هل “تفجّر” بيروت الإنتخابات البلديّة… وكيف يمكن إبعاد «الكأس المر»؟
يضيق هامش المناورة المرتبط بإجراء الإنتخابات البلدية يوماً بعد آخر، لتبرز إلى الواجهة وقبل أسابيع من حسم هذا الإستحقاق، الهواجس المرافقة للإنتخابات البلدية في العاصمة بيروت. وذلك مع بروز شكوى من بعض القوى المسيحية، بسبب عدم مراعاة القانون الميثاقيّة والمشاركة الفاعلة لجميع المكوّنات البيروتيّة في اختيار سلطتهم المحليّة، وتحسين أدائها… الأمر الذي تتعذّر معالجته راهناً، قبل انتظام عمل المؤسسات واستئناف السلطة التشريعيّة عملها. تعود بلدية بيروت إلى الواجهة عند كلّ استحقاق، ويُستحضر معها الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي دأب على تكريس المناصفة في تكوين مجلسها البلدي، قبل أن يَستكمل الرئيس سعد الحريري المسيرة ذاتها مستشهداً بقول والده: «وقفّنا العدّ»… أمّا مع تعليق «تيار المستقبل» عمله السياسي، ودخول لاعبين جدد على الساحة السياسيّة، فإنّ هاجس إقصاء المسيحيين من المشاركة الفعلية، لا الصورية، في مجلس بلدية العاصمة، ولو عن غير قصد، كما حصل في بلدية طرابلس 2016، عاد إلى الواجهة وتحديداً بعد «الموزاييك النيابي» الذي أنتجته صناديق الإقتراع في شهر أيار من العام المنصرم. وعلى الرغم من أن هاجس المشاركة والميثاقيّة يشكّل محطّ التقاء بين الأحزاب المسيحيّة، إلا أنّ لكلٍ منهم مقاربته الخاصة لهذا الملف. فبعد تقديم «تكتل لبنان القوي» في 15 تموز 2022، إقتراح قانون عبر النوّاب نقولا صحناوي، إدغار طرابلسي وسيزار أبي خليل، للمطالبة باستحداث بلديتين في مدينة بيروت: الأولى تضمّ: الأشرفية، الصيفي، الرميل، المدور والمرفأ. والثانية تضمّ: ميناء الحصن، الباشورة، رأس بيروت، المصيطبة، زقاق البلاط، المزرعة وعين المريسة… عمد النواب أنفسهم إلى تقديم إقتراح قانون معجّل مكرّر إلى المجلس النيابي بتاريخ 27 شباط 2023، أي قبل 3 أيام، بهدف تعديل قانون البلديات، وإعادة إضافة المادة 12 الملغاة بموجب القانون رقم 665 تاريخ 29/12/1997.
وتشير المادة 12 المُقترحة إعادة اعتمادها إلى أنّ: «يُنتخب أعضاء المجلس البلدي في بيروت على أساس تقسيم الدوائر المُعتمد لانتخاب أعضاء مجلس النواب في بيروت (دائرة بيروت الأولى ودائرة بيروت الثانية)، وذلك بالتساوي بين الدوائر». وإذ أرفِق الإقتراح المقدّم بالأسباب الموجبة لاعتماده، إلّا أن أبرزها يرمي إلى بحث مدى قانونية ودستورية اعتماد المناصفة كقاعدة تقتضي مراعاتها لتكوين المجلس البلدي في مدينة بيروت، والتي تشكل الميثاقية والتعايش والعيش المشترك أبرز الأسباب البديهية لها، والتي تحوّلت أي المناصفة، إلى عُرف بعد اعتمادها كأساس في تكوين المجلس البلدي، وتالياً يصبح العرف مصدراً للمشروعية يستوجب التطبيق في حال غياب النص الصريح…
صحناوي
بدوره، يوضح النائب نقولا صحناوي لـ»نداء الوطن»، أن الإقتراح الأول الذي قُدّم في صيف 2022، يندرج في سياق اللامركزية الإدارية، وإقراره يتطلّب المزيد من الوقت بعد إحالته على اللجان المشتركة من أجل دراسته. في حين يُعدّ الإقتراح الثاني، سهلاً ويندرج في خانة العجلة تجنّباً لتعريض المناصفة للخطر مع الإقتراب من موعد الإستحقاق الإنتخابي البلدي، لافتاً إلى أنّ الإقتراح يهدف إلى زيادة فقرة واحدة مرتبطة بطريقة إنتخاب أعضاء المجلس البلدي الـ24 لبلدية بيروت الحالية، على أن يتمّ انتخابهم مناصفةً ما بين دائرتي بيروت الأولى 12 عضواً، وبيروت الثانية 12 عضواً، مع الإبقاء على وحدة البلدية في العاصمة كما هي راهناً. أما عن توقيت تقديم هذا الإقتراح وسط موقف «التيار الوطني الحرّ» من تعليق المشاركة في الجلسات التشريعية لاعتبار المجلس هيئة ناخبة، إعتبر صحناوي أنّ «هذا الإقتراح يندرج في خانة تشريع الضرورة القصوى، حفاظاً على الميثاقيّة، والمناصفة». وعن إمكانية عرضه على المجلس النيابي قبل دعوة الهيئات الناخبة إلى الإنتخابات البلدية، رأى أن هذا الأمر يعود إلى المجلس، مجدّداً التأكيد على مشاركة «التيار» في الجلسة التشريعية لإقراره، قبل اتخاذ الموقف من الإنتخابات البلدية في حال تجاهل هذا الإقتراح، تاركاً البحث في جميع الخيارات التصعيدية والموقف من احتمال تأجيل الإنتخابات البلدية إلى حين عرض الموضوع على تكتل «لبنان القوي»، الذي يعمل بدوره على حصول الإنتخابات في موعدها.
حاصباني
وفي السياق، يشير عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب غسان حاصباني لـ»نداء الوطن»، إلى أنّ هذا الإقتراح ليس بعيداً في الشكل عن مواقف «القوات اللبنانية» التي تعمد بدورها إلى إيجاد مقاربة متكاملة للتحدّيات المرتبطة بالعمل البلدي في بيروت، والتي تتعدّى آلية إختيار الأعضاء، وصولاً إلى تطوير إدارة العمل البلدي وآلية إتخاذ القرار داخل السلطة الإدارية… والذي يتطلّب مقاربة متكاملة وشاملة وحلّاً كاملاً وشاملاً للمشاكل التي يواجهها أهالي بيروت مع المجلس البلدي أو البلدية بشكل عام، بعيداً عن تقديم سلسلة من الإقتراحات من دون أن تسلك الطريق المناسب لها.
في الغضون، يجدّد حاصباني موقف «القوات» الحاسم لجهة عدم المشاركة في الجلسات التشريعية قبل انتخاب رئيس الجمهورية، آملاً في أن يتمّ هذا الإستحقاق في القابل من الأيام، ما يساهم بإعادة إنتظام عمل المؤسسات، والتشريعية منها، لتسلك التعديلات القانونية المطلوبة طريقها الصحيح. وعلى الرغم من التعقيدات التي قد تشوبها الإنتخابات البلدية في بيروت، أشار إلى موقف «القوات» المؤيّد لإجراء الإنتخابات البلدية في موعدها، آملاً في أن يتمّ العمل على ضمان تمثيل كافة المكوّنات في العاصمة، رغم التغييرات التي شهدها المشهد السياسي.
إلى ذلك، وعلى الرغم من تأكيد وزير الداخلية بسام مولوي الشروع في إجراء الإنتخابات البلدية قبل انتهاء المهلة الدستورية الممدّدة لغاية 31 أيار 2023، رأت أوساط متابعة أنّ هذه التطمينات قد تنفجر في بيروت، وتصيب بارتداداتها الإنتخابات البلديّة برمّتها، بما يخدم القوى السياسيّة التي تهدف إلى إبعاد «الكأس المر» عن الغوص في المتاهات العائلية الضيقة والتحالفات الهشّة من أجل انتخاب مجالس محليّة تعجز ميزانيتها عن القيام بأبسط المتطلبات التي تقع على عاتقها… كرفع النفايات عن الطرقات!.
طوني كرم- نداء الوطن