نفق الشغور الرئاسي: لا تسويات قريبة… انهيار مستمر!
لا يلوح في أفق المشاورات السياسية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً أي أمل بقرب إنجاز الاستحقاق الدستوري الأهم وهو انتخاب رئيس عتيد للجمهورية، بعدما دخلت البلاد في نفق الشغور الرئاسي معطوفاً على التعطيل الذي تمارسه قوى الثامن من آذار بغية فرض الأمر الواقع وانتخاب رئيس يمثل استمراراً للنهج الذي اتبعه “العهد القوي” برئاسة ميشال عون والذي أوصل البلاد إلى الحالة المأساوية غير المسبوقة.
واستبعدت مصادر نيابية أن يتمكن ممثلو الأمة من الوصول إلى تسوية قريبة تدفع النواب إلى تأمين النصاب القانوني المطلوب لانتخاب رئيس جديد، في ظل الانقسام الكبير بين الكتل النيابية التي لا تملك أي منها الأكثرية المطلوبة، مبدية قلقها من استمرار الانهيار الذي تشهده المؤسسات الرسمية ما يشي بحتمية انحلال ما تبقى من الدولة.
واعتبرت المصادر في حديثها إلى موقع “لبنان الكبير” أن الجمود هو السائد على الحياة السياسية ولا تقدّم يذكر في المشاورات الجانبية والبعيدة عن الأضواء التي تجريها مختلف القوى السياسية، والانشغالات تتفاوت بين الاهتمام بالمطالب الحياتية للناس والحوادث الأمنية التي تتزايد وتشكّل خطراً داهماً يمكن أن يستفحل نتيجة الضائقة المالية التي يعاني منها اللبنانيون.
وكانت البلاد قد عاشت في الأسبوع الماضي أياماً صعبة نتيجة حادثة اختطاف وقتل إمام بلدة القرقف العكارية الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، فيما انشغلت القوى الأمنية بمنع تحول هذه الجريمة إلى فتنة بعدما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة لرمي الاتهامات وتعزيز الحقد المذهبي خصوصاً بعد تسريب معلومات خاطئة تورط أحد الأجهزة الأمنية في الحادثة.
وأشارت المصادر إلى أنه بخلاف “المبادرة” التي إن صحّت تسميتها كذلك والتي طرحها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط فليس هناك أي محاولات جدية حقيقية للخروج من نفق التعطيل والتوجه إلى مجلس النواب لاتمام الاستحقاق الرئاسي، ذلك أن فريق التعطيل بقيادة “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل، يضع كل العراقيل أمام التوصل إلى تسوية أو القبول بانتخاب رئيس لا يكون استمراراً لولاية الرئيس عون، في حين أن الثنائي الشيعي مصمم من دون إعلان على أن يكون الرئيس العتيد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، المرفوض من باسيل وفريق المعارضة على السواء.
وكما هي الحال بالنسبة الى فريق الممانعة، فإن فريق المعارضة الذي لا يزال حتى إشعار آخر يرفع ورقة النائب ميشال معوض كمرشح له، يواجه المعارضة الشرسة من الثنائي الشيعي وبعض النواب المستقلين والتغييريين، ولهذا السبب كانت اللائحة التي طرحها جنبلاط وتحمل ثلاثة أسماء هي قائد الجيش العماد جوزيف عون والنائب السابق صلاح حنين والوزير السابق جهاد أزعور مدار مشاورات بعيدة عن الأضواء بين مختلف مكونات المعارضة ومع النائب معوض علّها توحد قواها خلف اسم يكون مقبولاً من الفريق الممانع مع تقدّم مبدئي لاسم العماد عون.
لكن هذه المصادر أكدت أن التسوية الداخلية للتوافق على اسم رئيس الجهورية العتيد مرتبطة ارتباطاً مباشراً بتسوية إقليمية ومؤازرة دولية وهذا الأمر مستبعد على الأقل في المدى المنظور، ذلك أن المملكة العربية السعودية والتي هي اللاعب الأقوى إقليمياً تنأى بنفسها في المرحلة الحالية عن الانتخابات الرئاسية وتخوض في الوقت نفسه مباحثات مع إيران، القوى الاقليمية الفاعلة على الساحة المحلية أيضاً، وقبل تبلور هذه المباحثات لن تتضح صورة انعكاسها على الانتخابات الرئاسية.
وأوضحت المصادر أن القوى الدولية المؤثرة على الوضع اللبناني وتحديداً فرنسا والولايات المتحدة، انشغالاتها بنتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا تتقدّم بأشواط كبيرة على الوضع اللبناني، ذلك أن انعكاساتها الاقتصادية والسياسية تأتي في المقام الأول من اهتماماتها وبالتالي فإن الوضع اللبناني لا يعتبر في أولوياتها على الرغم من الاهتمام الدائم عبر سفيرتي الدولتين بالشأن اللبناني الداخلي.
ومع انسداد الأفق السياسي لا يبدو أن المؤسسات الرسمية في وضع أفضل، فالانتهاكات والتجاوزات الفاضحة لمدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون أدت إلى انقسام الجسم القضائي الذي لم يستطع مجلس القضاء الأعلى اتخاذ إجراء يعيد إليه هيبته، ويبدو في حالة يرثى لها، اذ كانت تباشير انهياره بدأت مع الاضراب الذي أعلنه القضاة وأوقف عمل المحاكم شهوراً طويلة ما أدى إلى تعطيل مصالح الناس.
أما إضراب المعلمين وأساتذة الجامعة اللبنانية، فقوّض التعليم الرسمي الذي يبدو أنه لن يستكمل للعام الحالي ما يجعل مئات آلاف الطلاب أمام فقدان عام من حياتهم، ما لم يستطع وزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي اجتراح حلّ في أقرب وقت ممكن يستطيع من خلاله إنقاذ العام الدراسي ومستقبل الطلاب.
وحدّث ولا حرج عن الوضع الصحي والاقتصادي والنقدي، بحيث أن استمرار انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، لا يبرره أي منطق اقتصادي أو مالي، ولعبة الدولار أصبحت بيد كبار المضاربين الذين يستفيدون ويجنون ثروات هائلة على حساب الشعب، ويؤثر ذلك توازياً على القطاع الصحي فقد أصبحت المستشفيات عاجزة عن استقبال المرضى بسبب تلكؤ المؤسسات الضامنة من الضمان الاجتماعي إلى شركات التأمين عن تسديد المتوجبات عليها ناهيك عن الهجرة التي أًصابت الجسم الطبي.
البلاد تنهار والقوى السياسية تختلف على جنس الملائكة، والخلاف الظاهري على هوية الرئيس العتيد للجمهورية، يستتبعه خلاف أعمق على اسم رئيس الحكومة الأولى في العهد الجديد وأسماء الوزراء فيها وبرنامجها الانقاذي، إذ أن رئيس الجمهورية يمثل الخطوة الأولى على طريق الانقاذ لكن الحكومة هي التي ستتولى وضع المشاريع الانقاذية التي سيناقشها مجلس النواب قبل تحولها إلى قوانين إصلاحية تنتشل البلد من “جهنم” التي وصل إليها.
صلاح تقي الدين- لبنان الكبير