الفاتيكان ينصح بـ”التريّث” في موضوع “مار مخايل”.. والتحضير جارٍ للقاء قريب بين باسيل وقيادة الحزب
تجد في صفوف كلّ من حزب الله والتيار العوني انقساماً في الآراء بين من يوصي بالتمسّك بتفاهم مار مخايل، وبين المعارضين لاستمراره. لكن في كلا الطرفين هناك من يؤكّد أنّ التفاهم لم يسقط نهائياً، لكنّه ببساطة لم يعُد موجوداً، استناداً إلى البنود التي تضمّنها ذات شباط 2006، كأنّما هناك تفاهم ضمنيّ على استمراره، ولو صوريّاً، لأنّه ضرورة للجانبين على حدّ سواء.
لم تعد مقاربة التفاهم تتوقّف على نصّ وبنود، والأهمّ والأبعد هو “مبدأ الشراكة” الذي يستوقف التيار ويعتبره أساساً يُبنى عليه في العلاقة المستقبلية مع الشريك الشيعي.
نواة التفاهم: إقليميّة ودوليّة
في نواة التفاهم أنّ حزب الله، وإن بات أقوى ممّا كان عليه قبل أن يبرم التفاهم، وقد أضحى حزباً لبنانياً بأبعاد إقليمية ودولية استراتيجية، يحتاج إلى غطاء لبناني مسيحي على وجه التحديد. وأبعد من علاقة حزب الله برئيس تيار مسيحي (جبران باسيل)، لا تكمن أهميّة تفاهم مار مخايل في “حماية” المسيحيين والشيعة في لبنان، بل صارت أبعاده تتضمّن حضور هاتين الطائفتين في المنطقة العربية. وأيّ خلل يصيب التفاهم ينعكس حتماً على علاقتهما وعلى كلّ منهما. هذا على الأقلّ من وجهة نظر المطّلعين على موقف حزب الله. فعلى خلاف غيرهم، لم يدخل قادة الشيعة سياسياً في عملية احتساب المسيحيين عدديّاً، أي “العدّ” الذي أوقفه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بل يقارب “الثنائي” وجود المسيحيين بناءً على حاجة المنطقة إلى هذا الوجود ببعده التاريخي، وضمانته المعنوية، واستطراداً السياسية، للأماكن المقدّسة، وتحديداً في العراق وفلسطين ولبنان. وسقوط التحالف يعني تقوقع كلّ طرف أكثر داخل طائفته.
ماذا يريد الفاتيكان؟
إذاً للتفاهم بعدٌ يتجاوز مساحة لبنان ومصيره، الذي لم يعد محصوراً بيد حزب الله والتيار العوني منفردين، فقد دخل الفاتيكان على خطّ الإصرار عليه.
تقول معلومات “أساس” إنّ العلاقة بين حزب الله والفاتيكان لم تنقطع، سواء مباشرة أو من خلال الصرح البطريركي. ولا يرى الفاتيكان مصلحة للمسيحيين بفكّ التحالف بين مكوّنين أساسيَّين. واللافت أنّه بدأ يدعو إلى “التريّث”، باعتبار التفاهم “ضرورة”.
يروي مطّلعون على أجواء الكرسي الرسولي حكاية وجود مواقف متناقضة وغير موحّدة من التفاهم. فهناك طرف يشجّع عليه ويؤكّد أهمية العلاقة مع الشيعة، وآخر يتقدّمه وزير الخارجية المتأثّر بالموقف السلبي من إيران وحزب الله. لكنّ موقف الفاتيكان عموماً يدعو إلى التوازن وليس إلى الانغلاق، ويرى أنّ استمرار التفاهم من الأمور المستحبّة.
في رأي المطّلعين أنّ التفاهم، منذ توقيعه، لم يشهد خلافاً بين الطرفين، باستثناء الفترة الأخيرة وعلى خلفيّة الانتخابات الرئاسية على وجه التحديد. وهذا لا يُعدّ مبرّراً لانهياره.
لا قطيعة إلا بترشيح فرنجيّة
أكثر ما يزعج حزب الله محاولة “شخصنة” المواقف ومقاربة التفاهم بناء على مصالح شخصية بما لا يليق بأبعاد التفاهم وأهميّته. ويرى البعض أنّ باسيل بات من الصعب عليه الصمود من دون التحالف مع حزب الله. فهو مزّق أوصال العلاقة بكلّ الأطراف السياسية تقريباً. وهو لم يعد في مأمن حتى داخل تيّاره، حيث الانقسامات راحت تخرج إلى العلن. والأجواء عينها تنسحب على تكتّله النيابي. على الرغم من ذلك لم يترك حزب الله باسيل ولن يتركه. ويؤكّد المقرّبون أنّ الحزب تفهّم باسيل وسيستمرّ في تفهّمه وحرصه على العلاقة بالتيار العوني. وهو لن يسحب يده إلّا إذا بادر التيار إلى سحبها.
في المقابل يحتاج حزب الله بقوّة إلى ترميم التفاهم والاتفاق على ما هو مشترك وتنظيم المختلَف عليه، وأجواء “خروج” باسيل مستبعدة، إلا إذا أعلن الحزب ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. هذا من المحرّمات والكبائر بالنسبة إلى التيار، لأنّه يعتبره سابقة تُلخَّص بأنّ “قيام شريكه الشيعي بترشيح رئيس ماروني يضرب مبدأ الشراكة”.
ليس الحزب في وارد المبادرة إلى ترشيح فرنجية أو سواه. وهو يتبنّى ويدعم ترشيح الحليف كما سبق أن قال أمينه العام حسن نصر الله. ولهذا نجد أنّ فرنجية يرهن ترشيحه بقرار الحزب الذي يهندس له الأرضيّة من دون أن يقفل باب مناقشة باسيل في أسماء أخرى شرط أن يدرج اسم فرنجية في عدادها.
يستبعد الطرفان الحديث عن قطيعة طويلة أو تباعد أو خصومة سياسية بينهما. فالتحضير جارٍ للقاء قريب بين باسيل وقيادة الحزب. وربّما يكون الخلاف بينهما قائماً على سيناريو محكم متّفق عليه بين الجانبين من باب توزيع الأدوار. وخروج نصر الله عن صمته في حديثه عن أنّ التفاهم بات في وضع حرج، لهو رسالة شديدة اللهجة لمن يعنيه الأمر، أي باسيل. وتحمل الرسالة دعوة إلى عدم زجّ تفاهم من هذا الحجم في زواريب الرئاسة… على أهمية الاستحقاق.
اساس