رفيق الحريري و١٤ شباط : هل لعب حزب الله دورًا رائدًا في اغتيال الحريري؟

في مثل هذا اليوم، قبل ثماني عشرة سنة، لم تستقبل غالبية اللبنانيّين اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالدموع، بل بالغضب، وعجزت أدوات “التيئيس”التي كان قد جرى استنفارها كجزء لا يتجزّأ من مخطط الاغتيال المدروس بعناية فائقة، عن ترييح القتلة من مواجهة المليونية التي سجّلها يوم الرابع عشر من اذار/ مارس ٢٠٠٥.

في السنة الأخيرة التي سبقت اغتياله، لم يكن رفيق الحريري، بالنسبة إلى هذه الغالبية، رجلًا سياسيًّا عاديًّا، بل تحوّل الى رمز وطني استثنائي، يعمل، بعدما أنجز جزءًا كبيرًا من برنامج اعادة اعمار لبنان، على تحرير البلاد، بالسياسة والديموقراطية، من الوجود العسكري والمخابراتي السوري الذي حوّلته سلوكيات نظامه من قوَة وصاية الى قوَة احتلال.

وقد رفضت غالبيّة اللبنانيّين أن تتعاطى مع اغتيال الحريري، كما لو كان حدثًا عاديًّا في بلد غير طبيعي على الاطلاق، كما أبت أن تعتبره مسألة خاصة بطائفته وعائلته وتيّاره السياسي.

وبناء على ذلك، نجحت دماء رفيق الحريري، في تسريع تحقيق ما كان قد أصبح مشروع حياته: وحدة لبنانية عابرة للطائفيّة، ثورة شعبية بيضاء ضد الاحتلال السوري، استنفار المجتمع الدولي حول “المعارضة السياديّة”، استعادة التوق اللبناني الى العدالة، تكوين حلم وطني لاستعادة الدولة نفسها من براثن معادلة “فرّق تسد” التي يعتمدها كل محتل لديمومة هيمنته التدميريّة.

ولكن كلّ هذه الانجازات، مع تقدّم السنوات، راحت تتآكل. الفريق الذي اغتال الحريري لم يتوقف عن الدفع، بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، للوصول الى أهدافه التي تجلّت في الدوافع المعلنة والسرية التي وقفت وراء تنفيذ “زلزال” الرابع عشر من شباط/ فبراير ٢٠٠٥، في وقت بدأ الفريق السيادي الذي حمل مشروع رفيق الحريري، بالتقهقر أمنيًا،سياسيًّا، ماديًّا ومعنويًّا، حتى جاء يوم بدا فيه أركان هذا الفريق متباعدين الى حدود الخصومة، من جهة وتجمع كثيرين منهم مع خصومهم مصالح جعلتهم حلفاء غير معلنين، من جهة أخرى.

وأعاد هذا السلوك البلاد الى ما كانت عليه في أسوأ أيّام الاحتلال السوري، الأمر الذي أثار مخاوف الداخل والخارج، فكانت “ثورات” جديدة بدت أبرزها وأهمها ثورة السابع عشر من تشرين الاوّل/ اكتوبر ٢٠١٩.

ولكنّ هذه الثورات لم تستطع أن تثمر لأنّها، في واقعها، كانت تفتقد الى رمز ايجابي جامع، الأمر الذي سهّل مهمة الانقضاض عليها، كما أنّها فشلت في تثمير انفجار مرفأ بيروت، على الرغم من ضخامته وفداحته ومدلولاته، لمصلحة أهدافها المعلنة، لأسباب كثيرة، من بينها عدم قدرتها على توحيد رؤيتها سواء الى الصديق أو الى الخصم.

إنّ لبنان الذي يعاني اليوم الأمرّين من كارثته الكبرى، بأمسّ الحاجة الى روحية الرابع عشر من شباط/ فبراير ٢٠٠٥، حيث يوجد المفتاح الوحيد للمأزق الكبير.

وهذا يعني أن تندفع القوى التي تسمّي نفسها سياديّة وتغييريّة وانقاذيّة، في حال كانت تنشد الانتاجيّة، الى العمل من أجل شكل من أشكال الوحدة لمصلحة هدف وطني مشترك يقفز فوق الانقسامات الأنانية والتكتيّة.

انّ “حزب الله” الذي لعب دورًا رائدًا في اغتيال الحريري كما في الانقلاب على ثمار الثورة الشعبية التي شهدها لبنان، كنتيجة مباشرة لهذا الاغتيال، لا يزال، بكل الوسائل التي يملكها، يمنع انتقال لبنان من “حقبة الحفرة” الى “حقبة الدولة”، ولا يمكن التصدّي له إلّا بالوحدة وتوحيد الجهود.

ووضع حد لمنهجية “حزب الله” ليس عملًا مستحيلًا، وإن كان مكلفًا، والتيئيس من مواجهته ليس سوى تكرار لأدبيات كانت تخدم استمرارية الاحتلال السوري وسعى رفيق الحريري بالتعاون مع “الحركة السيادية” الى تهشيمها.

هذا باختصار درس رفيق الحريري وما بعد الرابع عشر من شباط/ فبراير ٢٠٢٣.

فارس خشان- النهار العربي

مقالات ذات صلة