مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي يفتتح دورته الرابعة … بــ”النمرود”!
“كالمستجير من الرمضاء بالنار” استجار شعب بابل ومملكة آشور بـ”النمرود” ليخلصهم من ظلم وطغيان وقهر ملكهم “الضحاك”، فأصبح هو أكثر ظلماً واستبداداً وفتكا به، هذا مضمون العرض المسرحي الذي افتتحت به فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في دورته الرابعة، والذي شهده كاتب نصه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وحشد كبير من مبدعي المسرح الخليجي والعربي.
يعد العرض إحدى المسرحيات الشهيرة من مؤلفات القاسمي المسرحية العديدة، التي استدعى فيها قصصا تاريخية معروفة ليعكسها على الواقع ويعبر من خلالها عن جملة من القضايا والصراعات الإنسانية، وذلك باستدعاء قصة أحد أشهر الملوك في التاريخ وهو النمرود بن كنعان حاكم بابل وملك مملكة آشور.
مسرحية الافتتاح
العرض الذي قدمه طلاب أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية بإخراج بيتر بارلو، المدير والرئيس التنفيذي للأكاديمية، جاء تحفة فنية عبر لغة تعبيرية وبصرية وسمعية مكثفة وحادة في قوتها، تجلى فيها الديكور الذي صممه الأكاديمي خليفة الهاجري مع رمزية الاستبداد والطغيان، بدءا من الأعمدة المبنية من الحجر والأخرى القائمة ككتل صلبة ومرورا بالمستطيلات التي تشبه الأحجار التي يتداولها الشعب وانتهاء باستغلال العبودية لبناء قصر وصرح النمرود.
تشكيلات الأداء الجسدي الراقص والأزياء الفقيرة التي تشابهت كثيرا مع لون الرمل الرمادي، جاءت منسجمة مع قوة وحدة الموسيقي وحركة الإضاءة وتصميمات الرقصات والأصوات الصادرة عن الممثلين، التي تعبر عن حالة الخوف والرهبة والفزع من آلة القمع القاتلة للضحاك أولا والنمرود ثانيا، كما أن استخدام كل من الضحاك والنمرود وحراسهما للعصا الطويلة الغليظة والتي كان سقوطها على خشبة المسرح يحدث دويا خشنا وقاسيا شكل دلالة على وحشية الطغيان. وكل ذلك تواكب مع كلام قليل جاء فقط ليحمل وجع الناس وفزعهم.
لقد أطلق أحد أفراد الشعب صيحة الثورة على الضحاك “ثوروا على الضحاك قبل أن يقتلكم”، لكنْ أحد من الشعب لم يكن مؤهلا للحكم، بل لم يكن راغبا في أن يحكمه أحد من أبنائه خوفا من ضعفه، فتم الالتجاء إلى النمرود الرجل القوي، قاتل الأسود، الذي ما إن ترشح حتى قام بالقبض على الضحاك وفضح عصاه التي كان يقمع بها الشعب؛ حيث كانت عصا الضحاك تحمل حيات زائفة. ثم أمر بإلقائه في مغارة ليموت فيها.
ما إن أعلن النمرود ملكه حتى أمر الشعب بأن يعبده صارخا “أنا ربكم الأعلى” وأن يتقدم أفراده واحدا تلو الآخر ساجدا له مؤمنا بربوبيته، فإذا لم يسجد ويؤمن قتلته العصا الغليظة، وهكذا أصبح ربا تسبح حاشيته بحمده، فيما شعبه يسايره خوفا وطمعا، هذا الشعب الذي يسخره في بناء قصره، حتى إذا أصاب القحط البلاد وجاع الشعب، ذهبوا إليه فأمر وزيره قائلا “أعْطِ من يؤمن بي، ولا تعطي من لا يؤمن بي”: “ـ من ربكم؟/ ـ النمرود/ ـ أعطوهم الطعام”.
نفد الطعام، وإذا بأحد أفراد حاشيته يقترح عليه أن يسخر الشعب في بناء صرحه الذي سيصعد عليه ليرى إذا كان هناك رب غيره، وأن من يعمل في البناء يحصل على طعامه ومن لا يعمل لا يحصل، ويتم البناء وسط غرور وكبر النمرود وبنائه، ويحتشد الشعب، ويبدأ النمرود في الصعود واعدا شعبه بأنه إذا وجد ربا غيره في السماء سيأتي به ويقتله أمامهم. لكن الصرح ينهار وتتوالى النكبات على مملكة بابل وشعبه، فهل يتراجع النمرود؟
أبدا، بل يصر على ربوبيته وأنه قادر على محاربة ذلك الرب على الأرض، ويا خيبته حين يعرف أن لغة الشعب أصبحت 72 لهجة.. وهنا يعلن الحرب، على من؟ لا يدري سوى تلك الأصوات التي تباغته “آمن بي أترك لك ملكك”، لكنه يذهب بجيشه مع مطلع الشمس إلى الصحراء، فيهاجمه البعوض ويهلك جيشه ويصيبه في خياشيمه ويتوغل حتى يأمر شعبه بأن يضربه على أم رأسه لعل آلامه تقف، فيتحلق حوله ويضربه “قيل لمدة أربعين سنة وقيل لمدة أربع مئة سنة”.
عقب انتهاء العرض صعد الشيخ سلطان بن محمد القاسمي إلى خشبة المسرح حيث التقط صورة تذكارية مع طلبة أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية الذين أدوا العرض المسرحي، موجهاً شكره لفريق العمل على رأسهم الأكاديمي بيتر بارلو مخرج المسرحية، كما وجه شكره لجميع طلبة الأكاديمية، وخص بالشكر طلبة الدفعة الثالثة، متمنياً لهم التوفيق والنجاح ومشيرا إلى أنهم يمثلون النواة التي ستبذر علوم المسرح في العالم العربي. وأكد أن أهمية الأكاديمية تتمثل في الارتقاء وتطوير المسرح العربي في كافة أقطاره من خلال تأهيل المنتسبين إليها بالعلم الصحيح وباستخدام أفضل الطرق والمهارات.
عروض وفعاليات
تشارك ستة من أبرز وأحدث العروض المسرحيَّة بدول الخليج العربي في المسابقة الرسميَّة للمهرجان، حيث يتكفل المهرجان بإنتاج الأعمال المشاركة فيه، ويختبر مستوياتها الفنيَّة عبر لجنة محكمة تضم مجموعة من الفنانين من ذوي الخبرات والتجارب الملحوظة، وهم عبدالله راشد (الإمارات)، وعلاء عبدالعزيز سليمان (مصر)، ومحمد منير العرقي (تونس)، ونوال بنبراهيم (المغرب)، وفراس الريموني (الأردن). ويخصص جوائز قيمة للجهود المتميزة والمبتكرة.
ويشهد الجمهور على مسرح قصر ثقافة الشارقة عرض المسرحيات المشاركة وهي مسرحية “الهود” المقدمة من فرقة مسرح الشباب من المملكة العربيَّة السعوديَّة، ومسرحية “يا خليج” المقدمة من فرقة جلجامش من مملكة البحرين، ومسرحية “زغنبوت” المقدمة من فرقة مسرح الشارقة الوطني من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومسرحية “عنقود العنب” المقدمة من فرقة المسرح العربي من دولة الكويت، ومسرحية “غجر البحر” المقدمة من فرقة قطر المسرحيَّة من دولة قطر، ومسرحية “سدرة الشيخ” المقدمة من فرقة صلالة للفنون المسرحيَّة الأهليَّة من سلطنة عمان. وتتنافس هذه العروض على جوائز تشمل الإخراج والتمثيل والديكور والإضاءة والمؤثرات الصوتيَّة والموسيقيَّة والتأليف، إضافة إلى جائزة أفضل عرض التي تبلغ قيمتها الماليَّة مئة ألف درهم.
وينظم المهرجان ندوة نقديَّة يوميَّة تحلل مضامين الأعمال المشاركة، وتناقش أدواتها ورسائلها. وتحظى العروض بمتابعات نقديَّة على صفحات نشرة المهرجان اليوميَّة، إلى جانب التقارير والتغطيات والحوارات المواكبة للحدث الفني. كما يتضمن العديد من الأنشطة المصاحبة، التي أُعدت لتعزيز جسور التواصل بين المشاركين والضيوف والجمهور، من بينها الملتقى الفكري الذي يأتي في هذه الدورة تحت عنوان “المسرح الخليجي: اتجاهات المستقبل” بمشاركة نخبة من المسرحيين الممارسين والأكاديميين.
وفي الإطار ذاته ينظم المهرجان ست ندوات ثقافيَّة مسائيَّة، تعرّف بجهود ونجاحات الفرق المسرحيَّة في عُمان، وموقع المرأة في المسرح الكويتي، ومسيرة المسرح القطري وأبرز محطاته، والمسرح السعودي في أفق رؤية 2030، وتأثير الموسيقى الشعبيَّة على المسرح الإماراتي، وحضور الممثل البحريني بين الموهبة والشهادة الأكاديميَّة، ويحتوي البرنامج المصاحب على ورشتين واحدة عن أصول الإلقاء المسرحي، والثانية عن مسرحة التراث من منظور سينوغرافي.
كما أن هناك مساحة خاصة للأجيال المسرحيَّة الجديدة، حيث يقدم المهرجان لجمهوره عرضين من أميز عروض الدورة الأخيرة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، ويستضيف مجموعة من الطلبة العرب الذين شاركوا في دورات سابقة من ملتقى الشارقة لأوائل المسرح العربي.
العرب