حمّى الدولار… عصْفٌ مالي أم تحمية للملف الرئاسي؟

هل «حمّى» الدولار التي تستعر في لبنان هي من «العوارض» الملتهبة للانهيار المالي الذي اتخذتْ ديناميتُه أشكالاً أكثر توحُشاً في ضوء التمادي الفاضح في تأخير إنجاز خريطة الطريق المرسّمة بوضوحٍ من صندوق النقد الدولي ما جعل «العاصفة الشاملة» تشتدّ منْذِرة بفصول أعتى؟ أم أن الهَزّات المتلاحقة في السوق السوداء التي تشتعل بأرقام مُرْعبة يناطح معها الدولار 80 ألفاً هي في سياقِ سيناريو متعمَّد لترْك البلاد تنزلق نحو الارتطام المميت و«تحمية» الأرض تمهيداً لشقّ حل «على الحامي» للمأزق الرئاسي؟

 

سؤالان خيّما أمس على بيروت التي بالكاد تسنى لها إجراء «الحصاد السياسي» للمشهدية التي عبّر عنها تحوُّل ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري محطةً جدّدت «بوليصة التأمين» الشعبية لزعامة الرئيس سعد الحريري المتمسك بتعليق عمله السياسي حتى إشعار آخَر، بعدما تطايرتْ تشظياتُ الارتفاع الهستيري للدولار على أكثر من صعيد، وسط تحركاتٍ في الشارع بدت أقرب إلى «بروفة» غَضْبةٍ قابلة للاستثمار في اتجاهات عدة ترتبط بالأزمة الرئاسية و«أخواتها» على مستوى عمل الحكومة التي تجتمع على «رِجل ونصف» تحت يافطة البنود الطارئة، والبرلمان الذي يبذل رئيسه نبيه بري جهوداً حثيثة كي «يقف على رجليه» للانطلاق في «تشريع الضرورة» بعيداً عن «الهدف الأمّ» المتمثل بإنهاء الشغور الرئاسي الذي ما زال حتى الساعة أقرب إلى «المهمة المستحيلة».

ومع تسجيل الدولار 77 ألف ليرة وسط إشاراتٍ إلى أنه ماضٍ في تحطيم أرقام قياسية على مدار الساعة، شهدت مناطق عدة عمليات قطع للطرق من مواطنين غاضبين، في بيروت والشمال ولا سيما في طرابلس حيث ترافقتْ بعض التحركات مع إطلاق نار، وفي عكار، وسط مؤشرات إلى أن رقعة الاحتجاجات ستتوسع كـ «بقعة زيتٍ» فوق نار غلاء أسعار السلع التي تشتعل ولم يعد بإمكانها اللحاق بالدولار المجنون الذي ارتفع منذ السبت بأكثر من 12 ألف ليرة.

 

وسرعان ما أجّج «تحليق» الدولار الأسود الاضطرابات في الأسواق ولا سيما قطاع المحروقات الذي طالب إما بدولرة التسعير وإما بآلية أكثر مرونة تتيح صدور أسعار على مدار اليوم تُحاكي تحرُّك العملة الخضراء صعوداً أو هبوطاً، وسط إرباكاتٍ سادت بعد تلويحٍ بتوقف كل المحطات عن العمل وبفعل رفْع بعضها خراطيمه في أكثر من منطقة وتَفَلُّت بعضها الآخر من سقف التسعير الذي يصدر عن وزارة الطاقة (اقترب سعر صفيحة البنزين من مليون ونصف المليون ليرة) في محاولة للحدّ من الأضرار والخسائر الناجمة عن الوثبات المتتالية للدولار.

 

وفيما انعكس عصْف الدولار أيضاً على المحال التجارية ولا سيما الصغيرة التي أقفل بعضها، ازدادت المخاوف مما ستحمله الأيام المقبلة في ضوء عدم بروز إشاراتٍ إلى رغبةِ أو قدرةِ مصرف لبنان على التدخل بآخر «سلاح الاحتياط» الذي يملكه لإبطاء السقوط الحر مرة جديدة، في ظل استمرار الإضراب الجزئي للمصارف التي تشكّل «الجسر» لأي ضخّ للدولار عبر منصة «صيرفة»، وعلى وقع علامات استفهام كبرى حول سرعة «تَبَخُّر» مفاعيل القبض على «حيتان» سوق الصرافة من ضمن «معالجةٍ أمنية – قضائية» لمشكلة مالية – نقدية – سياسية كررتْها السلطة وأثبتت عدم جدواها.

 

ولم تعُد أوساطٌ واسعة الاطلاع تُخْفي قلقها من أن يكون ثمة مَن بدأ «يعدّ المسرح» لفرْض وقائع في الملف الرئاسي على وهْج فوضى، قد تبدأ مضبوطةً، ولكن أحداً لا يمكنه التكهّن بالمدى الذي يمكن أن تذهب إليه في ظلّ تَشابُك الأجندات واللاعبين، مبديةً الخشية في الوقت نفسه من أن خروجَ الوضع اللبناني عن «انضباطه» ربما «يفيد» في الدفْع نحو حلّ «قيصري» للاستحقاق الرئاسي في «توقيت» يختاره أفرقاء وازنون في الداخل، وليس في الزمان «المضبوط على ساعة» حِراك خارجي بات بمثابة «تدويل ضمني» يثير ريْبةَ هذه الأطراف ودولاً إقليمية.

 

وعشية إطلالة منتَظَرة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بعد ظهر اليوم، جاء لافتاً أمس موقف لنائبه الشيخ نعيم قاسم تطرق فيه إلى اللقاء الخماسي الذي عُقد في باريس قبل 10 أيام وضمّ ممثلين لكل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، لافتاً إلى «ان الاجتماع الخماسي تحدث بالعموميات، وثبت عدم تدخل الخارج أنهم ‏قاموا بإجراء استطلاع أولي كلٌّ بحسب بلده، فوجدوا أن لا إمكان لتجميع عدد من الكتل على قياسهم ‏ليختاروا رئيساً، لذلك بدل أن يتورّطوا ويفشلوا قالوا إنهم ينتظرون اللبنانيين ليختاروا، لذلك هذا ‏الخارج لن يتدخل لأنّ الفسيفساء النيابية مبعثرة، فمَن يراهن على الخارج يضيّع الوقت ويمدد الفراغ، ‏والأفضل ألا يتدخّل الخارج لأنَّه إذا تدخل سيكون منحازاً وسيخرِّب أكثر من هذا الخراب في بلدنا».

 

وشدّد على أن «اقتراحَنا الحوار ثمَّ الذهاب إلى الانتخابات لأنَّ المقابل هو الجمود ‏والتعطيل»، محذراً «إذا استمررنا على هذه الشاكلة فسيتأخر الانتخاب ولا أحد يعلم ‏إلى متى».

وفي موازاة التصويب على الاجتماع الخماسي، كان سفراء الدول التي شاركت فيه يكملون جولتهم لوضع المسؤولين اللبنانيين في أجواء لقاء باريس الذي ناقش الملف اللبناني بشقيْه السياسي، الذي يختزله الشغور في موقع رئاسة الجمهورية (منذ 1 نوفمبر)، والمالي في ظل الانهيار المتسارع وعدم تنفيذ الإصلاحات الشَرْطية لبلوغ اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.

 

وقد استقبل وزير الخارجية عبدالله بوحبيب سفراء فرنسا آن غريو، الولايات المتحدة دوروثي شيا، مصر ياسر علوي، قطر إبراهيم عبد العزيز السهلاوي، والقائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية فارس حسن عمودي واطلع منهم «على خلاصة الاجتماع الخماسي الذي كان عُقد في باريس وشدّد على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية.

 

كما أكّدوا وجول البدء بإجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية اللازمة، علمًا أنّ الدول الخمس ستبقي اجتماعاتها مفتوحةً لمتابعة التطورات».

 

الراي الكويتية

مقالات ذات صلة