قدامى “المستقبل” في أحضان ميقاتي: تلازم “البيع” و”الحصاد”!

 

يُسيطر الضياع على الساحة السنّية وسط غياب المرجعية السياسية الكبرى، فيحاول بعض الشخصيات حجز مكان له في المعادلة مستغلاً حال الفراغ. حاول مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ملء الفراغ لكن محاولاته فشلت بسبب توزّع النواب السنّة بين مجموعة من «السياديين» وآخرين يُصنّفون قدامى «المستقبل»، وهناك مجموعة في قوى «التغيير» إضافةً إلى سنّة 8 آذار.

وفي زمن غياب زعامة «الحريرية السياسية»، يلجأ السنّة إلى القوى الشرعية، وطبعاً يُشكّل منصب رئيس الوزراء المقام الأول للسنّة في لبنان، ويحاول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إستغلال هذا الوضع، ليس لبناء زعامة، بل لتأمين الإستمرارية السياسية. من ينظر إلى المشهد السنّي، يكتشف تقاسم ميقاتي والرئيس سعد الحريري المشهدية الحكومية، وعلى رغم وراثة الحريري الإبن لوالده في السياسة والعلاقات الدولية وترؤسه أكبر كتلة نيابية بعد انتخابات 2009، يُعتبر ميقاتي الأكثر ترؤساً للحكومات واستمرارية في السلطة.

لم يطمح ميقاتي لبناء زعامة خارج مدينته طرابلس، ورفض التمدّد إلى عكار والضنية، ومع هذا حصد منصب رئيس الحكومة أعوام 2005 و2011، و2021، وسُمّي لترؤس حكومة ما بعد انتخابات 2022، ويستمرّ كرئيس حكومة تصريف أعمال مع إناطة صلاحيات رئيس الجمهورية بحكومته.

أمّا الحريري الذي كان زعيم 14 آذار، فترأس أول حكومة عام 2009 وسقطت بعد انقلاب ما عُرف «بالقمصان السود»، من ثمّ عاد إلى السراي نتيجة تسوية إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً عام 2016، واستقال من رئاسة الحكومة بعد اندلاع إنتفاضة 17 تشرين، ولم ينجح في التأليف بعد إعادة تسميته عام 2020.

يلعب ميقاتي على وتر الفراغ السنّي، وتدل المعطيات على دخوله كشريك رئيسي لـ»الثنائي الشيعي» بعد خروج الحريري من المعادلة، فهو يساير «حزب الله» إلى أقصى حدود، وينسّق خطواته مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ويُعيد إحياء التركيبة التي حكمت لبنان منذ عام 1990، ويُشكّل نقطة التقاء في زمن غياب المرجعيات.

يريد ميقاتي تشكيل مظلّة لطائفته، وفي هذا الإطار يحاول استيعاب قدامى «المستقبل» وتنسيق الخطوات معهم، وهو الذي أصرّ على تمثيل كتلة «الإعتدال الوطني» في الحكومة الأخيرة التي ينوي تأليفها. ويظهر التقارب الواضح بين ميقاتي وقدامى «المستقبل» في الملفات الأساسية وأبرزها دعم النواب لميقاتي في مواجهته رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل وتياره، ومن ثمّ التأكيد على عدم الممانعة في انتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية.

وإذا كان التقارب منطقياً في قضية الجلسات الوزارية، يبقى دعم فرنجية الذي يُصنّف حليف «حزب الله» من النقاط غير المفهومة لدى رئيس حكومة سنّي ونواب من المفترض أن يكونوا في الخطّ السيادي.

وتتجمع كل المعطيات لتؤكّد محاولات عدد من السفراء العرب لتوحيد النواب السنّة لم تصل إلى نتيجة بعد، فهؤلاء النواب الذين كانوا تحت جناح الحريري، لا يريدون رمي أصواتهم النيابية بلا مقابل، لذلك يمتنع معظمهم عن التصويت للمرشح النائب ميشال معوّض، ولم يوقعوا على العريضة النيابية الأخيرة للمعارضة.

ويحاول بعض الوسطاء وعلى رأسهم الرئيس نبيه برّي إقناعهم بالتصويت لصالح مرشّح «الثنائي الشيعي»، أي فرنجية، وذلك من أجل كسر باسيل أولاً، ولحفظ حقهم بالنظام والتركيبة القائمة، على اعتبار أن الطرف الآخر لا يستطيع تقديم مكتسبات مثل «الحزب» والحلفاء.

ومع تأزم الوضع السياسي، يبقى رهان «الثنائي الشيعي» على تأمين عدد أكبر من الأصوات لمرشحه لضمان فوزه إذا ما ذهبت الأمور إلى جلسة إنتخابية تنافسية، ويحاول «الثنائي» جذب «اللقاء الديموقراطي» وقدامى «المستقبل» برعاية ميقاتي من أجل تخطّي رقم فرنجية الـ65 صوتاً، لكن حتى الساعة لم تنجح محاولات «الثنائي الشيعي» خصوصاً بعد فتح «القدامى» قنوات الاتصال مع قائد الجيش.

بات «قدامى المستقبل» بشقه الأكبر أي كتلة «الإعتدال الوطني» في حضن ميقاتي، ولم تنجح كل محاولات قوى المعارضة بجذبهم إليها، وينطلق إختيارهم لهذا الإصطفاف من زاوية تموضعهم في الوسط إلى حين نضوج التسوية وركوبهم موجتها.

نداء الوطن

مقالات ذات صلة