معرض فني جماعي يمد جسرا بين بيروت ودبي
“بيروت آرت” معرضا جماعيا في وسط دبي استمر يومين في أواخر شهر فبراير الفائت وضم مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية المعاصرة لفنانين شباب ومخضرمين.
تميزت الأعمال المعروضة على اختلاف أنواعها وأحجامها بأنها أعمال معاصرة وتعتمد بشكل أساسي على تقنية الديجيتال والتصوير الفوتوغرافي.
وأقامت “بيروت آرت” جسرا وطيدا بين بيروت والفن اللبناني المعاصر المرتكز على التقنيات الحديثة، ودبي المدينة المعاصرة في محاولة ناجحة لتعريف زوار المعرض في وسط المدينة على النمط الفني الجديد الذي ينمو ويلقى اهتماما كبيرا في لبنان دون أن يطغى على الأنماط الفنية الأخرى التي لا تقل عنه أهمية.
وذكر القيّمون على “بيروت آرت” أن الهدف من هذا المعرض هو تسليط الضوء على التحولات الاجتماعية والثقافية التي تعيشها بيروت المدينة في السنوات الأخيرة من خلال أعمال فنية شديدة المعاصرة.
ودعا القيمون على المعرض في توجه مباشر الزوار إلى أن “يغوصوا فيما يجول في أذهان الفنانين اللبنانيين مع التمني أن يتمكنوا من اختبار التجربة اللبنانية عن كثب لمدة يومين من خلال الفن الذي سيأخذهم إلى عالم متعدد الآفاق وشديد الحسية”.
وأكثر ما يلفت النظر في الأعمال الفنية المعروضة ليس فقط أنها أعمال تعتمد على فن الديجيتال بأنواعه ودمج الكثير منها بالتصوير الفوتوغرافي، بل لأنها على الرغم من انغماسها في تحولات بيروت وانشغالاتها تبدو وكأنها مشغولة عن بعد عاطفي ما. وإن لم تكن جميعها كذلك فإن الأعمال التي يصور فيها الفنانون ذاتهم تحتوي على غربة شديدة؛ غربة عن المحيط وغربة عن الذات.
ولا نبالغ إن قلنا إن معظم الأعمال تأخذنا إلى جحيم من الديجيتال هاجسه المعاصرة والتقنيات الحديثة أكثر من الولوج إلى صلب التصدعات التي تعيشها بيروت والتي بالرغم من كل ذلك قادرة حتى يومنا هذا على العزف على وتر الشاعرية المفرطة.
وليس المقصود بهذه الكلمات تهميش التجارب الفنية المعروضة لاسيما أن هناك من بين المشاركين من حقق وجودا كبيرا على الساحة الفنية مثل الفنان بسام كريللوس، إنما المقصود لفت النظر إلى أزمة الهوية والأزمة الوجودية شديدة الوضوح التي برع الفنانون في التعبير عنها شعوريا أو لا شعوريا وهم في معظمهم في بداية مسيرتهم الفنية.
ونذكر من الفنانين أحمد أبوصالح المولود في بيروت سنة 2002، والذي حاول من خلال فنه التعبير عن مشاعره تجاه ما يحيط به من عوالم مستخدما ببراعة التقنيات المعاصرة.
وذكر الفنان أبوصالح أن هدفه من أعماله المشاركة في المعرض هو التأكيد على أن الفن في لبنان مستمر وسيستمر على الرغم من كل الأزمات التي يمر بها. ومن المشاركين نذكر الفنان النحات بسام كريللوس المولود سنة 1971 في مدينة جبيل والحاصل على الدكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية.
للفنان أعمال رائعة جسدت جدلية الموت والحياة، والدمار والاستمرارية في آن واحد. كما شيّد مجسمات من البرونز عبر فيها عن معنى التناقض على المستوى الفلسفي الذي توسع حتى امتد مفعوله إلى شتى أشكال الحياة.
ومن الفنانين المشاركين ديانا عساكر الحاصلة على شهادة الماجستير من الجامعة اللبنانية. وتصف الفنانة عملها بهذه الكلمات “ما أقدمه يتأرجح بين الفن الساذج وفن المفهوم لأجل بناء نص بصري واحد منهمك بالمسائل السياسية والاجتماعية. أعتمد في عملي على ألوان الأكريليك والحبر وتجهيز الفيديو وأقوم بالاختبارات في مجال الألوان والأشكال والرموز وكيفية قولبتها لأعبر عما أريد أن أقوله”.
ومن المشاركين نذكر أيضا فادية أحمد، وهي فنانة وسينمائية ويتركز معظم ما أنجزته حتى الآن على التصوير الفوتوغرافي وقدرته على التعبير عن أفكار ومشاعر شائكة وعميقة.
إضافة إلى ذلك يُذكر أن الفنانة فادية أحمد هي أيضا ناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان ولها مجموعة صور فوتوغرافية وفيلم تصويري عن مخيمات اللاجئين في لبنان. كما للفنانة فيلم وثائقي يتمحور موضوعه حول انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس 2020)، وقد تم عرض هذا الفيلم في مهرجانات مختلفة ونال جوائز عديدة.
أما الفنان وسام عيد المولود سنة 1974 فهو خريج الجامعة الأميركية في بيروت. ويشير إلى أن معظم ما قدمه من أعمال فنية إلى حد الآن تتمحور حول توثيق تجاربه الشخصية. ويقول إنه لا يستسيغ الفن الذي لا يهدف إلى نكْء الجراح أو الدخول في المتاهات الخطرة لذلك “تدور أعمالي الأخيرة حول الأروقة الداخلية للنفس البشرية وحول الذاكرة وشفائها”.
ويشارك في المعرض الجماعي الفنان هادي بيضون، وهو فنان متعدد المواهب والوسائط. ويوظف في أعماله الفنية التصوير الفوتوغرافي والرسم بالألوان وتصميم الأثاث والنحت والديجيتال ميديا وغيرها من الوسائط. وأكثر ما يشغله، لاسيما في أعماله التي يشارك بها في هذا المعرض الجماعي، هو توصيف ونقد المجتمع الاستهلاكي.
ومن المشاركين أيضا في المعرض كبريت، وقد بدأ في رسم الغرافيتي سنة 2007 على جدران شوارع بيروت. درس كبريت الفنون البصرية وانطلق في مجال الإبداع المتنوع من الغرافيتي وصولا إلى إنتاج الأفلام.
ويذكر البيان الصحفي المرافق للمعرض أن أعمال كبريت تتميز بالكثير من الشاعرية في كيفية تناولها مواضيع تتعلق بالذاكرة والجرح الإنساني والجمال المتخفي.
أما الفنان فيليب عراقتنجي فهو مولود سنة 1964. وهو فنان ومخرج سينمائي معروف عالميا. فنان عصامي استطاع أن يبني هويته الفنية وحده منذ اليوم الذي أهداه فيه والده أول آلة تصوير في حياته. وبعد تجربة طويلة في التقاط الصور الفوتوغرافية، لاسيما تلك التي وثقت الحرب الأهلية اللبنانية، انتقل الفنان إلى عالم السينما لينتج ويخرج أكثر من 50 فيلما سينمائيا، وقد حصل على أربع جوائز عالمية. ومن أفلامه الشهيرة “البوسطة” و”تحت القصف” و”اسمع” و”على خطى المسيح”.
ويسلط هذا المعرض الجماعي الكبير الضوء على مجموعة واسعة من أعمال الفنان التشكيلي توم يونغ، وهو فنان بريطاني برع في تصوير المنازل التراثية في لبنان وبيروت قبل وبعد تعرضها للدمار بسبب انفجار مرفأ بيروت وأيضا تحت تأثير الإهمال أو تعمّد التفريط في التراث.
ميموزا العراوي