«مع ياسر العظمة» : «جبهات» لا تهدأ
يملك الفنان السوري ياسر العظمة رصيداً من التجارب يخوّله إبداء الرأي وتصحيح المغالطات. رحلته الطويلة أمام الكاميرات تزوّده بما يلزم لتمييز الثمار من فداحة اليباس. يشطح أحياناً في هجومٍ مُنطلقه «الحق» بإبداء الرأي كما هو، بلا لفّ ودوران. وهذا «حق» يستمدّه بعد عقود في الدراما وخفاياها، وفي مراقبته المستوى وتأثّره بعوامل تُسرّع الارتطام. يؤخذ عليه أسلوب يُتّهم بالفجاجة.
«مع ياسر العظمة» هو عنوان برنامجه المُتخذ من «يوتيوب» مسرحاً لنقد قد يصل إلى «الرجم». عبره يفضّل العصف على المرور الهادئ. والرشق على دبلوماسية الكلام. ويعلن اعتزاله تدوير الزوايا وتلطيف المفردات. يهاجم فيتسبّب بالأخذ والرد، ليُشهر المتضررون تعليلهم لما يرونه قد تجاوز الحد: ركوب موجة «الترند» ورفع أرقام المشاهدة.
مهما يكن، فإنّ المطروح في فيديوهات العظمة يفتح نافذة على النقاش. أو هذا ما يُفترض أن يحصل، لولا تهمة «شخصنة» المسائل. فهو غالباً ما يحصد ردوداً من أشخاص أكثر مما يشهد على طرح إشكالية مفيدة. ينشغل المعنيون بردع أسهمه عنهم على حساب التوصّل إلى نتيجة.
ما يزيد على 15 جزءاً جعلت من سلسلته الشهيرة «مرايا» صوت الموجوعين في سوريا، وحيث يئنّ إنسان. أضحك على الآلام وسخر من الأحوال. كان «فشة خلق» سورية، إلى أن أفسدت الحرب كل شيء.
مغادرته الوطن حمّلته سخطاً رافق خطواته. وأُخذ عليه التجوّل الآمن خارج الحدود، تاركاً الأرض لاحتراقها. هو، المنتج والكاتب والممثل، توقّف عن إنتاج «مرايا» من 2013 إلى 2021، حين عاد إلى الشاشة بمسلسل «السنونو» (عرضه تلفزيون «أبوظبي» ولم يلقَ أصداء مُنتظرة). يرسو مركبه على «يوتيوب» مُكملاً ما بدأه في «مرايا» كمجدٍ يصعب خلع عباءته.
كان هشام شربتجي أمام أولى تجاربه الإخراجية في الجزء الأول من «مرايا» (1984)، وكرّت السبحة. أثقل الإنتاجُ العظمة، فلجأ إلى «يوتيوب» لمحاولة الحدّ من الكلفة. بفيديوهات قصيرة، يُشعل «جبهات» يريدها ألا تهدأ. كأنه حيال نار كلما زوّدها بالحطب استعرت. يتفرّج على «الاشتعال» ويطمئن. البرنامج إذن في أحسن أحواله.
يُفقِد كاتب «باب الحارة» مروان قاووق أعصابه، كآخرين وجدوا في الردّ ما يحول دون تكريس «اتهامات باطلة». يُحمّل المسلسل ما اعتبره «افتراء سافراً على حقبة مهمة من تاريخ سوريا»، ووَصَفه بامتهان «التزوير». لم يرَ أنه من غير اللازم استخدام مفردات كـ«الغبي» و«المُغرض» في الحديث عن زميل مهنة. طرق الباب فأتاه الجواب: «جميع أعمال البيئة الشامية أفضل وأرقى من سلسلة (مرايا)».
يُنتقد العظمة من منطلق أنه ماذا فعل أخيراً للنهوض بالمسلسلات السورية؟ فهو يكتفي بالانتقاد والملامة. قاووق طالبه بجلب أمواله من الخارج وإنتاج أعمال يراها مناسبة داخل سوريا؛ لمشاركة الجميع أفكاراً تُطوّر الصناعة الدرامية.
استوقفته أسماء أجنبية تُعطى لمسلسلات عربية كـ«ستيلتو» و«داون تاون». هزأ وسخِر: «رح نصير أكابر إذا حطينا عنوان أجنبي لمسلسل؟». لم يكن قاووق وحده مَن امتعض من نقد مسلسله. خلدون قتلان كاتب «جوقة عزيزة» مسّه استفزاز مُشابه حين وصف العظمة عمله بالضعف والميل إلى التفاهة. جهّزت شركة الإنتاج «غولدن لاين» رداً قاسياً عيَّره بـ«هجران الأرض»، يُضاف إلى ردّ الكاتب: «الترند لا يليق بتاريخك».
تنقسم الآراء حول «تورّط» الفنان الكبير في أفخاخ مواقع التواصل، أو بين أنه يقول كلمته ويمشي بلا التفات إلى المسايرات والمجاملات. جمهوره ينفي حاجته إلى «ترند»؛ لكون تاريخه حافلاً وخبرة العُمر تشهد. آخرون يصنّفونه في خانة «الحكواتي» بعدما لم يعد يملك سوى الكلام.
تصبح إشكالية الوطن قضية شائكة عندما يؤتى على ذكر اسم العظمة. فهو كلما صوَّر فيديو يشكو فيه برودة يحظى بها مع عودته «زائراً» إلى سوريا، استحضر منتقدون مقولة أنّ الأم تربّي أبناءها لكنها حين تمرض يهجرون، فتقتصر علاقتهم بها على «الزيارات». آخرون، في الغربة، يتماهون مع مشاعر العذاب لدى إعادة تعريف الانتماء، فيبرّرون للعظمة حديثه عن «عبوس الأرض» في وجهه بعد فراق.
من فيديوهاته الصاخبة اختصاره أسباب الهجرة السورية بالحاجة إلى خبز وكهرباء. ردّ ناشط جرَّب قارب الموت المطاطي بالإشارة إلى الأسباب الحقيقية: «براميل متفجرة، كيمياوي، فوسفوري، انشطار، غاز السارين…»… اتّهمه بـ«توقف الزمن» وسأله: «لِسّاتك نايم؟». العظمة أستاذ، لكنّ بعض «الأخطاء» مضرّ.
فاطمة عبدالله- الشرق الاوسط