إحباط من الاجتماع الخماسي في باريس… فراغ رئاسي لا أفق قريب لتجاوزه!

تعكف مستويات سياسية رفيعة في لبنان على بلورة ما سمّته مسعى الفرصة الداخلية الأخيرة لاختراق الجدار الرئاسي، فيما يسود الإحباط من تأخر صدور مخرجات اللقاء الخماسي في باريس ما يشي بتباينات دولية إزاء حلحلة الملف.

وكشفت مصادر سياسية لبنانية أن المسعى الجديد يصبّ في نفس المنحى الذي رسمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري منذ ما قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي.

وينص مقترح بري على استمزاج آراء الكتل النيابية وقادة الأحزاب حول الدعوة لحوار مفتوح يراد منه تعبيد الطريق لتكون سالكة لانتخاب الرئيس؛ لقطع الطريق على تمديد مفتوح للشغور الرئاسي.

ويأتي الحوار، الذي يدعو إليه بري تحت عنوان “تأمين أوسع تأييد نيابي لانتخاب رئيس توافقي”، في أن التحدّي يكون في عدم إغراق لبنان المأزوم في المزيد من الأزمات، وأن المطلوب اليوم وقف الانهيار غير المسبوق كشرط أساسي للانتقال به إلى مرحلة التعافي.

وأشارت المصادر إلى أن الدافع إلى ذلك هو الاستشعار بخطر كبير داهم يُخشى أن يتجلّى في القريب العاجل في هزّة سياسية تضرب الواقع اللبناني وتُشرعه على احتمالات سلبية، وارتدادات شديدة الكلفة اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً.

وكانت كتل نيابية عدة منها كتلة التيار الوطني الحر التي يترأسها جبران باسيل قد رفضت المشاركة في دعوة برّي للحوار في وقت سابق واضعة شروطا مسبقة مدفوعة بأجندة سياسية.

ويمثل فيتو التيار الوطني الحر أهم عقبة في انتخاب رئيس الجمهورية، المنصب الذي يظل حصرا على الطائفة المسيحية، إذ يسعى الحزب إلى ترشيح باسيل لرئاسة الجمهورية وهو ما تدعمه أغلب الأحزاب السياسية بما فيها حليفه حزب الله.

ويقف باسيل أمام توافقات نيابية عديدة تدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون اللذان يحظيان بإجماع داخلي وخارجي.
ويقول المعنيون بالتحضيرات للمسعى الجديد “لا توجد أيّ ضمانة، بل واقع واضح خلاصته أن لا أحد في العالم مهتمّ بنا، بل يرتب أجنداته وأولوياته حول ما يعنيه من قضايا وملفات إقليميّة ودوليّة، ونحن في لبنان مستمرون في الانزلاق إلى أسفل”.

وأضافوا ”صحيح أنّ الواقع السياسي لا يطمئن بتناقضاته، وتحدّيه لإرادات التفاهم والتوافق، ولكن ليس في يد الساعين سوى أن يسعوا على قاعدة أنّ كثرة الدق يمكن لها في لحظة ما أن تفك اللحام”.

ورغم طيّ أوراقه قبل أيام، فإن بيانًا ختاميًا لم يصدر بعد عن اجتماع باريس بشأن لبنان، ما أثار تكهنات بشأن تباينات بين الدول الخمس يعكسها تأخر صدور بيان عن اللقاء.

وعُقد في العاصمة الفرنسية باريس، الاثنين الماضي، اجتماع لبحث الأزمة السياسية في لبنان ضم إلى جانب فرنسا الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر، على مستوى الدبلوماسيين، لبحث الأزمة السياسية اللبنانية.

وفيما انتهى الاجتماع دون إصدار بيان حتى الآن، كان من المقرر أن يناقش فشل حالة الحراك الداخلي في التوصل إلى تسوية ما لحل أزمة انتخاب الرئيس.

ولا تزال القوى السياسية اللبنانية منشغلة بمتابعة ما خلُص إليه لقاء باريس الخماسي، مع تضارب المعلومات الواردة إلى بيروت، فبين تأكيد مصادر دبلوماسية وجود تباينات بين الدول الخمس يعكسها تأخر صدور بيان عن اللقاء، لفتت أوساط مطلعة إلى أن عدم صدور البيان سببه عودة المشاركين إلى المسؤولين في عواصمهم لمراجعة النص.

وأكدت المصادر أن المداولات شهدت اختلافاً في وجهات النظر وليس خلافات أو تباينات، مشيرة إلى أن نتائج الاجتماع الحقيقي سيتبلّغها المسؤولون اللبنانيون مطلع الأسبوع الجاري.

وكشفت ذات المصادر أن السفراء المصري والفرنسي والأميركي والقطري طلبوا موعداً للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري لإطلاعه على النقاط التي جرى الاتفاق حولها.

وترى أوساط سياسية أن اجتماع باريس لم يُضف أيّ إيجابية على الأجواء في بيروت، مشيرة إلى أنه رغم تأكيده على أن لبنان ما زال محط متابعة واهتمام الدول الخارجية، لكن عدم الخروج بتوصيات أو مواقف يشي بغياب الاتفاق على مقاربة واحدة بين الدول الخمس التي اجتمعت حول لبنان، ويُشير إلى أن لبنان، رغم وجوده في اللائحة، لكنه ليس ضمن أولويات المجتمع الدولي.

وأشارت الأوساط إلى أنه لم يكن من المنتظر أن يأتي الاجتماع بنتائج على الأرض، بغض النظر عمّا إذا كان مثمراً أو لا، مؤكدة أن الحلول لا يُمكن أن تكون من طرف واحد.

وبفعل تعقد الحسابات السياسية والطائفية في لبنان فإن اختيار رئيس للبلاد، أو حتى تشكيل حكومة أو تكليفها، يستغرق في العادة أشهرا عديدة، وفي العام 2016، وبعد أكثر من عامين على الشغور في سدة الرئاسة، جاء انتخاب ميشال عون رئيسا للبلاد بعد 46 جلسة برلمانية بموجب تسوية سياسية بين الفرقاء السياسيين. لكن الفراغ السياسي القائم في لبنان حاليا، يبدو مختلفا في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعاني منها البلاد وأدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار.

العرب

مقالات ذات صلة