هل يكسر لبنان “اللأ” الأميركيّة؟

للوهلة الأولى.. وبعد سنوات من القطيعة الرسمية العلنية بين لبنان وسوريا، لا يمكننا أن نرى الخطوة التي قامت بها الحكومة اللبنانية حتى لو كانت تندرج في إطار “الضرورات تُبيح المحظورات ” إلا خطوة جريئة والى الأمام بحال استُكملت بخطوات لاحقة تعيد العلاقة بين البلدين الى طبيعتها، فما حصل يمكن وصفه أن هناك شيئاً إيجابياً حدث يقابله شيء سلبي كُسِر.

 

هنا إذا رأينا المشهد بشقه الإيجابي، صحيح أن الزيارة معنوية وأتت بإطار التضامن والتعاطف إلا أن طبيعة الوفد الذي أُرسِل رسمياً من الحكومة اللبنانية وترأسه وزير الخارجية ولم يكن محصوراً بالوزراء المختصين فقط، أعطت مضموناً سياسياً، وسبق هذه الخطوة اتصال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بنظيره السوري حسين عرنوس كتقدّم إضافي على مستوى العلاقة بين الطرفين.. خطوتان تُوِّجتا بلقاء الرئيس السوري بشار الأسد بالوفد اللبناني والذي اعتبره وزير الأشغال علي حمية يُبنى عليه الكثير لأن الجانب السوري لاقاه بإيجابية.

 

فإذا كان كذلك، يعني أن ما حصل حجر أساس يُبنى عليه بشكل تراكمي وصولاً لوضع كل الملفات على الطاولة.

بعد قطيعة رسمية دامت طويلاً لا يمكن إلا أن يكون هذا المشهد مُفعماً بالدلالات ومن الممكن استخلاص عِبَر منه شرط ان لا يبقى يتيماً ويكون ردة فعل عاطفية لها علاقة بالزلزال فقط أُحرِجت الحكومة بها، فإذا كانت خطوة معزولة تُعتبر إساءة لتاريخية العلاقة بينهما، هذا الإحتمال وارد إذا قيّمنا القدرة اللبنانية على المواجهة والجرأة باتخاذ موقف يتعارض مع الإرادة الأميركية وتحديداً التجربة مع كل ما يُعرض من ايران وروسيا والصين والذي دائماً يُقابَل بالرفض رغم الحاجة اللبنانية له، وما ينطبق على هذه الدول ينطبق على سوريا بشكل أكبر، من هنا لا يمكننا الرهان على تحوّل ما، فأمام هذا المشهد الإنساني الذي فرض نفسه لا يمكن للبنان الرسمي إلا المشاركة به بعد الهبّة الشعبية التي حصلت لإغاثة سوريا، فكان الوفد الذي شَكَّل بشكله نوعاً من التوازن اتخذ طابع المهنية أكثر من الرسمية ضمن الهامش الدولي إن لم نقل الأميركي. وهنا يكمن شقه السلبي…

واقعياً وأمام أي فرصة لبنانية علينا أن نعرف أن الأميركي بالمرصاد، خاصة بعد التجارب الكثيرة التي أظهرت الضعف اللبناني الرسمي تجاهه باعتباره مُتحكم به ويفرض حصاراً على البلد، فالمطلوب فقط اتخاذ موقف جريء من المعنيين على شكل تضامن وطني يدفع جدياً باتجاه مسار يُعتبر كنقلة نوعية على صعيد الموقف اللبناني السيادي.

 

لكن بعيداً عن السلبية والإيجابية وإذا نظرنا بعين المنطق والمصلحة الوطنية، صحيح أن حجم الكارثة فتح الباب أمام إعادة العلاقة بمشهد كان من الصعب رؤيته في الظروف العادية، لكن إذا فكّرنا من هذه الناحية الأهم فيها تلقف الفرصة لتجاوز كل العقبات بين الطرفين وفتح مسار كبير في العلاقة بينهما، لأن في ظل أزمة البلدين والتي فاقمها الزلزال في سوريا، هناك كم كبير من الحاجيات التي ممكن أن يؤمّنها فتح العلاقة، بحيث تكمن أيضاً أهميتها بالنسبة للبنان بالمساعدة بحل أزمته بشكل عام ومن ضمنها أزمة النازحين والكهرباء وبخاصة وأن باب دمشق يفتح أبواب مع دول أخرى.

 

أما عن واقع سوريا، صحيح أن الزلزال لم يهز الولايات المتحدة برفع العقوبات عنها، ولم يكسر خوف دول أخرى منها، إلا أنه فَرَض على دول كثيرة تجاوز الخوف من الأميركي وكسر قانون قيصر، “الزلزال ” الأكبر الذي هزّ سوريا مِن قبل.

 

مريم نسر – الديار

مقالات ذات صلة