ضربات “تحت الحزام”: “الثنائي” يعوّل على انتهازيّة باسيل أو نكايات جعجع لانتخاب فرنجية!
الانسداد الحالي وانعدام المخارج رئاسيا، يطرحان اكثر من علامة استفهام حول رهانات القوى السياسية ورؤيتها لكيفية الخروج من المأزق الحالي، كل لديه رؤيته ونظرته، لكن الثابتة الوحيدة حتى الآن تبقى ان الجميع يراهن على تطورات داخلية وخارجية تقلب المعادلات وترجح كفته في الاستحقاق. وهذا يضع البلاد امام “لعبة” الوقت المحفوفة بالمخاطر، لان ايا من الاطراف لا يملك ولا يدّعي قدرة السيطرة على الاحداث، لكن المفارقة في وجود تفهم ضمني على عدم حصول “ضربات تحت الحزام”؟!
رهان “خصوم” حزب الله على الوقت، مرتبط بحصول تفاهمات اقليمية ودولية على وقع احداث ضخمة في المنطقة، وهم غير معنيين لا بالحوار ولا بتقديم تنازلات الآن، ما دام الخارج لا يضغط لانتاج تسوية، فلماذا خسارة “كارت” قد يكون رابحا في المستقبل؟ ثمة مسألتان اساسيتان تتحركان على خط احتمال اختلال موزاين القوى الراهنة داخليا، ووفقا لحسابات “معراب” لن تتأخر كثيرا الضربة الاسرائيلية لطهران، والتي قد تكون قاصمة هذه المرة، وستؤدي حتما الى نكسة كبيرة لطهران سواء اضطرت على اثرها الى السكوت والرد على نطاق محدود، كما حصل عندما استهدفت بالصواريخ قاعدة “عين الاسد” الاميركية في العراق عند اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني. او لجأت الى رد واسع يمكن ان يشعل حربا شاملة في المنطقة، لن تكون نتائجها في مصلحة المحور الايراني وفق المعطيات الراهنة، حيث تدعم واشنطن جهود “اسرائيل” العسكرية. ولهذا فان تأجيل الاستحقاقات اللبنانية الى ما بعد حدث على هذا الحجم يستحق المخاطرة، لان المقابل المعروض حاليا هو فقط التنازل لمصلحة انتخاب رئيس محسوب على حزب الله، في ظل انعدام القدرة على ايصال مرشح آخر، واستحالة حصول اي تفاهم مع “التيار الوطني الحر”. فـ “القوات اللبنانية” تعتقد ان باسيل يمر باضعف مراحله السياسية، ولن تقدم له اي “هدايا” مجانية تسمح له “بالنجاة” هذه المرة، كما حصل ابان “اتفاق معراب”.
ويمكن انطلاقا من هذا السيناريو تفهّم رفض رئيس “القوات” سمير جعجع ومعه قوى 14 آذار السابقة، ما عدا الحزب “التقدمي الاشتراكي”، الاستجابة للدعوات الاميركية والفرنسية لفتح باب الحوار الداخلي “لملء الفراغ” الحالي وتجنيب البلاد فوضى غير مرغوب بها. وهو يتكىء على تبني المملكة العربية السعودية سياسية “التطنيش” السلبي، في مواجهة استراتيجية واشنطن القائمة على عدم ممارسة ضغوط على القوى الحليفة، والتسويق لافكارها على شكل نصائح باستهلاك الوقت المستقطع، قبل نضوج التسويات الخارجية بالجلوس على “طاولة” حوار تكبح الانهيار ولا توقفه، ولكن اقله تمنع الانفجار.
هذا الرهان على تطورات خارجية لا يقف عند حدود التصعيد مع ايران فقط، ووفقا لمصادر سياسية بارزة، لا يغيب عن بال خصوم حزب الله ايضا امكان انزلاق الاحداث على الحدود الجنوبية، نحو تصعيد غير محدود هذه المرة على خلفية الازمة الداخلية العميقة في “اسرائيل”، وجاءت تهديدات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل نحو اسبوعين بنقل الفوضى الى الجانب الآخر من الحدود، لتزيد من قناعة هذا الفريق بان شيئا ما قد يحصل ويؤدي الى خلط الاوراق مجددا، مع الرهان هذه المرة على نتائج لا تمنح الحزب انتصارا مشابها لحرب تموز 2006. وتتعزز هذه الفرضيات مع اطلاق الجيش “الاسرائيلي” قبل ايام مناورات عسكرية ضخمة على الحدود الشمالية، وقد حرصت وسائل الاعلام “الاسرائيلية” على ابراز تصريحات مصادر عسكرية زعمت ان الجيش “الاسرائيلي” استخلص العبر من حرب لبنان الثانية، وطوّر قدراته العسكرية على جميع المستويات، بينها القدرات القتالية والتكنولوجية، وأصبح مستعداً لأي مواجهة ممكنة.
في المقابل، يرى “الثنائي الشيعي” الذي يدعم ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، ان دعمه ليس “للمناورة” بل لايصاله الى بعبدا، وتتحدث اوساط “الثنائي” عن وهم لدى البعض عندما يتحدث عن وجود استراتيجية لتمرير الوقت، بينما تنضج التسويات الخارجية، وحينئذ يوضع ترشيح فرنجية على “طاولة” المقايضات. وترى تلك المصادر ان هذا الظن مجرد مراهقة سياسية، لان ثمة قناعة جدية لدى “الثنائي” بوجود فرص وازنة لامكان وصول فرنجية الى بعبدا، خصوصا انه الوحيد حتى الآن الذي يحظى بدعم نحو 50 نائبا ، وهو رقم لا يمكن تجاوزه بسهولة، ويبنى عليه للمرحلة المقبلة في ظل الرهان على كتل وازنة فتحت باب “التفاوض” مبكرا.!
وما يزيد القناعة لدى “الثنائي” للتمسك بالمضي قدما في خوض معركة فرنجية، انه لا يلقى معارضة خارجية حادة من خصوم محور المقاومة. باريس وواشنطن لا ترفعان اي “فيتو” بوجهه، بل اعربتا عبر سفيرتهما في بيروت آن غريو ودوروثي شيا، عن امكان التأقلم مع وصوله الى بعبدا في “لحظة” ما، يمكن من خلالها صياغة تفاهم يشمل الحكومة وتركيبتها ومهماتها. اما السعودية فلم يصدرعنها اي مؤشر سلبي تجاه الرجل، واذا كانت لم توافق على انتخابه، الا انها تبقي “الباب مواربا” للتفاهم، لكن ضمن شروط اوسع من تلك الاميركية والفرنسية، ولا تنحصر في الداخل اللبناني بل تشمل ملفات اخرى، وفي طليعتها اليمن. اي ان الرياض ليست بعيدة عن احتمال اتمام تسوية عندما يحين وقت الذهاب الى “السوق” للبيع والشراء، وعندها فان رفض حلفائها اللبنانيين يبقى تفصيلا صغيرا يسهل حله، إما عبر تأمين النصاب لعقد جلسة الانتخاب، او التوصل الى تفاهم بين “معراب” و”بنشعي” على الخطوط العامة للمرحلة المقبلة، “نكاية” بالتيار الوطني الحر. ويأتي في هذا السياق الانفتاح العربي المتصاعد على النظام السوري، وآخرها زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الى دمشق، والترتيب لزيارة محتملة لنظيره السعودي فيصل بن فرحان الذي سيتوج سياسة الانفتاح الخليجية على سوريا، وكل هذه الاجواء تصب في مصلحة فرنجية.
وثمة مقاربة اخرى ايضا، لا تبدو بعيدة عن مقاربة “الثنائي”، وهي تقوم على الرهان على “براغماتية” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عند وصوله في مرحلة ما الى مفترق طرق يجبره على التفاوض على ترشيح فرنجية، فهو سيكون امام خيار من اثنين: إما خسارة كل شيء والجلوس 6 سنوات خارج “اللعبة” السياسية، او التقليل من الخسائر من خلال التفاهم على “خارطة طريق” منطقية مع “بنشعي” على ادارة “الحصة” المسيحية في السلطة للسنوات الست المقبلة. وقد تحين هذه “الساعة” ايضا اذا ايقن باسيل ان حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون، دوليا واقليميا، تتقدم على غيره من المرشحين، وهو هنا سيفضل “الكحل” على “العمى”، لان قائد الجيش بنظره “خائن” للأمانة، ويتهمه بالانقلاب على عهد الرئيس عون الذي ساهم في وصوله الى “اليرزة”.!
لكن ثمة من نصح “الثنائي” بعدم الذهاب بعيدا في رهانات مماثلة، لان التجربة اثبتت بان “الانتهازية” عند باسيل توازيها استراتيجية “انتحارية” فوضوية، ادت الى كل الخسائر الحالية والسابقة في التجربة “العونية”؟ في الخلاصة الجميع يراهن على الوقت المفتوح على كافة الاحتمالات السلبية، لكن “الشوارع” هادئة والجميع يلتزم حتى الآن “قواعد اللعب” النظيف!
ابراهيم ناصر الدين- الديار