الظّرفي والحقيقي في مخاصمة “التيّار الوطني الحر” لـ”حزب الله”… بإنتظار “السعر” المناسب!

من حق اللبنانيّين الذين كواهم “حليب” التيّار الوطني الحر” أن ينفّخوا على “لبن” ابتعاده المعلن عن “حزب الله”.

وقد بيّنت التجربة السابقة أنّ “التيّار الوطني الحر” الذي أسّسه العماد ميشال عون ويترأسه حالياً النائب جبران باسيل، يطرح في السوق الشعبية اللبنانيّة شعارات ضخمة، ولكنّه عندما يأتيه “السعر” المناسب يبيعها!

ويشعر اللبنانيّون حالياً أنّ الأسباب التي تُبعد “التيّار الوطني الحر” عن “حزب الله” هي أسباب أنانيّة، إذ إنّ الحزب يذهب إلى خيارات تتناقض ومصالح هذا التيّار، كتمسّكه برئيس “تيّار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهوريّة، فيما يتطلّع رئيس “التيّار” جبران باسيل، إمّا إلى نفسه أو إلى شخصيّة يختارها بنفسه وتبقيه “رئيس الظل”.

وعليه، فإنّ خصوم “التيّار الوطني الحر” يعتقدون أنّ تناقض المصالح بين الطرفين هو الذي يبعد “التيّار الوطني الحر” راهناً عن “حزب الله”، وإذا تقاطعت هذه المصالح مجدّداً، فإنّ التناغم بينهما سوف يعود إلى ما كان عليه، ما يكبّد اللبنانيّين مزيداً من الخسائر وينقلهم من كارثة إلى كارثة، كما حصل في السنوات الأخيرة، ولا سيّما في ولاية الرئيس ميشال عون الذي كان يستحيل أن يصل إلى القصر الجمهوري لولا إصرار “حزب الله” عليه وتكبيد البلاد أبهظ الأثمان من أجله.

هذا منطق مفهوم وبديهي، ولكن هذا لا يُعفي من التعاطي مع هذا التطوّر، بشيء من الحياديّة “المؤقتة”، لأنّ من شأن استمراريته أن يوفّر مساحة مريحة لخصوم “حزب الله” المبدئيّين، إذ إنّ تحليل الأبعاد غير الأنانيّة لابتعاد “التيّار الوطني الحر” عن “حزب الله” يظهر أن لا حلفاء حقيقيّين في لبنان لهذا الحزب، بمشروعه وعقيدته وأجندته، إلّا في صفوف الانتهازيّين الذين يسارعون إلى فض شراكتهم معه، رافعين شعارات سياديّة، بمجرد أن تنتفي هذه المصلحة.

ومن يذهب أبعد من كلام رئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل ويدقق في أدبيات المحازبين يكتشف أنّ المشكلات التي يثيرها هؤلاء في وجه “حزب الله” هي من الطبيعة نفسها لتلك التي طالما أثارها خصوم “حزب الله” المبدئيّون، وتالياً فإنّ الرسالة التي يمكن للداخل والخارج أن يتلقفها، في ضوء هذه “الحرب الباردة”، أنّ لبنان، بغالبيته، في مكان و”حزب الله” بسلاحه وترهيبه وأجندته، في مكان آخر.

والأهم من ذلك، فإنّ الخصومة المستجدة بين “التيّار الوطني الحر” و”حزب الله” تمنع الحزب من تحقيق مشروعه السلطوي في لبنان، الأمر الذي يلبّي، ولو جزئياً، تطلعات خصوم الحزب المبدئيّين.

صحيح أنّ تعطيل مشروع “حزب الله” السلطوي يطيل أمد الشغور الرئاسي، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ خصوم الحزب المبدئيّين سبق لهم أن هددوا بتعطيل النصاب، إذا تمكّن الفريق الذي يقوده الحزب من توفير الأكثرية اللازمة لإيصال مرشحه إلى القصر الجمهوري.

ووفق زوّار الرئيس السابق ميشال عون، فإنّ فراق “التيّار الوطني الحر” ليس “ظرفياً” بقدر ما هو هدف قائم بذاته، إذ إنّ عون خرج من القصر الجمهوري “مكسوراً”، ولا يريد أن يكتب التاريخ عنه ما يمكن أن يكتبه من سيّئات، إذا غادر هذه الدنيا، على الوضعية التي هو عليها.

ويعتبر عون أنّ ما آلت إليه أحواله سببها “حزب الله” الذي ناصر الفساد ودعمه، ووقف وراء التهريب وشجّعه، وجعله يختار بين الاستقرار الداخلي ومعاداة الدول الصديقة للبنان، تتقدمها دول مجلس التعاون الخليجي التي كانت قد انفتحت عليه، عند وصوله إلى رئاسة الجمهورية، بدليل الزيارة التي قام بها للمملكة العربيّة السعودية، ودعم أكثر من طرف داخلي، بمن في ذلك كبار الموظفين، ليستقووا على رئيس الجمهوريّة.

وتتلاقى الخلاصات التي يقدّمها عون عن تجربته مع “حزب الله” مع خلاصات سبق أن توصّل إليها الرئيس الأسبق ميشال سليمان، عندما قال إنّ “حزب الله” يمنع قيام الدولة في لبنان.

وعليه، فإنّ قرار عون الذي ينفّذه باسيل يقضي بالابتعاد عن “حزب الله” ما دام على قيد الحياة، على أن يكون التصعيد في لحظة وطنية مناسبة، كفرض انتخاب رئيس للجمهوريّة من دون اكتراث بمعارضة القوى المسيحيّة الأساسيّة أو تمديد ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أو خلاف ذلك.

ومهما كانت عليه الأسباب، فإنّ ابتعاد “التيّار الوطني الحر” عن “حزب الله” يصب في خانة هؤلاء الذين طالما قالوا إنّ مصيبة لبنان التي نشأت بعد الخروج السوري تمثّلت في “اتفاق مار مخايل” الذي وقعه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله ورئيس “التيّار الوطني الحر”، يومها ميشال عون، في السادس من شباط (فبراير) 2006.

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة