خاص: من وادي أبو جميل إلى صيدا والشوف.. يهود لبنان ماذا تعرفون عنهم؟!

 

لبنان هذا البلد الصغير بمساحته.. الكبير بتعدّديته، يجسّد واحدة من أروع صور الانصهار ما بين الطوائف، فهو يحتضن بين أوراق سجلات دوائر نفوسه ولوائح الشطب الانتخابية تعدّدية طوائفية وعرقية توزّعت ما بين 18 طائفة لبنانية، يتقدّمها المسلمون (سُنّة وشيعة)، المسيحيون )الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، الأرمن الكاثوليك والأرثوذكس، السريان الكاثوليك والأرثوذكس، الكلدان، اللاتين، الإنجيليون، الأقباط الكاثوليك والأرثوذكس، الآشوريون)، إضافة إلى الدروز والعلويين واليهود.

يهود لبنانيون.. ولكن
موقعنا “Checklebanon” بدأ من السجلات الرسمية وشرع في البحث عن الطائفة اليهودية الضاربة جذورها في التاريخ.. ليتبين أنّهم لبنانيون من أصحاب الأملاك والمساكن ودور العبادة، لكن الحرب العربية – الإسرائيلية وقيام دولة الكيان الصهيوني “إسرائيل”، والاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثم ضياع الصورة ما بين اليهودي العربي والصهيوني الإسرائيلي حدا بالكثير أو حتى بالسواد الأعظم منهم إلى مغادرة لبنان، ليس فقط إلى “الوطن الموعود” كما يزعمون، بل إلى مجاهل أوروبا وأميركا، خوفا من حركات اضطهاد تعرّضوا لها.

من الآلاف إلى الآحاد
5390 يهودياً لبنانياً ضمّتهم لوائح الشطب التي جرت على أساسها الانتخابات النيابية للعام 2009، وبيّنت النتائج أنّ 5 منهم انتخبوا في دائرة بيروت الأولى، أما البقية الباقية الموزّعة ما بين مناطق طرابلس، الشوف، دير القمر وعاليه فانتخبت في صندوق الأقليات، فاستحال حصر عددها، إلا أنّه أغلب الظن تجاوز الـ100 ونيّف.

لكن هذه الأقلية التي عمدت إلى الانتخاب لعلّها الأكثر جرأة بين عدد كبير يندرجون على لوائح الشطب في خانة الطائفة المسيحية، خوفاً من أي اضطهادات تلحق بهم رغم أنّ مذهبهم باقٍ على صفته الإسرائيلية، ومن هنا، ننطلق من سوء فهم اللبنانيين لكيان هؤلاء ولانتمائهم، فهم يختبئون بين المسيحيين وكأنّهم جُناة أو موصومون بوصمة عار، وخلال البحث والاستقصاء تبيّن أنّ يهود لبنان لغز يكاد يتبخّر والبحث عن أحدهم أشبه بالبحث عن طيف.

كنيس وادي أبو جميل
على مقربة من دارة الرئيس سعد الحريري “بيت الوسط”، وتحديداً في محلة وادي أبو جميل، يطل عليك مبنى قد تتعجّب أنّه في لبنان.. هو كنيس يهودي انتهت أعمال ترميمه في العام 2010.. كنيس “ماغن دايفد إبراهيم”، المبنى الذي دُمِّر وهجره أهله خلال الحروب التي مرّت على لبنان، حتى نمت حوله الحشائش والأشجار وتآكله الإهمال ليبقى للناظر معلماً غريباً قد لا يتمكّن من تحديد ماهيته، إلى أن أعادت أعمال الترميم إظهار هويته.

ووفقاً لبحثنا الاستقصائي، تبيّن أنّ أبناء الطائفة اليهودية، الذين يُعدّون قرابة الـ200، ممّن لا يزالون يحتفظون بعبارة الطائفة اليهودية على هوياتهم القديمة، وليس المذهب الإسرائيلي، ولا يزالون يتواجدون في لبنان، هم الذين موّلوا أعمال الترميم التي بلغت قيمتها حوالى المليون ونصف المليون دولار في إصرار منهم للعودة إلى الحياة اللبنانية، دون تقوقع، إثر 42 عاما من الخوف، والتقوقع الذي بدأ منذ العام 1967 التاريخ الذي ترك فيه معظم اليهود لبنان، فالطائفة التي كانت تضم أكثر من 22000 يهوديا في العام 1948، وانحصرت بـ3000 شخص بعد حرب 1967، وبعد السنة الأولى من الحرب في العام 1976، لم يتبق إلا 500 يهودي لبناني، أما اليوم فلا يتعدى يهود لبنان الـ200 شخص معظمهم كبار في السن والبقية الباقية يهودية الأصل لكن علمانية غير متدنية.

متى ومَنْ بنى الكنيس
بُنِيَ الكنيس في العام 1925 وقد سمي على اسم ابن أبراهام ساسون، حيث قام يوسف فارحي زعيم الطائفة اليهودية في لبنان بالمساعدة على إكمال البناء الداخلي وذلك لنقص بالتمويل، وقامت الحركة الصهيونية باستعمال الكنيس في أربعينيات القرن العشرين فاستخدمته محطة مؤقتة للمهاجرين غير الشرعيين إلى فلسطين.

وفي العام 1976، وبعد عام من بداية الحرب الأهلية اللبنانية، قام يوسف فارحي بنقل أسفار التوراة الخاصة به إلى جنيف حيث استودعها لدى الصيرفي اليهودي السوري الأصل المعروف إدموند صفرا الذي قام بحفظها في خزائن مصرفه، وقد تم نقل غالبيتهم لاحقا إلى كُنُس لليهود الشرقيين في إسرائيل، وأدى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 إلى العديد من الهجمات ضد يهود الداخل، الأمر الذي دفع الحركة الصهوينية العالمية إلى اجتذاب يهود لبنان كي يهاجروا إلى الأراضي المحتلة في فلسطين.

المدفن اليهودي
وليس بعيدا عن كنيس “ماغن دايفد ابراهيم” في وادي أبو جميل، يبرز المدفن اليهودي في محلة السوديكو الذي يحرسه رجل يهودي يهتم بتنظيفه، وكان آخر دفن فيه جرى خلال العام 2012، لشابة يهودية اهتم بدفنها 5 أشخاص، قاموا بعملهم بهدوء تام وتفرقوا مُسرعين.. القبور اليهودية في السوديكو يعود بعضها إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى ليتوقف الزمن عند عام 1975، مما يجعل من قرار دفن الشابة في هذه المقابر بالذات “ظاهرة” بحد ذاتها، فمقبرة السوديكو هي الوحيدة التي تستقبل أموات اليهود في لبنان بعد أن جرفت شركة سوليدير المقبرة اليهودية في الوسط التجاري.

عائلات يهودية
مزراحي، مغربي، سرور، درويش، زيتوني، ليفي، مثلون، بيخار، كوهن، صفرا هي العائلات اليهودية اللبنانية الأبرز، أما كل ما تبقى من معالم يهودية إلى جانب كنيس وادي أبو جميل ومقبرة السوديكو، مدرسة عبرية مهجورة، مدفن مخرّب مهجور بالقرب من مكبّ النفايات الساحلي في صيدا، كنيس في دير القمر مقفل منذ حوالى 33 سنة، أما في طرابلس وبحمدون وصيدا، فلا يزال هناك معابد مهجورة أُقفلت أيضاَ منذ اندلاع الحرب في العام 1975.

إلى الشمال وجبل لبنان دُرْ
وفي طرابلس حيث 43 يهودياً مُسجّلين على لوائح الشطب، عاش في 1948 ما يزيد عن الـ200 يهودي، ويروي الدكتور عمر عبد السلام تدمري، المؤرخ السياسي والحضاري الطرابلسي، أنّ 150 عائلة كانت تعيش في عاصمة الشمال في حي اليهود، الذي ما زال على اسمه حتى يومنا، وكانوا يتفاعلون مع مختلف الطوائف المسيحية والمسلمة على حد سواء، ويعملون في “المهن التي تتطلب عملاً دقيقاً، فيصبغون الملابس وينسجون الحرير ويصيغون الذهب ويتاجرون بالعقارات.

ولفت الدكتور تدمري إلى ملحوظة مهمة جداً، حيث إنّ ملامح التعصب الصهيوني ظهرت على يهود الشمال، مع قيام دولتهم المزعومة، فنشأت بينهم وبين الأهالي من الطوائف الأخرى الكثير من العداوة، ليختفوا بين ليلة وضحاها إثر النكسة الفلسطينية.

*أما كنيس دير القمر فهو أقدم كنيس يهودي في منطقة جبل لبنان، وضعيته جيدة حتى يومنا هذا، رفم أنّه مهجور. تمَّ بناؤه في القرن الـ17 ميلادي، لتُقيم فيه الطائفة اليهودية في دير القمر وما جاورها شعائرها الدينية، وكان بعض من أفراد هذه الطائفة من الحاشية المقرّبة للأمير فخر الدين الثاني.

يهود صيدا
وفي العام 2014، نقل تحقيق صحفي عن مختار حي الشارع في صيدا القديمة زياد حمود، مُعلّقاً على عودة أحد يهود صيدا من عائلة ديوان إليها لزيارة مدفن جدّه في مقبرة اليهود، وطلب من رئيس الطائفة في بيروت تقديم طلب لتصوين المقبرة من ماله الخاص، وقد استجابت بلدية صيدا لهذا الطلب.

من جهته، أكد مختار محلة مار الياس في صيدا، إيلي الجيز أنّ اليهود خرجوا قسراً من لبنان، ومن صيدا تحديداً، رغم أنّهم لم يتعرّضوا لأذى من جانب الصيداويين أنفسهم، مشددا على أنّه رغم معايشة اليهود للسكان الآخرين إلا أنهم حافظوا على عالمهم الخاص، وكانوا يتداولون العبرية في ما بينهم فقط.

أما حمود فأشار إلى أنّ عدد اليهود في صيدا الى 1200 مواطن صيداوي، “وهم مسجلون في محلتي حي الشارع وباب السراي وبالطبع حارة اليهود، وأملاكهم تتوزع بين محلات تجارية داخل صيدا القديمة وأراض خارجها، مثل منطقة الدكرمان حيث يوجد البستان اليهودي، ولهم إلى جانب الكنيس اليهودي والجبانة، هناك مدرسة الاليونس أو مدرسة الاتحاد الاسرائيلي العالمي والتي تم تأجيرها إلى بعض الصيداويين وما زالوا حتى اليوم فيها.

تحقيق دولي
وفي تحقيق متلفز بثّته وكالات إعلام عالمية، من تل أبيب، تناول ماركو مرزاحي طفولته في لبنان، فالمغادرة والعودة إليه جندياً خلال اجتياح عام 1982.. ومن كندا، حيث تحدث جاك بصل المحتفظ لليوم ببطاقة هويته اللبنانية، وبزة والده المفوّض العام في الشرطة القضائية إيليا بصل.. ومن مكسيكو، تذكرت داني لينيادو كيف أن والدها لم يتكيف مع العيش خارج لبنان حتى وفاته.. أما ألن عبادي عازف الغيتار من تل أبيب، فكشف عن أنّه في فترة ما كان يتنزّه يومياً قرب الحدود اللبنانية الإسرائيلية.. من جهته، اعتبر سام (55 عاماً)، وهو يهودي لبناني رفض الإفصاح عن شهرته، أن هذا العمل منصف من خلال من تحدث فيه بحنين عن الماضي وتمنيه السلام الكامل في المستقبل.

عودٌ على بدء!!
يُذكر أنّ ليهود لبنان موقع خاص متطور على صفحات الانترنت www.thejewsoflebanonproject.org يختصر تاريخ اليهود في لبنان، ويعرض لصور ما تبقى لهم فيه، لرؤساء الطائفة السابقين.

وشهدت السنوات الأخيرة طفرة في فيديوهات أبناء الطوائف اللبنانية عموماً، وليس فقط اليهود، بل كل من كانوا على تواصل مع العدو الإسرائيلي، ونزحوا عن لبنان عند الاندحار الصهيوني عام 2000، مُعربين عن رغبتهم بالعودة أو الشوق إلى الوطن.. وليست قضية المطران موسى الحاج بعد عودته من إسرائيل عنّا ببعيدة..

إعداد مصطفى شريف- مدير التحرير

مقالات ذات صلة