ورطة كساد مبيعات زيت الزيتون في لبنان… وإرتفاع قياسي في الأسعار!
اجتمعت مآسي الوضع الاقتصادي الخانق في لبنان والتضخم الجامح وشح الدولارات وتراجع القدرة الشرائية للناس، على المزارعين بعدما أصبحوا في ورطة كساد مبيعات زيت الزيتون.
وأدت الأزمة المالية الحادة وانهيار العملة، إضافة إلى شح الأمطار وانخفاض الإنتاج خلال الموسم الحالي، إلى ارتفاع قياسي في أسعار زيت الزيتون.
وانعكس هذا الأمر سلبا على المنتجين الذين عجزوا عن تصريف محصولهم بعدما أحجمت معظم الأسر عن شراء مؤونتها السنوية من الزيت أو عمدت إلى تقنينها، فضلا عن المنغصات الأخرى.
ويشتكي المنتجون في مناطق مثل محافظة عكار بأقصى شمال البلاد، وبلدات مجاورة مثل كفر حرة ودير جنين، من ركود تجاري خانق يصيب أسواق القطاع بسبب ما قالوا إنه “ناتج عن المضاربة والتهريب”.
والزيتون زراعة أساسية في البلاد، حيث تنتشر قرابة 13.5 مليون شجرة، وهي تشكل نحو 5.4 في المئة من مساحة البلد البالغة 10.4 ألف كيلومتر مربع، وتنتج هذه الأشجار سنويا بين مئة ومئتي ألف طن.
وبحسب البيانات الرسمية فإن قرابة 30 في المئة من هذه المحاصيل تستخدم زيتونا على مائدة الطعام، أما الباقي فيستخرج منه الزيت، حيث تتراوح الكمية سنويا بين 15 و25 ألف طن، يصدر منها نحو خمسة آلاف طن.
وتعد زراعة الزيتون مصدر رزق للكثير من العائلات عبر بيع الإنتاج من الثمار والزيت، بينما تعتمد عليها الكثير من العائلات لتأمين حاجتها كمؤونة منزلية.
ولطالما شكل زيت الزيتون ركنا أساسيا في المطبخ اللبناني نظرا إلى دخوله في معظم الأطباق والأكلات، ويُقدر أن العائلة تحتاج سنويا إلى نحو 60 لترا، إلا أن الارتفاع الكبير في سعره بسبب تكاليف الإنتاج دفع البعض من اللبنانيين إلى تقليل استهلاكهم منه.
ويظهر محمد الزعبي كغيره من المزارعين غضبه الشديد مما وصلت إليه الأمور خلال تنفيذهم وقفة احتجاجية في منطقة الدريب الأوسط على مفترق بلدة كوشا في عكار للفت أنظار السلطات إلى أوضاعهم الكارثية.
ويؤكد الزعبي لوكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن المزارعين لم تعد لديهم القدرة على بيع محصولهم. وقال “نعيش من خلال موسم الزيتون، وكل شيء بات باهظ الثمن من أجرة العامل إلى نقل الزيتون إلى المعصرة، وصولا إلى بيعه”.
وطالب وزير الزراعة “بحماية الحدود أو بيع البضاعة”. وقال “نود لو يتم شراء الزيت من منطقة عكار من قبل الجيش، ونتمنى على القائد مساندتنا في هذا الأمر”.
ومقارنة بالموسم الماضي ارتفع سعر صفيحة زيت الزيتون سعة 16 كيلوغراما من مليوني ليرة إلى 5 ملايين ليرة (133 و333.4 دولار)، تأثرا باستمرار هبوط قيمة العملة المحلية، فيما كان يتراوح سعرها قبيل الأزمة الاقتصادية بين 120 و150 ألف ليرة.
وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات تراجعت قيمة العملة المحلية من 1500 ليرة للدولار الواحد إلى حدود 80 ألف ليرة وأحيانا أعلى من ذلك في السوق السوداء.
وفي وقت سابق هذا الشهر خفض مصرف لبنان المركزي سعر صرف العملة بواقع 90 في المئة كي تصبح قيمة الدولار عند 15 ألف ليرة، لتنهي السلطات النقدية سعرا ظل ثابتا منذ 1997، مما زاد من نزيف خسائر المزارعين مع تفاقم كساد الأسواق.
وسبق أن حذرت جمعيات إنتاج وتسويق الزيتون من أن المزارعين يواجهون مشكلات في تصريف إنتاجهم، ما يمنعهم من سداد ما ترتب عليهم من ديون نفقات الحراثة والتسميد ورش المبيدات وكلفة العصر وبراميل التخزين، التي ارتفعت أسعارها 5 أضعاف.
وتشير التقديرات إلى أن الزيتون يشكل المورد الوحيد لقرابة 200 ألف أسرة لبنانية وأن الكساد سيوقعها في أزمة مادية خانقة، في الوقت الذي كانت تنتظر فيه تحسن أوضاعها.
وقال أحمد الرفاعي، وهو مزارع من عكار، “نحن كمزارعي زيتون نعاني كثيرا من كل شيء، حتى الأسمدة والفلاحة تكلفاننا الكثير”.
وأضاف “لا أحد يساعدنا، ونحن نتمنى فتح أسواق خارجية لتصريف الإنتاج، نتمنى تسويق كل هذه البضاعة، لأن الأوضاع المعيشية مأساوية”.
ويؤكد المهتمون بالشأن الاقتصادي اللبناني أن الزيتون بالنسبة إلى الكثير من المزارعين في البلاد هو أكثر من مجرد مهنة، حيث يعتبر ثقافة وأسلوب حياة، ورثوه عن أجدادهم إلى درجة أن البعض منهم يرون أنه حتى لو لم يكن الموسم مربحا ماديا، فلن يتخلوا عن هذه المهنة.
وقال المزارع محمد مسرة “يجب إنقاذ المزارعين وتسويق إنتاجهم وحماية مواسمهم”. وطالب السلطات بالتعجيل في مساعدة “المزارعين وشراء إنتاجنا من الزيت، لكي نستطيع إكمال حياتنا بكرامة”.
ولفت أصحاب المعاصر إلى أن الكثير من المزارعين مع بداية موسم جني الزيتون في أكتوبر الماضي عبروا عن انزعاجهم من كلفة العصر التي تم تحديدها بواقع 10 دولارات للصفيحة الواحدة.
وأرجع هؤلاء ارتفاع السعر إلى كلفة تأمين الطاقة في ظل شبه انعدام الكهرباء من المحطات الحكومية، التي لا تزال تسير ببطء شديد لإنهاء هذه المعضلة مع شح الوقود والدولارات.
العرب