كيف تمت تصفية الشيخ الرفاعي … ولماذا؟
باحترافية أمنية وحنكة مجتمعية سياسية تمكّنت شعبة المعلومات بالتنسيق مع الجيش اللبناني من كشف خلفيات اختطاف ومقتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، ومن احتواء تداعيات الجريمة على الاستقرار العام تحديداً في قرى وبلدات عكار. وهو ما يفسر التكتم الشديد الذي تعاملت به شعبة المعلومات مع تفاصيل التحقيقات حفظاً على الأمن في بلدة الفقيد القرقف والقرى المحيطة بها. مما أدى إلى تحفظ الكثير من المرجعيات في تصريحاتهم ولعل أبرزها ما صرّح به مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا ناصحاً الجميع انتظار البيان الرسمي الذي سيصدر عن الجهات المعنية.
في التفاصيل التي حصلت عليها “أساس” أنه بعد 5 أيام على اختفاء الشيخ أحمد شعيب الرفاعي تمكّنت شعبة المعلومات من كشف كافة ملابسات القضية بالاستناد على معطيين أساسيين:
1- تتبع حركة الاتصالات وتنقل هاتف الضحية منذ خروجه منذ منزله في بلدة القرقف حيث رُصد هاتفه بداية في مستشفى حلبا بعد تقديمه مساعدة مالية لأحد المرضى لينتقل بعدها إلى مسجد البركة في البداوي حيث أدى صلاة المغرب لينتقل بعدها الى شارع الميناء في طرابلس خلف مبنى الجامعة العربية في تمام الساعة 6:40 مساء ثم تكون الوجهة التالية منطقة البحصاص عند مدخل مدينة طرابلس في تمام الساعة 6:45 مساء قبل الانتقال الى منطقة رأسمسقا في الكورة وتحديداً عند وادي هاب الذي يصل الكورة بمنطقة أبي سمراء.
2- العثور على قناع وقفازات يد عليها اثار دماء خلف الجامعة العربية واكتشاف مصدرها.
بناء على هذين المعطيين تحرّكت القوة الضاربة في فرع المعلومات باتجاه بلدة القرقف منتصف ليل الجمعة، حيث داهمت منزل رئيس البلدية الشيخ يحيى الرفاعي حيث تمّ توقيفه بالاضافة الى ابنه محمد وابن شقيقه عبد الكريم محمد الرفاعي والأخير هو عنصر في القوة الضاربة وتشير المعلومات الى أنّ القناع والقفازات يعودان اليه. ثم تمكّن فرع المعلومات من توقيف نجل يحيى الرفاعي المدعو علي في بلدة ببنين حيث تمّ نقل الجميع للتحقيق فأفرج مساء عن رئيس البلدية قبل أن يعود ويتم توقيفه صباح اليوم السبت. خلال التحقيقات اعترف علي الرفاعي بقيامه على قتل الشيخ أحمد بمعاونة ابن عمه عبد الكريم لتتواصل معهم التحقيقات لمعرفة مكان الجثة وهو ما استلزم بعض الوقت بخاصة مع محاولة علي عرقلة التحقيق بداية عبر الارشاد الى مكان سيارة الشيخ أحمد والتي وجدت قرب مستشفى هيكل في الكورة ثم عبر محاولة التراجع عن افادته صباح اليوم السبت ليعود بعد ذلك الى الاقرار بكافة التفاصيل ومنها مكان وجود الجثة في عيون السمك وهو أمرٌ نفته مصادر أخرى مشيرة إلى أنّ الجثة تمّ رميها بالقرب من مخيم نهر البارد.
مصادر خاصة بـ”أساس” أشارت الى أنّ أربعة أشخاص تمّ توجيه الاتهام اليهم بشكل مباشر بالضلوع المباشر تحريضاً وتنفيذاً في الجريمة. ثلاثة منهم من آل الرفاعي والرابع من آل ميقاتي حيث اعترفوا أنّ أسباب الجريمة تعود الى خلافات سابقة حول شؤون بلدية وعقارية. فيما أشارت مصادر أخرى لـ”أساس” أنّ مخابرات الجيش اللبناني حصلت على تسجيل بصوت الشيخ أحمد الرفاعي يذكر فيه أن تهديدات بالقتل قد وُجهت اليه من بعض الموقوفين قبل أيام من الجريمة.
حكاية الخلاف
قصة الخلاف في بلدة القرقف العكارية وتحديداً بين الشيخين يحيى الرفاعي وأحمد شعيب الرفاعي ليست وليدة الساعة. بل بدأت عام عام 2012 عندما تقدّم عدد من أبناء القرية بشكاوى رسمية ضد الشيخ يحيى الذي يشغل منصب رئيس البلدية متهمين إياه بهدر المال العام والإثراء غير المشروع وتحويل المشاريع العامة الى استثمارات خاصة، فضلاً عن بيع مشاعات البلدة.
وفي شكوى مفصلة قُدّمت الى النيابة العامة المالية (الرقم 5072/2018)، طالب المعترضون بإلزام رئيس البلدية بوضع الأموال التي تقاضاها من بيع المشاع في صندوق البلدية تحت إشراف لجنة من الأهالي. كما قُدمت دعوى ضده أمام وزارة الداخلية والبلديات والتفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب (الرقم 850/2019)، تطلب التحقيق معه في أسباب “كسبه المادي بصورة فاحشة”، وخصوصاً أنه كان موظفاً في دائرة الأوقاف الإسلامية في عكار قبل فصله عام 2009 عقب خلافات وتبادل اتهامات بينه وبين رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ مالك جديدة.
مع تصاعد الشكاوى والاعتراضات تطورت الخلافات الى اشتباكات وصدامات حيث أحرق مجهولون سيارة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي في حزيران 2019، الذي أصدر بياناً في حينه أكّد “أن كاميرا المراقبة في المنطقة وثّقت الحادثة والتقطت المعتدين”. وحذّر من “التدخل بوقف الملاحقات أو تضليل التحقيق، ولا سيما أن الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن أُحرقت سيارتا وليد عبود الرفاعي وخضر التلاوي وكلاهما كانا على خلاف مع رئيس البلدية، وللأسف سجلت الجريمتان ضد مجهول ولم يوقف أحد”. وطالب وزيرة الداخلية في حينه ريا الحسن بـ”كفّ يد رئيس البلدية وإحالته الى التحقيق في الدعاوى المقدمة ضده والمسجلة لدى قلم الوزارة”، مؤكداً أن “بلدة القرقف تعاني الإرهاب السياسي والمالي والاجتماعي والأمني، حيث تقام دولة ضمن الدولة عبر استخدام رئيس البلدية نفوذه وعلاقاته ومصالحه”. وقد وجه الاتهام باحراق السيارة إلى سائق زوجة رئيس البلدية الشيخ يحيى فتم توقيفه واخضاعه للتحقيق.
الأمر لم يتوقف عند احراق سيارة الشيخ أحمد بل شهدت البلدة عملية تبادل لإطلاق النار بشكل كثيف في 11 شباط 2021 أي قبل سنتين تحددياً من حادثة اختطاف الشيخ أحمد وذلك بعد استقدام شباب من ضيع أخرى توالي رئيس البلدية، الامر الذي تسبب في حينه بحال من القلق والخوف في كافة البلدات والقرى العكارية.
القلق يسود القرقف
مع تواتر الأخبار حول مقتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي سادت حالة غليان في بلدة القرقف مما دفع الجيش اللبناني الى استقدام تعزيزات مؤللة كبيرة إلى البلدة منفذاً انتشاراً في كافة شوارها منعاً لأي ردّات فعل محتملة. كذلك شهدت القرى المحيطة تعزيزات مماثلة وبخاصة في بلدتي ببنين وفنيدق.
من جهته المكلف من قبل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان لمتابعة القضية القاضي الشيخ خلدون عريمط صرّح أنّ الأجواء المتوفّرة توحي بأن لا خلفيّات سياسيّة وأمنيّة لجريمة قتل الشيخ الرفاعي. داعياً أهالي القرقف إلى الهدوء وعدم الثأر والاحتكام إلى القانون.
أساس ميديا