتح الباب أمام إهدار حقوق عدة، بخاصة في ما يتعلق بالإرث، كما حدث مع إيطو المجرادي التي ارتطمت وأشقاءها بواقع رفض كاتب العدل شهادة سيدتين تُثبت أحقيتهما في ملكية إرث أرض في نواحي مدينة هوارة (جنوب المغرب).

وتروي السيدة الأربعينية لـ”النهار العربي” كيف رفض كاتب العدل الأخذ بشهادة السيدتين وتوثيق أحقيتهما في الأرض، مُطالباً إياهما باستقدام شهود ذكور بدعوى أنه “لا يقبل شهادة النساء في هذا الموضوع حتى لو كان عددهن يفوق 100 امرأة”.

وتعتبر المجرادي أن هذا النوع من القرارات يعرقل إحقاق العدل من دون موجب حق أو شرع، مشيرة إلى أنه بسبب هذا القرار توقف المسار الذي سلكته وإخوتها لتقسيم الإرث وتوزيع التركة، وبالتالي بقيت الأراضي التي ورثوها عن أسلافهم عالقة، بخاصة بعدما ردم الزلزال الذي ضرب مدينة أكادير في ستينات القرن الماضي أوراق الملكية ولم يعد في حوزتهم ما يثبت أحقيتهم في الأراضي، عدا الشهود الأحياء.

غياب النّص ووجود القرار
ومن المفارقات العجيبة في مسألة الأخذ بشهادة المرأة في المغرب أنه لا نص قانونياً واضحاً وصريحاً يقول ذلك، بيد أن رفض كتاب العدل توثيق العقود باعتماد شهادة المرأة هو بالأساس وليد العقلية السائدة في المجتمع المغربي، والتي تعتقد أن شهادة الرجال تُقبل شرعاً فيما تُرفض شهادة النساء “ناقصات العقل والدين” في إهدار خالص لكل المجهودات التي يبذلها المغرب في سبيل تحقيق المساواة العادلة بين النساء والرجال، والتي كانت موضوع نقاشات وجدل كبير أطلقته المنظمات الحقوقية والنسائية في البلد منذ تسعينات القرن الماضي.

ترحيب حقوقي
ويقول عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الحسين الغنبوري في تصريح إلى “النهار العربي”، إن المغرب تأخر كثيراً في الاعتراف بشهادة المرأة وموازاتها بشقيقها الرجل، وترسيخ مبدأ المساواة والمناصفة في الحقوق كما نص على ذلك دستور 2011، مشيراً في الآن ذاته إلى أن هذا الوضع التي تصطدم به نساء المغرب بشأن عدم الاعتراف بشهادتهن، يتنافى مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في هذا الإطار ويجهض جل مجهوداته.

ويشدّد على أن من غير المعقول في مغرب الحداثة والقرن 21، ألا يُعتد بشهادة المرأة رغم كل التطورات والإنجازات التي حققتها المرأة المغربية على مدار عقود من الزمن، معتبراً أن “من المثير للسخرية ألا يُؤخد بشهادة المغربية وهي اليوم وزيرة أو مسؤولة حكومية أو رئيسة حكومة وغيرها، فمهما بلغت المرأة من سلطان وحققت، تبقى في نظر من لا يعتدون بشهادة قاصر تُكال بنصف شهادة مقارنة مع الرجل”.

وأثنت الطبيبة والباحثة في قضايا المرأة في الإسلام، أسماء المرابط، على مشروع القانون الجديد الذي يكفل للنساء أحقيتهن في تقديم الشهادة أسوة بالرجال، واصفة إياه بـ”الانتصار”.

وكتبت الناشطة النسوية والمديرة السابقة لمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام (مركز دراسات المرأة الإسلامية) في “الرابطة المحمدية للعلماء”، وهو مركز أبحاث يعمل من أجل إسلام حديث تحت رعاية العاهل المغربي محمد السادس، عبر صفحتها في “فايسبوك”: “وأخيراً تُقبل شهادة المرأة المغربية في سائر العقود والشهادات..كم ضيعنا من القرون في الأخذ بتأويلات تمييزية لبعض المذاهب وتركنا الجوهر والأصل من القيم القرآنية”.

رفض السلفيّين
ومقابل الترحيب الحقوقي والمدني بهذا المشروع الجديد، لا يزال التيار الإسلامي المحافظ غير مقتنع تماماً بقبول شهادة النساء، إذ اعتبر الشيخ السلفي عبد الرحمان الكتاني، في حديث إلى “النهار العربي”، أن الشريعة الإسلامية واضحة في هذا المجال ولا تقبل شهادة المرأة.

ولا يصدّق الكتاني إجازة المذاهب جميعها شهادة المرأة، معتبراً أن “المذهب المالكي أو الحنفي أو الشافعي أو غيره، لا يعترف إلا بشهود ذكور بالاتفاق وبتوفر الشروط الشرعية، وبالتالي نعتبر أن شهادة المرأة ملغاة وزائلة”.

وكان الملك محمد السادس قد أعطى تعليماته في 22 كانون الثاني (يناير) من 2018 لوزير العدل، بالسماح للنساء بالعمل في مهنة العدول، وهو ما تم بالفعل خلال الإعلان للمرة الأولى في تاريخ المغرب عن فتح مباراة دخول المهنة أمام المترشحين، ذكوراً وإناثاً من دون تمييز.
وفي أيار (مايو) 2018 نظمت المسابقة التي أسفرت نتائجها بعد قضاء فترة التمرين واجتياز الامتحان المهني، عن نجاح 692 مترشحاً، منهم 277 امرأة، أي بنسبة 40 في المئة.

النهار العربي

مقالات ذات صلة