زيارة الحريري خارج السياق اللبناني: لن نتخلى عن اماكننا لأحد

وُصف اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 بـ”الزلزال” الذي ضرب لبنان. زلزال لا تزال تداعياته وارتداداته قائمة إلى اليوم. يحدث في التاريخ أن تتغير معالم السياسة بتغييب رجالها. لكل رجل دور ومرحلة. كان يراد لاغتيال رفيق الحريري أن يشطب حقبة لبنانية ها هي لا تزال تتهاوى في المال والاقتصاد وقطاعات الخدمات وغيرها. لا يزال الحريري الأب كما الإبن حاضرين في وجدان شريحة واسعة من اللبنانيين. كانت عودة سعد الحريري مناسبة لظهور جمهور تيار المستقبل مجدداً. جمهور يظهر لتجديد الولاء لكنه يُقابل من زعيمه باستمرار ابتعاده عن السياسة.

 

في الأمر غربة وغرابة بالنسبة إلى المتجمهرين. لكنهم يتمسكون ببعض من أمل وبرهان على المتغيرات. رهانات قائمة وهي التي تدفع إلى التحرك في كل مناسبة، للقول إن التيار لا يزال موجوداً، وإن الحريري يمثل الزعامة السنية، ويقابلهم هو في قوله: “لن نتخلى عن أماكننا لأحد”. ما يعني انتظار لحظة استعادة المكان.

 

عودة خارج السياق
وهذا على الرغم من أن عودة الحريري تبدو وكأنها من خارج السياق اللبناني المنهك، والمتسارع في الانهيار. خصوصاً أن النقاش العام المفتوح في البلاد معلّق على أزمات متعددة. من تروما الزلازل، أو النقاش حول التفلت في أسعار الصرف، والترقب لتهديد المصارف بالإقفال التام أو التلهي بأمور سياسية، من السجالات حول الجلسة التشريعية، وعملية انتخاب رئيس للجمهورية، وأي تداعيات سياسية للمسار الدولي المحلي المفتوح. إلا أن السردية الحريرية تبدو متكاملة في ملاقاة كل هذه الوقائع، فيكون التبرير سريعاً ويسيراً حول صوابية خيار الاعتكاف والاستمرار عليه، لعدم تحمّل مسؤولية ما يجري.

من حيث الشكل، لا تبدو زيارة الحريري مؤثرة في السياق العام الذي يهتم به اللبنانيون، في ظلال عقد الاجتماعات ومحاولات التحشيد والحملات الكترونية، إلا أن الزيارة بقيت صامتة، فيما أصبح حسابه على تويتر منصة للتهنئة أو التعزية في المناسبات المختلفة. هو تذكير دائم بالحضور والبقاء. وربما ذلك يشكل فرصة للانتظار، وآمال جمهوره بالعودة السياسية، من دون إغفال ثلاث تجارب سنية في الخروج من السياسة، من تجربة حسين العويني، إلى تجربة صائب سلام الذي غادر بيروت بعد احتلالها من قبل الميليشيات واعتزل السياسة، ولم يعد إلا على مشارف الوفاة. ولا تغيب تجربة ابراهيم قليلات، الذي غادر بعد انكسار عسكري في بيروت، ولم يعد، فيما عاش “السنة والبيارتة” على أحلام العودة في محطات كثيرة، منها ما رغبت به أنفسهم حول عودته بعد اغتيال الحريري، أو تقديم سرديات أخرى حول عودته خلال أحداث السابع من أيار 2008. وذلك أيضاً لم يحدث.

 

تغيرات سياسية
على الرغم من الاعتكاف، تبقى هناك آمال معقودة لدى الحريريين على متغيرات تعيده إليهم. يستند هؤلاء إلى تجارب سياسية تغيرت على وقع أحداث مفتعلة أو أحداث طبيعية، وبعض الكوارث الطبيعية، غالباً ما يكون لها ارتدادات وتداعيات على الوقائع السياسية. وهو ما يظهر حالياً في تركيا وسوريا. ففي الأولى، لا بد من أن تتأثر الانتخابات الرئاسية وعلاقات تركيا مع جيرانها، لا سيما مع اليونان وأرمينيا مثلاً. كذلك في سوريا، حيث نجح النظام السوري ورئيسه بفرض حالة من التطبيع الدولي مع هذا النظام، في مسألة المساعدات أو فتح المعابر. هذا على صعيد دولي، وكذلك على صعيد إقليمي من خلال المساعدات السعودية، والتي سيسعى النظام إلى تعزيزها أكثر، أو دفعها إلى مسار آخر بعد الزلزال، تحت عنوان المساعدات الإنسانية.

 

إنها اللحظة الإقليمية الحساسة، حيث المحادثات الإيرانية السعودية في اليمن تشهد نوعاً من التقدم. فيما على مسار آخر هناك دفعة باتجاه السعي لتطبيع بعض العلاقات العربية مع النظام السوري. وهذه التي يعتبرها البعض أنها قد تخدم ترشيح سليمان فرنجية، على أن يتطابق ذلك مع المسار الفرنسي للبنان، الذي يعتمد مبدأ الخطوة بخطوة، أي انتخاب رئيس وبعدها يتم البحث في تكليف رئيس للحكومة وتشكيلها. وبحال كان هذا السيناريو قائماً، هناك من يعتبر أن التسوية قد تعيد الحريري إلى لبنان وإلى السياسة، على قاعدة سابقة تمت إشاعتها بأن انتخاب فرنجية سيؤدي إلى إعادة الحريري للعب دور سياسي وتكرار تجربة تسوية العام 2016 مع رئيس تيار المردة هذه المرة. مثل هذا ما يدفع الحريري إلى القول: “لن نترك أماكننا لأحد”.

 

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة