تسوية “الربيع الرئاسي”… نبوءات أم معطيات؟
لم يعد خافياً على أحد أن امكان التوافق الداخلي في الاستحقاق الرئاسي، دخل في المدار المستحيل لا بل أصبح من سابع المستحيلات، وما يؤكد ذلك أن كل المساعي والتواصل والمبادرات لمحاولة خلق جو من التقارب بين القوى السياسية، اصطدمت بحائط مسدود، ولم ينتج عنها أي تقدم لا بل تزداد الأمور تعقيداً في ظل الخلافات والاختلافات في وجهات النظر التي أصبحت علنية، وفي ظل التشتت في المجلس النيابي حيث أن ما من فريق يمكنه ايصال شخصية الى قصر بعبدا في حين أن الجميع باستطاعتهم التعطيل حتى يبدو وكأن الذئب مات وفني الغنم.
وفي حين ترتفع وتيرة الأزمات، وتشتد المحن، وتتحلل المؤسسات وتتداعى الواحدة تلو الأخرى، ويسجل ارتفاع غير مسبوق في سعر صرف الدولار وما يرافقه من ارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية، واستعصاء ايجاد أي مخرج أو حل على المستويات كافة، يعتبر كثيرون أن البلد يتعرض لحملة تدمير ممنهجة، وأن المحن والأزمات تخطت الخطوط الحمر، وتخطت العقل والمنطق والعلم.
وفي هذه المرحلة الرمادية الخطيرة، يختلف المحللون والمراقبون في قراءة المشهد السياسي وأفقه أقله في المدى المنظور أو المستقبل القريب، اذ يرى البعض منهم أن الأفق سوداوي، ولا حلحلة داخلية ولا اهتمام خارجي بانتظار عجيبة ما أو أمر واقع مستجد يفرض اتخاذ تدابير صارمة وعاجلة، وبالتالي، فإن مرحلة الشغور طويلة جداً، والحديث اليوم عن التحضير والتحسب للرياح العاتية التي قد تقتلع البلد من جذوره. فيما ينظر آخرون الى الواقع بنظرة أكثر تفاؤلية وفيها نوع من الايجابية، اذ يعتبرون أن هناك تسوية ما تلوح في الأفق انما تحتاج الى بعض الوقت لأن الأمور في المنطقة تشهد اعادة ترتيب، والتقارب والتواصل بين عدد من الدول لا بد سينعكسان ايجاباً على الوضع الداخلي.
وبين المتشائمين والمتفائلين رابط مهم أنهم جميعاً لا يستندون الى المعطيات أو الأدلة الفعلية، وتبقى التحليلات في اطار التكهنات وفق أحد السياسيين المخضرمين لأننا في بلد غير مقرر، ويتلقى النتائج، وتعودنا فيه أن نقول دائماً إن “ما لا يمكن أن يحصل بدهر يحصل بشهر، والعكس صحيح”، وبالتالي، يمكن أن يأتي الفرج في ليلة وضحاها ومن حيث لا ندري. ويبقى التساؤل: لماذا برز الحديث في الكواليس السياسية عن تسوية رئاسية فجائية تلوح في الأفق يمكن أن تؤدي الى ما سمي بـ “الربيع الرئاسي” في آذار أو في أبعد تقدير خلال شهر تموز المقبل؟ وهل بات من المسلم به أن عمر الشغور طويل؟
أشار النائب هادي أبو الحسن الى أن “لا شيء جديد على المستوى الرئاسي، والأمور مقفلة ولا نزال في اطار البحث عن مخارج، وليست هناك أي مبادرة جدية سوى تلك التي قام بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. كل ما يجري اليوم عملية تقويم وجس نبض واستطلاعات رأي لا أكثر ولا أقل”.
وعن “الربيع الرئاسي” والتواريخ المحددة في آذار وتموز، قال: “لسنا من أصحاب النبوءات السياسية أو التوقعات. نحن نبني على المعطيات التي لا تشير حتى هذه اللحظة الى قرب الحلول لا بل على العكس هناك تعقيدات، وهذا يستلزم من كل الفرقاء المعنيين، اعادة تقويم مواقفهم، وأن يجري كل فريق مراجعة، ويقوم بخطوة الى الخلف من أجل إحداث المرونة للوصول الى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية”.
واعتبر أن “الجو الاقليمي المريح يساعد، لكن تبقى المشكلة الأساس داخلية لبنانية”، متسائلاً: “لماذا ننتظر الانفراج الخارجي أو التعقيدات الخارجية كي نبني موقفاً من موضوع الاستحقاق الرئاسي الذي هو استحقاق وطني؟”. وأكد أن “على كل وطني لبناني أن يقوم بما يمليه عليه ضميره الوطني والانساني ليسهل عملية انتخاب الرئيس ولا ينتظر أحداً. ويبدو الى هذه اللحظة أن لا أفق منظوراً للشغور، لكن يجب استمرار المساعي للوصول الى نتيجة”.
ورأى النائب والوزير السابق بطرس حرب أن “المسؤولين الذين يحترمون أنفسهم، لا ينتظرون الخارج ليقوم بتسوية لانتخاب رئيس للجمهورية. انها اهانة للشعب اللبناني في حين أن من الطبيعي في دولة فيها استحقاقات كبيرة مثل انتخاب رئيس للجمهورية أن يأخذ المسؤولون في الاعتبار مصالح الدولة، واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب. اما في لبنان، فيبدو أن الأمور تأخذ منحى عجز المسؤولين عن امكان انتخاب رئيس، واستسلموا للقدر وكأنهم يدعون الخارج الى اتخاذ المبادرة الرئاسية، وهذا يدعو الى الخجل، ولا يشكل عنصراً ايجابياً للنظام السياسي في لبنان وللحياة السياسية”.
وقال: “لست متأكداً أن الكلام عن ربيع رئاسي وتحديد مواعيد، جدي على الرغم من أن هذا ما نسمعه، لكن لا يستند الى معلومات دقيقة. بقدر ما طال وقت الشغور بقدر ما أصبحت الحاجة ملحة الى انتخاب رئيس للجمهورية. ومن الطبيعي من اليوم الى أشهر أن ننتخب رئيساً، وبالتالي، لا أحد يمكن تحديد أي وقت”. واعتبر أنه “حتى لو حصلت التسوية على شخص غير ملائم لانقاذ لبنان من الوضع الحالي، ستكون هناك مشكلة، ونحن في المجهول لأن الصراعات القائمة بين الأفرقاء حول المصالح الخاصة التي تغلب الحس الوطني”.
هيام طوق- لبنان الكبير