البصل في قلب أزمة غذائية عالمية !
في العاصمة المغربية الرباط توقفت السيدة فاطمة عن شراء البصل والطماطم، بعد أن أصبح سعرهما باهظا. وأصبحت تشتري الخرشوف لإعداد الطاجين بدلاً من البصل والطماطم. وقالت فاطمة، وهي أم لثلاثة أطفال، إن “السوق مشتعلة”.
أما لالين باسا فاعتادت شراء كيلوغرام من البصل لصنع لفائف السبرينغ رول عبر شركة التموين الخاصة بها في مانيلا عاصمة الفلبين. لكنها غيّرت وصفتها الآن وأصبحت تستخدم نصف الكمية فقط، نتيجة ارتفاع أسعار البصل في البلاد.
وتُظهر تجارب المرأتين اللتين تفصل بينهما مسافة تزيد عن 12000 كيلومتر كيف أن الأزمة العالمية بشأن الإمدادات الغذائية تأخذ منعطفاً ينذر بالخطر ويهدد باستهلاك المكونات الضرورية لتغذية سكان العالم.
وانخفضت أسعار القمح والحبوب في الأشهر الأخيرة، لتخفف من المخاوف حيال القدرة على الوصول إلى بعض السلع الأساسية. لكن العوامل التي تتظافر الآن بدأت تؤثر على أسواق الخضار، التي تمثل حجر الأساس في النظام الغذائي المستدام والصحي، بينما يأتي البصل المتواضع في قلب هذه الأزمة.
ويؤجج ارتفاع الأسعار التضخم ويدفع البلدان إلى اتخاذ إجراءات لتأمين الإمدادات. وعلقت دول مثل المغرب وتركيا بعض الصادرات. وأمرت الفلبين بفتح تحقيق في كارتلات البصل.
وتجاوزت القيود حدود البصل لتشمل الجزر والطماطم والبطاطس والتفاح، مما أثر على توفر تلك السلع في جميع أنحاء العالم، وفقاً لتحذيرات الأمم المتحدة وبنك الطعام خلال الشهر الجاري.
وفي أوروبا أجبرت الرفوف الفارغة المتاجر في المملكة المتحدة على تقنين مشتريات بعض الفاكهة والخضروات بعد محصول ضعيف في جنوب إسبانيا وشمال أفريقيا.
وقالت سيندي هولمان كبيرة الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في روما “مجرد الحصول على سعرات حرارية كافية ليس جيدًا بما يكفي”.
وتعتبر هولمان أن “جودة النظام الغذائي رابطًا مهمًا بين الأمن الغذائي والتغذية. ويمكن أن تؤدي جودة النظام الغذائي السيئة إلى أشكال مختلفة من سوء التغذية”.
يذكر أن البصل هو العنصر الأساسي في المأكولات في جميع أنحاء العالم، ويعد أكثر الخضروات استهلاكًا بعد الطماطم (تقنيًا فاكهة). ويتم إنتاج حوالي 106 ملايين طن متري سنويًا، ما يناهز تقريبًا نفس إنتاج الجزر واللفت والفلفل والفلفل والثوم مجتمعة. ويتم استخدامه في كل شيء بدءًا من النكهة الأساسية للكاري والحساء إلى الإضافات المقلية على النقانق المقلية في الولايات المتحدة، حيث تم حظر تداول العقود الآجلة فيها منذ عام 1958 بعد محاولة احتكار السوق.
ولا شك أن قفزة الأسعار تُعَدُّ من التداعيات غير المباشرة للفيضانات المدمرة في باكستان، وموجات الصقيع التي أفسدت المخزون في آسيا الوسطى، والهجوم الروسي على أوكرانيا. وفي غضون ذلك، عانى المزارعون في شمال أفريقيا من الجفاف الشديد وزيادة كلفة البذور والأسمدة. وقد أثر سوء الأحوال الجوية بشكل خاص على المزارعين المغاربة.
وقالت فاطمة في سوق بمنطقة أوشن بوسط الرباط إن أسعار الخضروات لا تزال “مرتفعة للغاية” حتى مع الحظر المفروض على إرسال البصل والطماطم إلى غرب أفريقيا الذي فرضته الحكومة هذا الشهر.
وقالت العاملة الحكومية المتقاعدة البالغة من العمر 51 عامًا وهي تحمل كيسًا من الخرشوف، إن دخلها لم يعد يدوم حتى نهاية الشهر. وسيكون الشعور بالضغوط المالية أكثر صعوبة خلال شهر رمضان. وأضافت “نتناول المزيد من العدس والفاصوليا البيضاء والفول المدمس”.
وفي الفلبين أدت ندرة البصل إلى تفاقم مشكلات نقص المعروض من كل شيء خلال الأشهر القليلة الماضية، بدايةً بالملح ووصولاً إلى السكر. وقد ارتفعت أسعار البصل للغاية إلى درجة أنه أصبح أغلى من اللحم لفترةٍ وجيزة، بينما أُلقِيَ القبض على مضيفات طيران أثناء تهريب البصل من إحدى دول الشرق الأوسط.
وقالت باسا البالغة من العمر 58 عامًا “أنا أستخدم فقط أصغر قطع من البصل”. ولا يكاد عملها الذي يمتد لثلاثة عقود تقريبًا في مقاطعة بولاكان يلبي احتياجات أعياد الميلاد وحفلات الزفاف. وأضافت “لا بد لي من التكيف لأنني لا أريد رفع الأسعار أكثر من اللازم وفقد عملائي”.
وفي كازاخستان، دفع ارتفاع الأسعار السلطات إلى الاستفادة من المخزونات الإستراتيجية، بينما حث وزير التجارة في كازاخستان الناس على عدم شراء البصل بالكيس وسط اندفاع وذعر كبيرين لتأمين الإمدادات في محلات السوبر ماركت المحلية.
أضِف إلى ذلك قرارات حظر التصدير التي جرى إصدارها في الأسابيع الأخيرة أيضاً في قيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان. يُذكر أن هذه الدول هي أكبر البلدان المستهلكة لهذه السلعة، حسب الفرد في العالم، وذلك بفضل طبق القرطوب الوطني الغني بالبصل. بينما فرضت حكومة أذربيجان “سقفاً” على المبيعات، فيما بدأت بيلاروسيا تصدير التراخيص قبيل الشحن.
ومع ارتفاع كلفة شراء الخضار والفواكه الغنية بالمغذيات، أصبحت الأنظمة الغذائية الصحية بعيدة المنال. وتظهر أحدث أرقام الأمم المتحدة أن أكثر من 3 مليارات شخص لا يستطيعون تحمل تكاليف نظام غذائي صحي.
وقال تيم بينتون مدير الأبحاث في المخاطر الناشئة في تشاتام هاوس في لندن، إن هذا سيصعد جدول الأعمال السياسي على مستوى العالم، وستكون التغذية جزءًا أكثر بروزًا من تفكير الحكومات. ووصف بينتون الأمر بـ”قنبلة غذائية موقوتة” تنفجر ببطء.
وقال “إن التأرجح على حافة المجاعة في منطقة القرن الأفريقي ليس فقط ما ينبغي أن يقلقنا بشأن الأزمة الحالية.. إنه النمو واسع النطاق لسوء التغذية على أساس عالمي”.
وفي الوقت الحالي، بينما تقوم العديد من الحكومات بدعم واردات القمح أو الدقيق لإرضاء شعوبها، هناك دعم محدود لمزارعي الخضروات. وقال بينتون إن النتيجة هي أن العالم ينتج الكثير من الحبوب النشوية والسكر والزيوت النباتية أكثر من الاحتياجات الغذائية، بينما نُنتج نحو ثلث احتياجاتنا اللازمة من الخضار والفاكهة فقط.
ومثله مثل الخبز، أظهر البصل أيضًا إمكانية إشعال الاضطرابات المدنية. وفي الهند، التي حظرت الصادرات داخل وخارج البلاد لسنوات، تم الاستشهاد بالأسعار المرتفعة لخسارة حزب بهاراتيا جاناتا للانتخابات في نيودلهي في عام 1998. وبعد عقدين قال رئيس الوزراء ناريندرا مودي في حملته لإعادة انتخابه إن “المزارعين هم أولويتة”، أي منتجي الطماطم والبصل والبطاطا.
وأوضح بينتون “تُعَد الحبوب الرئيسية بالغة الأهمية من ناحية الوظائف الرمزية للأمن الغذائي العالمي والمجاعات. لكن تلك الأشياء الإضافية كالخضر والغلال هي الضرورية لإبقاء الشعوب سعيدة في العديد من الدول حول العالم. مما يعني أننا لا نزال عند طرف الجبل الجليدي”.
العرب