خماسيتان: “ترتيب” الرئاسة باستقطاب جعجع أو باسيل… القادران على التعطيل أو التسهيل
خمس دول اجتمعت في باريس سعياً لوضع تصور عام حول كيفية خروج لبنان من الأزمة السياسية القائمة وانتخاب رئيس للجمهورية. في الداخل اللبناني خمسة أفرقاء أساسيين يفترض بهم تلقف خريطة الطريق هذه، والتحرك سياسياً في سبيل الوصول إلى تسوية. الدول الخمس هي الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، المملكة العربية السعودية، قطر ومصر. أما الأفرقاء الخمسة على الساحة اللبنانية فهم حزب الله، حركة أمل، التيار الوطني الحرّ، القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي، بالإضافة إلى نواب مستقلين يمكن أن يكونوا حلفاء أو متقاطعين مع واحد أو أكثر من هؤلاء الأفرقاء.
حركة السفراء
عادت السفيرتان الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو من باريس بعد انتهاء الاجتماع. استأنفتا نشاطهما على الساحة الداخلية. وقبل عودتهما تقرر أن تزورا رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لوضعهما في صورة نتائج الاجتماع، والتركيز على المضمون من دون الدخول في التفاصيل، مع رسم إطار عام لكيفية التعاطي مع آلية إنجاز الاستحقاق الرئاسي. كذلك تقرر في الاجتماع أن يلجأ كل طرف خارجي ديبلوماسياً إلى التشاور مع بعض القوى السياسية اللبنانية التي يتمتع بعلاقات معها، سعياً وراء إقناعها في الذهاب إلى خيار التسوية. ما يعني أن اجتماع السفراء الخمس مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، سيتقلص فيما بعد إلى نشاط لعدد أقل من السفراء في حركة التواصل والتشاور مع مختلف الأفرقاء. إذ أن هناك سفراء لن يجتمعوا بحزب الله مثلاً، ولكن سيتم وضع الحزب في صورة التطورات عبر السفيرة الفرنسية مثلاً.
الصيغة التوافقية
يفترض بالسفراء الخمس أن يعملوا على خطّ دفع القوى اللبنانية إلى التقاطع فيما بينها، لوضع آلية للخروج من الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية. طبعاً لا يمكن الحديث عن انتخاب الرئيس من دون تناول ملف تشكيل الحكومة وماهيّة هذه الحكومة، التي يفترض أن تكون منسجمة مع صفات رئيس الجمهورية، وهي التوافقية، والقدرة على استعادة الثقة والعلاقات مع المجتمعين العربي والدولي. هذا من ناحية العنوان العريض والعام للمسار. أما بما يتعلق بالتكتيك، فإن الأمر متروك للعبة السياسية حول التكامل ما بين ملفي الرئاسة الأولى ورئاسة الحكومة، أو فصلهما. بمعنى إيجاد فرص التوافق على رئيس. وعلى أساس مقومات هذا التوافق، يتم البحث في رئاسة الحكومة وآلية تشكيلها.
في هذه اللعبة يبقى الجانب المسيحي حاجة وضرورة في اتخاذ القرار والتأثير على هذا الاستحقاق. فبحال كانت فرص “الإجماع” متضائلة أو منعدمة، فلا بد من البحث عن صيغة توافقية. وهنا سيكون ثلاثة أفرقاء، وهم الثنائي الشيعي بالإضافة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، بحاجة إلى التفاهم مع أحد الفريقين المسيحيين، إما التيار الوطني الحرّ وإما القوات اللبنانية. وما بين الجانبين المسيحيين تنافس حول من يتمكن من فرض رؤيته. فمثلاً، بحال كان هناك مقومات للتوافق على شخصية قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، وفي حال وافق الثنائي الشيعي والاشتراكي وتمكنوا من إقناع القوات اللبنانية بذلك، في ظل معارضة جبران باسيل العنيدة، يمكن حينها الذهاب إلى انجاز التسوية. أما بحال حصل توافق بين التيار الوطني الحرّ والثنائي والاشتراكي على شخصية أخرى للرئاسة، بينما بقيت القوات في وضعية المعارضة، حينها ستكون هي خارج التسوية.
التعطيل والتسهيل
أما بالنسبة إلى ترشيح سليمان فرنجية والذي لا يزال حزب الله ورئيس مجلس النواب يتمسكان بترشيحه، خصوصاً أن برّي كان قد قال أمام عدد من النواب قبل أيام بأنه لم يتبلغ بوضع أي فيتو على اسم فرنجية، فحتى لو بقي الثنائي الشيعي متمسكاً بذلك، فإن ظروف توفير نجاح فرنجية تبقى متعثرة في ظل معارضة جنبلاط، ورفض الفريقين المسيحيين الأساسيين لهذا الخيار. هذا إلا إذا حصلت تطورات دفعت أحد الأفرقاء المسيحيين إلى المشاركة في الجلسة من دون التصويت لصالح فرنجية، ويكون النصاب قد تأمّن، والميثاقية قد توفرت.
يعرف الطرفان المسيحيان أنهما قادران على التعطيل والتسهيل، سواء اجتمعا أو بقيا على اختلافهما. من هنا، كانت فكرة اجتماع بكركي، والذي حتى الآن لا يزال متعثراً. وحتى لو عقد، لن تكون هناك إمكانية للخروج بنتائج جدية، في ظل محاولة القوات اللبنانية وضع شروط، من قبيل اشتراط التصويت على إسم مرشح والتزام الآخرين بمن يحظى بالنسبة الأعلى من الأصوات، وهو أمر مرفوض من قبل التيار الوطني الحرّ.
يفترض بالسفراء الخمس أن يعدوا تقارير عن لقاءاتهم واجتماعاتهم مع الأفرقاء اللبنانيين، وإرسال مضامينها إلى إداراتهم ليتقرر على أساسها إمكانية المضي بالتحرك في سبيل إنضاج التسوية، واذا كان كانت الحاجة تستدعي عقد اجتماع ثان، أم أن المسار سيبقى في إطار التحرك على الساحة اللبنانية فقط.
منير الربيع- المدن