“الاستفاقة” المتأخرة على سلامة وحزب الله.. هل ما زال الأميركيون يضحكون؟

لم يأت التسريب الأميركي عن نية فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من فراغ. وبمجرد أن يتم تسريب مثل هذا النوع من الأخبار، يعني أن الغاية لا تتعلق بفرض عقوبات على الشخص. فغالباً ما تحيط الولايات المتحدة الأميركية قراراتها بفرض عقوبات على جهات معينة بالكتمان، ليصدر القرار فجأة. الاستثناء الوحيد الذي حصل سابقاً كانت العقوبات التي فرضت على رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، لأن التلويح بها وتسريب الأخبار كان نوعاً من أنواع الضغوط التي مورست على باسيل في إطار المفاوضات التي خيضت معه. حالياً، يتكرر المشهد مع حاكم مصرف لبنان، من خلال التلويح بفرض عقوبات عليه، مع تقصّد تسريب هذه الأخبار، والتي جاءت بعد سلسلة خطوات وضغوط أميركية.

 

الصرّافون و”الحزب”
لم يأتِ التسريب الذي يهدد سلامة من فراغ، بل بدأ المسار منذ العقوبات التي فرضت على شركة “سيتكس” بتهمة عملها مع المصرف المركزي لخدمة حزب الله. تلتها خطوة توقف منصة صيرفة عن العمل. وكان الضغط الأميركي هو الذي أسهم في إيقافها، وذلك بعد اكتشاف كميات من الدولارات في حوزة ضباط سوريين كبار، وبسبب استفادة حزب الله من عمل هذه المنصة. استكمل المسار في خطوة توقيف الصرّافين غير الشرعيين، والذين تم توقيفهم بناء على طلب من سلامة، الذي قال علانية إنه لن يتدخل في السوق لتخفيض سعر الصرف قبل توقيف هؤلاء الصرافين، علماً أنهم يعملون لصالح المصرف المركزي! وتم إبلاغهم بقرار توقيفهم مسبقاً، فسلّموا أنفسهم. وهذه إحدى الإبتكارات اللبنانية. ضغط سلامة في سبيل إيقاف الصرافين وهم ينتمون إلى بيئة طائفية ومذهبية واحدة، في محاولة منه للقول إنه يتصدى لعمل الصرّافين الذين يعملون لصالح حزب الله!

 

كل ذلك يشير إلى نتيجة واحدة، وهي أن سياسية العقوبات أو الضغوط التي فرضت على لبنان منذ ثورة 17 تشرين، كان حزب الله أكبر المستفيدين منها، سياسياً ومالياً. ضعف خصومه وحلفاؤه، وأصبح هو ملجأ الجميع.

في المراحل الأولى للأزمة الاقتصادية خرج حزب الله معلناً أنه الوحيد القادر على الصبر والانتظار والصمود والفوز. وفي بداية كل شهر كانت تسّرب شرائط الفيديو حول الدولارات التي يعمل الحزب على ضخها في السوق، من خلال دفعها كرواتب، للإشارة إلى قوته المتفوقة على كل الآخرين. المسار نفسه انطبق على عملية إدخال البضائع والسلع من سوريا إلى لبنان. فكان حزب الله يلتف بوضوح على العقوبات أو الضغوط.

 

الحلفاء والخصوم معاً
مناسبة هذا الكلام الآن والتذكير به، يأتي في السياق الاستهزاء بما توصلت إليه الدول ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي اكتشفت متأخرة أن حزب الله يراكم الأرباح في المال وفي السياسة، فيما الآخرون والذين يعتبرون في عداد حلفاء واشنطن وصلوا إلى أقصى درجات الضعف. الكثير من المسؤولين الأميركيين سمعوا من مسؤولين لبنانيين بأن سياسة العقوبات والضغوط التي تمارس لن تخدم أحداً إلا حزب الله، لكنهم كانوا يضحكون.

 

في كل الأحوال، تبقى “الاستفاقة” المتأخرة على سلامة، في إطار سياسة الضغوط على الطبقة السياسية اللبنانية، من خلال القول لها إنها وحزب الله واحد، وأنها تمنح الغطاء للحزب من خلال أساليب الإدارة السياسية والمالية والفساد، ومن خلال تعطيل القيام بأي إصلاحات أو اعادة تكوين السلطة بشكل يتلاءم مع الشروط الدولية. وهذا يعني أنه لم يعد هناك من هامش بين “حلفاء” المجتمع الدولي وأخصامه في لبنان، على قاعدة أن الجميع يطبق استراتيجية الحزب.

ما جرى هو نوع من هزّ العصا لرياض سلامة، وتحفيز للطبقة السياسية في سبيل اتخاذ قرارات أساسية في السياسة، من خلال انتخاب رئيس وتشكيل حكومة والذهاب إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وعدم التمديد لسلامة وتعيين حاكم جديد. طبعاً هذا في السياق المعلن. لأن كل طرف، ومن خلال الضغوط التي يمارسها، لديه أهدافه ومصالحه.

 

في خدمة الطبقة السياسية
ينطوي التسريب على رسالة واضحة من قبل الإدارة الأميركية، التي ترى أن حلفاءها يساهمون في تعزيز الفرص المالية لحزب الله، الذي يستغل الأزمة الاقتصادية بدليل ثلاث نقاط، أولاً، الضغوط والنقاش داخل الاتحاد الأوروبي لتصنيف حزب الله بشقيه السياسي والعسكري كتنظيم إرهابي. ثانياً، بيان وزارة الخزانة الأميركية بحق شركة سيتكس واتهام هذه الشركة بمساعدة حزب الله مالياً، والإشارة التي تضمنها البيان إلى مصرف لبنان وتورطه بهذا الأمر. ثالثاً، الوثائقي الفرنسي الذي تم بثه، ويشير إلى آليات تهرب حزب الله من الإجراءات الدولية، ويكشف تمويل حزب الله لأنشطته وارتباطه بشبكات واسعة لتبييض الأموال على الصعيد العالمي.

 

ومما تعنيه الرسالة أيضاً، أن المجتمع الدولي بدأ يرى مساعداته المقدمة للبنان وكأنها تسدي الخدمات للطبقة السياسية اللبنانية، وتمنحها فرص متوالية للاستثمار بالأزمة وإطالتها. فيما هناك من ينصح الخارج بتخفيض هذه المساعدات لإجبار الطبقة السياسية على اتخاذ قرارات جذرية على الصعيد السياسي.

 

من هنا يطرح السؤال الأساسي حول ما ستقوم به الطبقة السياسية اللبنانية. فهل ستدخل في خطأ العام 2004، وهو خطأ التمديد لإميل لحود، فيتكرر في التمديد لحاكم مصرف لبنان، ما سيؤدي إلى تفجير الكثير من الملفات؟

بالنظر إلى الصراع بين مصرف لبنان والمصارف وداخل جمعية المصارف، وبين المصارف والقضاء، فإن ذلك يشير إلى أن كل هذه الكارتيلات معرّضة للتفكك. هنا ماذا سيفعل حزب الله؟ هل سيقف كما اتخذ موقفاً في اليوم الثاني لثورة 17 تشرين والتصدي لها، والقول إنه حامي النظام؟ أم أن الطبقة السياسية ستجد نفسها ملزمة بتقديم الأضحية؟ وهنا، هل سيكون الضحية رياض سلامة أم المصارف؟ أم الذهاب إلى تسوية بشروط دولية من شأنها إعادة تركيب السلطة السياسية والنظام المصرفي والرضوخ لرؤية خارجية حول كيفية تلزيم القطاعات وآلية استثمارها؟

منير الربيع – المدن

مقالات ذات صلة